عرب السواحرة -الأصل - الموقع
أمثال خاصة من عرب السواحرة قضاء القدس الشريف
معروف أن لكل جماعة متجانسة جوانب ثقافية خاصة بها ، ومنها المثل الشعبي ، حيث عُرف أنه لكل منطقة بعض الأمثال الخاصة
التي لا يفهمها إلاّ أهل تلك المنطقة ، وقد عرف العرب أن لأهل مكة أمثالهم ، ولأهل المدينة أمثالهم وهكذا . وهذا لا يعني إهمال بقية الأمثال العامة التي يفهمها جميع أبناء الجنس الواحد كالأمثال العربية مثلا ، بل إن هناك أمثالا عالمية يتداولها جميع البشر ، لأن الشعوب إذا عاشت ظروفا متشابهة تنتج ثقافة متشابهة ، ومن الأمثال الخاصة جدا في عرب السواحرة وهم قرية تقع الى الجتوب الشرقي من القدس الشريف ،واشهر جبالها جبل المكبر الذي وقف عليه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه عندما جاء القدس فاتحا من الجابية في مصر،وعندما اكتحلت عيناه بالمدينة المقدسة من قمة الجبل هلل وكبر وخرّ ساجدا لله ،فسموا الجبل جبل المكبر ،وهو يبعد كيلو مترين اثنين عن اسوار القدس القديمة: -
• مثال ثوب حِسن : - حِسِن امرأة من الهلسة كانت تملك ثوبا مطرزا جديدا واحدا ، وكانت تلبسه في المناسبات ، وعندما تخرج من البيت , أو يأتيها ضيوف فأوهمت الآخرين بأن ثيابها جميعها جديدة , ولمّا اكتشفوا أنها لا تملك إلاّ ثوباً واحدا . ضربوا به المثل .
• مثل التين في الفردة : - الفردة شوال كبير الحجم مصنوع من النول المغزول من صوف الغنم وشعر الماعز . وفي أواخر العهد العثماني وزمن الانتداب البريطاني كان السواحرة يسطون على ملاّحات البحر الميت ـ وينهبون ما يستطيعون على دوابهم من الملح ، ثم يبيعونه في قرى القدس ، ورام الله ، وأحيانا كانوا يقايضونه بسلع أخرى ، ومن الفاكهة التي كانوا يقايضون بها " التين " حيث يضعونه في " الفردة " بما يشبه " الخُرج " ويركبون على الدابة فينعجن التين ببقايا الملح ومع ذلك كانوا يأكلونه ، ولشدة عجنه بالملح وسوء وضعه ضربوا به المثل ، ثم سحبوه على الوضع الصحي لأحدهم فإذا ما اشتكى أحدهم من وضع صحي سيء ، وسأله آخر عن حاله كان يجيب مثل التين في الفردة .
• مثل سعدان محمد الأعرج : - محمد الأعرج هو والد الشيخ شراري الأعرج الذي توفي في تسعينات القرن العشرين ، وهو جد ابنه محمد " أبو سائد " مختار حامولة " الخلايلة " الحالي . وكان المرحوم محمد الأعرج مع رهط من أبناء السواحرة في ضيافة أحد القرويين قرب نابلس ، وصادف وجود شخص " قرداتي " يلاعب قردا ،ويتكسب من ورائه وكان الطقس باردا ،فأشعل صاحب البيت كانونا للتدفئة ولصنع القهوة ، فأراد الحضور النوم إلاّ محمد الأعرج أراد السهر ، ولمّا لم يستجيبوا له ، حملَ قضيب الحديد الذي يحركون به النار ، ووضعه فيها حتى احمر ، وغافل القردولذعه على مؤخرته بقضيب الحديد الحامي ، وتظاهر بالنوم ،فالتفت القرد إليهم فوجدهم جميعهم نياما، فسكت ، ولما كرر محمد الأعرج المحاولة قام القرد ونثر الجمر عليهم جميعهم ، فهبوا مذعورين وتسامروا معه , وعندما أخبرهم بفعلته ضربوا المثل بذلك القرد .
• مثل قراية احمد السلحوت لدار أبو رشود : - احمد حمدان السلحوت من مواليد بداية القرن العشرين من عشيرة الشقيرات وتوفي عام 1988 ، وكان يعمل زمن الانتداب في مشروع بوتاس البحر الميت ، وأثناء ذهابه إلى عمله راكبا حماره مرّ بعرب العبيدات، وكان قد مات عندهم طفل فنادوه كونه يسكن في المكبر قرب القدس، ويفترضون أنه يعرف القراءة والكتابة ، مع أنه كان أمّيا ، وطلبوا منه أن يقرأ لهم القرآن عن روح الطفل الفقيد ، فاستجاب لهم خصوصا أنهم ذبحوا ذبيحة " ونيسة" فشووا على الصاج الكبد وبعض قطع اللحم " للخطيب القارئ " ثم وضعوا فخذه كاملة لتطبخ ،وتكون نصيبا " للشيخ " فأستغفلهم وأخذ يردد لهم بعض الكلمات التي لم ينتبهوا لمعناها ومنها " الله يلحق أحياءكم بأمواتكم " وهم يرددون خلفه " "أمين " " والله يأخذ كباركم كما أخذ صغيركم " فيرددون " أمين " وهكذا . وافترضوه أيضا مسئولا في العمل ، فطلبوا منه أن يُشَغَّل العاطلين عن العمل في مشروع البوتاس ، فوعدهم خيرا ،ثم حمل الفخذة المطبوخة وبضع أرغفة من الخبز وامتطى حماره ، وواصل طريقه إلى عمله ، وبعده مرّ أشخاص من المنطقة ، فامتدح أهل الطفل الفقيد قراءة احمد السلحوت لهم ، فسألوهم ماذا كان يقرأ لكم لمعرفتهم أنه أمّي . فرددوا على مسامعهم ما قرأ ؟ فضحكوا وضربوا بهذا الحدث المثل .
• مثل غولة احمد السلحوت : - وهو نفس الشخص السابق ذكره ،تشارك مع أبناء عمه خليل في أربعينات القرن الماضي في فلاحة الأرض في البرية ، وفي موسم الحصاد أرسلوه ليحصد وحده ،فذهب مكرها وذهب إلى مغارة فيمنطقة " الزرانيق " قرب الزراعة، واشعل النيران وأعدطعامه، وبقي يدخن ولم يحصد شيئا ، وبعد يومين مرّ به أشخاص من الجعابيص ، فتظاهر أمامهم بأنه مريض ولا يقوى على الكلام ، فحملوه وأعادوه إلى بيته وبعد أن " تعافى " أخبرهم عن هجوم حيوان مخيف عليه لا مثيل له في المنطقة ، وأنه لم يستطع حماية نفسه إلاّ بالنيران المشتعلة . فلم يصدقوا روايته وضربوا به المثل .
• مثل سابل : - سابل شخص بسيط من حمولة الهلسة ، كان يرعى الأغنام في أبو ديس المجاورة للسواحرة زمن الخلافات على اراضي الزّراعة ، وعندما كان يعود إلى أهله في إجازته ، كان يستمع إلى ما يتحدث به رجالات السواحرة عن مخططاتهم تجاه أهالي أبو ديس ، وعندما يعود إلى عمله يروي ما سمعه لأهالي أبو ديس فيفشلون مخططات السواحرة ، واتهمه السواحرة " بالتجسس " لأبو ديس عليهم . وشنقوه .
• مثل حمدان الأزعر يوم قطع ذنين حمير قرايبه .وحمدان الازعر هذا من عائلة شقير من حامولة الشقيرات، كان في بداية القرن العشرين يشارك في قِرى الضيوف الذين يؤمون مضارب الشقيرات ، وكان الضيوف كالعادة يجلسون في " شقّ" الشيخ إبراهيم حسن شقير شيخ الحامولة ، ولا يعرف الضيف من الذي ذبح الذبيحة . وفي إحدى السنوات وجد نفسه قد ذبح للضيوف أكثر من شيخ الحامولة، لكن الصيت والسمعة الحسنة بالكرم كانت للشيخ الذي كان اسمه ذائعا في مناطق أخرى . حيث كانوا يحترمون أبناء الشقيرات على سمعة شيخهم الكريم ، فاغتاظ حمدان الأزعر من ذلك ، وقرر أن يقوم بعمل سيذكر الآخرون اسمه من خلاله ، فقام بتقطيع أذن حمير حامولة الشقيرات ، وكلما مرّ بهم أحد أو زارهم ويرى الحمير كان يسأل : من قطع أذان حميركم هكذا ؟ فيجيبون : حمدان الأزعر ، فضربوا به المثل .
• مثل الشقيرات فاطروا عن الجمال : - في أواخر العهد العثماني انتشر الفقر والجوع، فجاء أحد الفقراء من مصر
إلى مضارب حامولة الشقيرات في أواخر شهر رمضان طالبا صدقة الفطر ، ولم يكن شيخهم إبراهيم حسن شقير يملك شيئا ،فسأل جميع أبناء حمولته إذا لم يُخرج أحدهم صدقة الفطر ، فأجابوه جميعهم بأنهم أخرجوها عن الذكور وعن الإناث وعن الكبار وعن الصغار، وعن الأجنة في بطون أمهاتهم ، فانتبه إلى بعضهم وكانوا يملكون جمالاً وسألهم :هل أخرجتم صدقة الفطر عن الجمال ؟ ؟ ! وأقنعهم بأن يخرجوا كي يأخذ منهم بضعة قروش للسائل ؟ وهكذا احتال عليهم بذكاء كي يقدم شيئا للسائل ! فضربوا بهذا العمل المثل .
• مثل خوفان : - خوفان شخص من حمولة الزعاترة ، ضاقت به السبل في أواخر العهد العثماني ، ولم يستطع كسب قوت أطفاله ، فجمعهم في جحر واسع نسبيا ، ووضعهم فيه ، وأغلقه عليهم بالحجارة واعدا إياهم بالعودة إليهم عندما يجلب لهم طعاما . فمرّ بالأطفال أشخاص وسمعوا صراخهم فأخرجوهم وأطعموهم، وضربوا به المثل.
• مثل داهوم قتل القتيل ومشي في جنازته : - داهوم من حمولة " الهلسة" وكان شخصا " أهبلا " أوهمه بعضهم بأن فتاة جميلة تحبه ، فلحق بخطيبها وهو من أقاربه وهو يرعى الأغنام وقتله ببندقيته ، ثم نادى على أبناء الحمولة زاعما أنه وجده مقتولا ، وأثناء الجنازة كان يقود الحبل المحمول عليه النعش ، ويلطم ويصيح بأنه سيأخذ ثأره من القاتل ، وبعد الدفن اتهم أهله آخرون بأنهم قاتلوه ، فجاء شخص من حامولة أخرى كان قد رأي الحادث وشهد بما رآه وأن داهوم هو القاتل . فضربوا به المثل .
• مثل رغيف سعدى الحسان : - امرأة من الزعاترة عاشت في أواخر العهد العثماني وبداية الانتداب حيث كان الفقر الشديد منتشرا وبينما كانت تخبز ، اختطف كلب رغيف خبز وهرب به ، فطاردته تريد تخليص الرغيف منه ، ولم يتركه إلاّ بعد أن ابتلعه ، فقالت : مخاطبه للكلب " روح هذا الرغيف عن روح أبوي " فضربوا بها المثل .
• مثل ضعيف العبيدات : - الضعيف هو المريض . ويروى أن طفلا من حمولة العبيدات كان مصابا بالحصبة ،وحرارته مرتفعة ، والمريض في العرف الشعبي لا يقوى على تناول الطعام ، فذهب أبناء الحمولة للحصاد في حين أرسلوا شقيقته تشتري له شرابا كان يباع عند العطار . وعندما عادت وجدته قد أكل الخبز الموجود في البيت وفي بيوت الجيران ، فقالت له: إذا أنت بحاجة إلى سوق شراب وعندما عاد الحاصدون ولم يجدوا الخبز وعلموا بالقصة ضربوا به المثل .
• مثل جمال عوض مشعل : - عوض مشعل من حامولة الشقيرات كان يملك أربعة جمال ويضع في رقبة كل واحد منها جرس، فأينما تحركت كانوا يعرفون مكان اتجاهها ، وإذا ما دخلت في زرْع الآخرين فإن أجراسها تشير إليها .
• مثل حُبّارة أبو عيشة : - أبو عايشه هو المرحوم علي سلامة شقيرات المعروف بعلي أبو الزيت ، ولد عام 1870 وعاش حتى ثلاثينات القرن العشرين .
الحبارة : هي نوع من الطيور .
• يقال أن عددا من الأشخاص من قبيلة بدوية كمنوا له ليضربوه انتقاما من عشيرته لخلاف ما ، وبينما هم في الكمين مرّ بهم غزال فأطلق كل واحد منهم النار عليه ، فأخطأوه بينما هو اطلق رصاصة في الهواء، فاصابت طائر الحبارصدفة، وعندما اقترب منهم أبو عايشه وكان لا يراهم ، ظنوه قناصا ماهرا وفروا هاربين، ولما بانت الحقيقة لجماعته ضربوا به المثل .
• مثل إللي بضحك على ضو نار العدوان : - كان عدد من الأشخاص يتسامرون في قمة جبل المنطار في أواخر العهد العثماني ، وكان بينهم شخص أهبل ، فضحكوا على نكته جنسية بطريقة غير مباشرة كي لا يفهم ، وعندما ضحكوا على النكتة ضحك معهم ، فسألوه لماذا ضحكت ؟ ؟ فأشار إلى نار مشتعلة في الضفة الشرقية لنهر الاردن ، وحددوا المكان أنه مضارب قبيلة العدوان .فضربوا به المثل
د.محمد شحادة و جميل السلحوت
الأغاني الشعبية في عرب السواحرة-2-
أغاني الحصادين
من المعروف أن فلسطين بلاد زراعية ، نظرا لخصوبة أراضيها ، وكثرة مصادر المياه فيها ، وقد اعتنى شعبنا الفلسطيني بالزراعة منذ قديم الزمان ، وأهلنا في عرب السواحرة رغم كونهم ينحدرون من أصول بدوية ، الا أنهم مارسوا الزراعة الى جانب الرعي ، حتى أضحت الزراعة حرفة لهم ، والأغاني الشعبية تلازم الانسان في كل عمل يقوم به ، تنهض من عزيمته ، وتشد سواعده العاملة ابدا . وكانت لأهلنا ولا تزال أغانيهم الخاصة في موسم الحصاد وغيره من المواسم . ونحن نعرف أن البذرة قبل أن تتحول الى سنبلة مثقلة بالبذور الجديدة ، تطمر في باطن الأرض في موسم يسمى موسم الحراثة ، ونرصد فيما يلي بعض الأغاني التي تمكنا من الحصول عليها ، والتي كانت تقال من قبل الحراثين في بلدنا : فهذا الحرّاث يتمنى أن يزول الغلاء ، وتنخفض الأسعار ليستطيع فلاحة أرضه واطعام صغاره ، فيخاطب نفسه :
حرّاث البقر ما أطول معانيك **** قتلت البقر من طول المعاني
هو عاود ريت الغلا ما يعاود
وواضح من القول السابق أن الحراثة كانت تتم بواسطة البقر، وبعد ذلك استعملوا في الحراثة في بلدنا الحمير والبغال وأخيراً التراكتور .. والحراث يحب الأرض التي يتعامل معها حباً شديداً ،لأنها مصدر رزقه وعمله ، وها هو يقول مخاطباً الأرض التي يقوم بحراثتها ، تلما تلما وحبات العرق تغطي جبينه الأسمر :
علينا حَمارك**** وعلى الله غلالك
والحراث يغازل أيضاً :
يا بنت وش هو بلاك**** تمشي وتجري وطاك
قل سبع سنين بحرياك***حريا الفلاح ببذاره
والحراث يرفق بالحيوان والطير ، فالطير بأسرابه الكبيرة يأتي دون ممانع ليلتقط طعامه من البذور المنثورة في باطن التربة، وحين كان الرجل أو المرأة يقوم برش البذور وراء الحراث كان يقول ملخصاً ما أوردناه أعلاه :
الله يا رب تطعمنا *** وتطعم الطير في ظلام الليل
وفي موسم الحصاد ، كان الرجال والنساء يشتركون معاً في جمع الزرع، وسوف نجد في أغاني الحصاد الغزل الى جانب الأغاني التي تمجد المنجل - آداة الحصادين المساعدة في جمع المحصول - ، والمنجل بالاضافة الى وظيفته تلك يخفف الآلام والجروح التي قد تلحق بأيدي الحصادين أثناء عملية الحصاد .
منجلي يا من جلاه**** راح للصايغ جلاه
ما جلاه الا بعلبه*** ريت هالعلبة عزاه
وهذه الأغنية المساعدة في رفع الهمة والنشاط أثناء العمل :
منجلي يا بو الخراخش ***ياللي في الزرع داخش
وهذه أيضاً :
منجلي يا بو رزه***** يللي اشتريتك من غزه
****
والزرع دلّى عنوقه**** وبالمناجل لنسوقه
والايام التي يتساقط فيها الندى لها أهميتها عند الفلاحين، خصوصاً وأن أيام الحصاد تصادف في الصيف القائظ، حيث الحرارة الشديدة وأشعة الشمس المحرقة تكوي جباه الحصادين :
والندى يا م بركه**** هدّ حيلي واضنكه
والندى لولا الندى****كان زرعي ممدّا
وفي الاغنية السابقة نلاحظ أن الحصاد يعمل بجهد متواصل لأن قط
جميل السلحوت و د.محمد شحادة:
عرب السواحرة-الأصل- الموقع
المقدمة:
لقد وجدنا أن من أولى مهمات هذه الدراسة ، تجميع النصوص من حفظتها ، وما من شك في أن الخوض في موضوع كهذا الذي نطرق أبوابه ، موضوع له مشكلاته الخاص
+ة ، فقد كان علينا البحث عن رواة أكفياء ، واكتشاف منشدين " مغنين" حتى نتمكن من استدراج اولئك الرواة والمنشدين ، كي " يبوحوا " لنا بما عندهم من أغان ، وبما يكتنز في صدورهم من نصوص تراثية .
وكنا أحياناً نسجل على الآلات الصوتية ، وفي أحيان أخرى " نأخذ الأرض " ننقل على دفاترنا أغاني شعبية مبعثرة من هنا وهناك ، وفيما عدا ذلك التقينا مع العديدين من حفظة تراثنا الشعبي ، وحضرنا مناسبات عامة مختلفة ، واعتمدنا في بحثنا كذلك على العديد من المصادر والمراجع التراثية والأدبية والثقافية والتاريخية ، وحين توفرت لدينا المادة التي توخينا جمعها بدأنا في تصنيفها لنقدمها في هذا الكتاب الذي نعتز باصداره، ليكون بين أيدي أجيالنا الحاضرة والمقبلة من أبناء شعبنا داخل وطننا الأسير وخارجه . وغايتنا من اصدار ونشر هذا الكتاب أن تتمسك الأجيال الفلسطينية بتراثها، وتحميه من السرقة والضياع ، فالشعب العربي الفلسطيني يواجه بأغانيه الشعبية كافة المحاولات العدوة الهادفة الى سحق شخصيته العربية ، كل ذلك في سخرية جارحة تعبر عن أعماق الموقف الشعبي الحقيقي(1)
وقد خصصنا دراستنا هذه للبحث والتنقيب عن الأغنية الشعبية ، في مناسبات مختلفة، وانصب جل اهتمامنا على الأغاني الشعبية ، في منطقة واحدة من وطننا الفلسطيني وهي منطقة عرب السواحرة ( جبل المكبر ) التي ولدنا ونعيش فيها .
واذا كنا قصرنا هذه الدراسة على بلدتنا فذلك لم يأت من باب تعصب لها ، وانما لأن مواضيع أدبنا الشعبي كثيرة ومتنوعة كثرة مساهمة أبناء شعبنا الفلسطيني في بناء وصنع الحضارة الانسانية .
ان شعبنا شعب عريق يتجذر في أعماق التاريخ، ويتمسك بالتقاليد ، بالأدب والثقافة ويحترمها أعمق احترام ، ونحن نحافظ على تراثنا الماضي ونحبه، ونسعى من خلال بحثنا هذا الى تطويره وندعوا الى ذلك .
ومن هذا المنطلق فإننا ندعوا المخلصين من أبناء هذا الشعب البطل ،وخاصة المقيمين منهم على تراب هذا الوطن، والمنزرعين فيه، أن يجمعوا تراثنا الشعبي ويدونوه ، لما في ذلك من أهمية في المحافظة على هويتنا الوطنية ، خصوصاً في ظروف القهر السياسي التي نحياها .
ولا شك في أن اجراء مسح شامل للأدب والتراث الشعبي في كل قرية فلسطينية سوف يعود بالنفع الكبير على مجمل الحركة الأدبية الفلسطينية، ولسوف يحمي تراثنا الشعبي من الاندثار، ويسيجة بسياج متين ضد محاولات طمسه ومحاولات طمس هويتنا الوطنية معه .
" ان للتراث الشعبي أهمية عظمى في حياة الشعوب ، انه يعمق الصلة بين الانسان ووطنه من جهة ، وبين شعبه من جهة اخرى ، تلك الصلة التي نحن الفلسطينيين أحوج الناس اليها اليوم ، وان شبابنا يفتقرون الى لحظات جمالية كثيرة من فلكلورنا الفلسطيني العظيم " (2)
واننا اذ نؤكد النصوص الأدبية الواردة هنا كما سمعناها في جبل المكبر، فلا غرابة ان سمعنا بعضها أو معظمها يقال في مناطق أخرى في فلسطين، فالأدب الشعبي في بلادنا نشأ في ظروف متشابهة ،وفي ظل مصادر تاريخية وتقاليد ثقافية واحدة عاشها ويعيشها الشعب الفلسطيني بكافة قطاعاته، وفي مختلف أماكن تواجده ، في المدينة والقرية أو البادية ، وان كان يوجد بعض الاختلاف بين ما يقال في هذه المناسبة أو تلك ، فهذا يدلل على أن المنشدين والرواة كانوا يضيفون هنا وهناك بعض الكلمات والألحان الشعبية التي أضفت رونقاً جمالياً على الأغنية الشعبية وعلى الأدب الشعبي . وفي الأدب الشعبي تمتزج التصورات والمثل الجمالية بأخلاق الفروسية ،وتندمج مواضيع الأغنيات الشعبية والقصص البطولية بملاحم الاقطاع، والصيد والقنص الى الغزوات والعمل والغزل والرثاء وغيرها . وفي الأدب الشعبي موضوعات غنية ذات تعقيد في البنية الفنية تشبه الى حد كبير " البُسط " التي يحيكها أهل الشرق .
ونحن نرى الأدب الحديث يتأثر بالأدب الشعبي، بل وقد ينشأ تحت تأثير مباشر منه .
ان هذا الأدب جدير بالدراسة والبحث والتمحيص، فهو يصوّر حياتنا وتاريخنا وأوضاعنا الاجتماعية بشكل عام ، مما يتيح للأجيال القادمة الاطلاع على ما قاله وعاشه أسلافها والتغني به وتطويره ، وعند مطالعة النماذج المختلفة من الأدب الشعبي، يتأكد لدينا أن الاغنية الشعبية افراز لواقع سياسي واقتصادي واجتماعي معاش، وكل هذه الظروف في مجموعها تنعكس على الأغنية في أدبنا الشعبي ، ومن هنا نرفع صوتنا عالياً لنقول : اقرأوا أغانينا تتعرفوا علينا وتعرفون تاريخنا ، اقرأوا أغانينا تقرأوننا . وها هي بين أيديكم فانظروا ما تقوله لكم عنا . " ان الأدب الشعبي في أسلوبه ومحتواه هو حصيلة لحياة عريقة ، عاشها الشعب " (3)
ان الأغاني التي ضمنّاها دفتي هذا الكتاب أغانٍ شعبية من أدبنا ، وهي باللغة العامية أو بتعبير أكثر دقة ، باللهجة العامية الدارجة في جبل المكبر " السواحرة ".
" ان الأدب الشعبي ، هو أدب العامية التقليدي الشفاهي مجهول المؤلف ، المتوارث جيلاً عن جيل ، وهذا الرأي يقول به نقاد الأدب ، المتأثرون بآراء الفلكلوريين من أمثال بول سيبو – والثاني هو الأدب الشعبي ، أدب العامية ،شفاهياً كان أم مكتوباً أو مطبوعاً ، مجهول المؤلف أو معروفه متوارثاً أو معاصراً . والثالث وهو أنه الأدب المعبر عن ذاتية الشعب المستهدف وتقدمه الحضاري ، الراسم لمصالحه ، يستوي فيه أدب الفصحى وأدب العامية، وأدب الرواية الشفاهية ، وأدب المطبعة والأثر المجهول المؤلف، والأثر المعروف المؤلف " (4)
وفي رأينا أن الأدب الشعبي ، انما هو أدب العامية ، انه فن القول العريق والتلقائي المتداول بين الجماهير فعلاً ، والمتوارث جيلاً بعد جيل ، المرتبط بالعادات والتقاليد والذي هو انعكاس لأوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية عاشتها الجماعة .
وهذا لا يعني ان الادب العامي هو ادب شعبي بل العكس ، " ان الادب الشعبي هو ادب عامي في غالبيته، ولكن الادب العامي لا يعني انه ادب شعبي في مجموعه حيث ان بعض انواع الشعر والزجل المنظوم بالعامية، لا تكتب لها الحياة ولا تنشر ، وهناك الكثير من دوواين الشعر المنظومة بالعامية، تبقى محسوبة على الادب العامي، لأنها قد تبقى بعيدة عن وجدان الجماهير، ولا تتفاعل الجماهير معها، ومن هنا لا يجوز ان نجعل الادب العامي مرادفا للادب الشعبي " (5)
اننا نعتبر ان الأدب المدون يرتبط دائما بالادب الشعبي برباط وثيق ، بمعنى انه لا يستغني الواحد منهما عن الآخر، وهكذا فمجمل القول ان كلا منهما يؤثر تأثيرا متبادلا على الآخر . ونريد هنا ان ننفي نفيا قاطعا ما اورده هانز نومان في كتابه " الحضارة الجماعية البدائية " الصادر عام 1921 في فيينا والذي يقول فيه ان الادب الشعبي الأخير هو " تراث ثقافي منهار " ، وفي رأينا ان هذا القول لا اساس له من الصحة ،وتدحضه الحقائق الموضوعية والعلمية والواقع الحياتي، وذلك ان الأدب الشعبي باق بقاء الجماعات البشرية وملازم لها ، ومتطور حسب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحياها هذه الجماعة أو تلك ، وهذا ما سندلل عليه ونثبت صحته وموضوعيته من خلال بحثنا .
اننا ممتنون لأجدادنا على التراث الفخم هذا الذي تركوه لنا وندعو جيل الشبيبة للاستفادة من الخبرة التي كدستها الاجيال السابقة، وندعو الشباب الى ان يطوروا هذه الخبرة، وان يسيروا الى ابعد منها لا ان ياخذوا كل ما يصل اليهم ليخلعوا عليه صفة الاطلاق والالزام حيث لا يكون هناك ادنى تطور.
المراجع :
(1) انظر ، غسان كنفاني ، الأدب الفلسطيني المقاوم (1948- 1968 ) دار الآداب . بيروت . ص 5 .
(2) مجلة الغد ، حيفا ، العدد الثالث ، آذار 1979 ، ص 20 .
(3) أحمد رشدي صالح ، الأدب الشعبي ، اصدار مكتبة النهضة المصرية ، الطبعة الثالثة ، 1971 ، ص 70
(4) مدخل لدراسة الفلكلور ، نبيل علقم ، منشورات جمعية انعاش الأسرة ، البيرة ، 1977 ، ص 36 ، 37
(5) مدخل لدراسة الفولكلور. نبيل علقم. منشورات جمعية انعاش الأسرة-البيرة 1977،ص.36 و 37.
جبل المكبر
الموقع والتاريخ
جبل المكبر " جبل مرتفع كائن قبلي المدينة، والى الشرق من محطة السكة الحديدية ، يفصل بينه وبين جبل الطور وادي سلوان ، وبينه وبين جبل صهيون وادي الربابة : كانوا فيما مضى يسمونه ( جبل المؤامرة ) و ( جبل المشورة الفاسدة ) ، ويعتقد البعض أنه كانت تقوم عليه دار المجمع المعروف بـ ( السنهدريم ) تلك الدار التي قابل فيها يهوذا الاسخريوطي رؤساء الكهنة وقواد الجيش، واتفق معهم على تسليم السيد المسيح عليه السلام ، وقيل أيضاً أن قصر قيافا رئيس الكهنة كان فوق هذا الجبل وفيه اجتمع الكهنة ورؤساء الشعب اليهودي لأجل التآمر على صلب المسيح . وبجانبه هضبة يقوم عليها ضريح المجاهد الاسلامي المعروف بـ ( أبي ثور ) ، ومن هنا جاء اسم الحي الذي يقوم على هذه الهضبة : حي أبي ثور ، والاسم الآخر لهذا الجبل : جبل الثوري " (1)
واما ( ابو ثور ) الذي ينسب اليه هذا الجبل ، والحي الذي يقوم عليه ، فإنه من المجاهدين ، الذين اشتركوا في فتح بيت المقدس مع صلاح الدين الايوبي ، ذكره مجير الدين (2) والسيد علي المرتضى (3) والرحالة الاسلامي مصطفى اللقمي (4) وعدد اخر من المؤرخين المسلمين ، وقالوا عنه ما خلاصته : " انه الشيخ الامام الزاهد العابد المجاهد شهاب الدين ابو العباس احمد بن جمال الدين ابو عبد الله بن عبد الجبار المعروف بالقرشي والمشهور بأبي ثور . حضر فتح بيت المقدس مع الملك الناصر صلاح الدين . وكان يركب ثورا ويقاتل عليه فسمي بـ "أبي ثور " .
وقد وقف عليه الملك العزيز ، ابو الفتح عثمان بن الملك صلاح الدين ، القرية التي بالقرب من باب الخليل ، وهي قرية صغيرة من بناء الروم ، كانت تعرف فيما مضى بدير مار بغوص ، وتعرف الآن بدير أبي ثور ، ووقف العزيز عليه ايضا اراضي القمرة الشرقية والغربية واراضي خربة بيت سمرة المجاورة للقرية المذكورة. بنى الروم على جبل المكبر كنيسة باسم القديس برمزيوس ، وبنى الانجليز عليه في عهد الاحتلال ، دارا اتخذوها مقرا للمندوب السامي . كما بنوا عليه الكلية العربية "وجبل المكبر مشرف على معظم احياء القدس ، ويقع في طرفها الجنوبي ، وقف عليه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يوم فتح القدس ، وهناك ذكر الله وكبر، ومن هنا جاءت التسمية ، وقد اتخذه الانكليز في عهد الاحتلال مقرا لحكامهم ، وبنوا فوقه دار المندوب السامي . انه جبل مرتفع واستراتيجي ، من احتله سيطر على المدينة كلها.
وقبل الاحتلال عام 1948 كانت تقوم عليه الكلية العربية والمدرسة الزراعية اليهودية ، وقبل ان يغادر المندوب السامي البريطاني لحكومة فلسطين السير الن كانغهام فلسطين ، وضع دار الحكومة على جبل المكبر والكلية العربية والمنشآت المختلفه تحت تصرف منظمة الصليب الاحمر الدولية منذ 17 ايار 1948 وقبل نشوب معكرة اواسط آب عام 1948 في جبل المكبر ، تمكن احد شباب القدس ( احمد حسين هرماس ) وكان يومها موظفا في دائرة المعارف اثناء الانتداب ، من انقاذ مكتبة الكلية العربية ، وقد نقل ما فيها من الكتب وعددها 13 الف كتاب ونيف ، ونقل آلات وادوات من مبنى الكلية ، ويقدر ثمن ما انقذه بمائة الف جنيه في حينه . اما الكتب فقد وضعت في مبنى الكلية الرشيدية ، ولا تزال هناك حتى يومنا هذا. ويذكر ان اليهود كانوا يحاولون الاستيلاء على المكتبة ، وبالفعل تمكنوا من الاستيلاء على عدد من مخطوطاتها وكتبها القيمة ، قبل احتلال الجزء الغربي من جبل المكبر ، وجدير بالذكر ان هيئة الامم المتحدة موجودة حتى الآن في جبل المكبر ومقرها ( قصر المندوب السامي على الهدنة في فلسطين ) سابقا" (5) ، ويجب ان نشير هنا الى ان اول طائرة في تاريخ القدس ، هبطت في " البقعة الفوقا " غربي جبل المكبر حيث يقوم مبنى الكلية العربية ، وكان ذلك عام 1912 اما الطائرة فكانت فرنسية الصنع .
وقد اقترن اسم الشاعر الفلسطيني الكبير الراحل عبد الكريم الكرمي " ابو سلمى " بجبل المكبر ، ويعتبر شاعرنا ، احد اعلام الثقافة الوطنية العربية ، الذي رددت قصائده الجماهير ، وحفظتها الاجيال ، وهو حائز على جائزة " اللوتس " العالمية ، وقد قال ابو سلمى في مقابلة اجراها معه الأديب يحيى يخلف ونشرتها مجلة الجديد الحيفاوية ( في عددها العاشر الصادر عام 1978 ص 38 ) انه كانت من بدايات شعره قصيدة كتبها بمناسبة بناء قصر المندوب السامي البريطاني على قمة جبل المكبر وهذا مطلعها :
جبل المكبر طال نومك فانتبه**** قم واسمع التكبير والتهليلا
جبل المكبر لن تلين قناتنا ***** حتى نهدم فوقك الباستيلا
وهذه القصيدة ، ارسلها الشاعر الكبير ، الى ابراهيم عبد القادر المازني في مصر ، ونشرها في مجلة الرسالة بتوقيع " ابو سلمى " وقال الشاعر عبد الكريم الكرمي في حوار اجراه معه عاصم ربيع، ونشر في صحيفة الرأي الاردنية في اوائل عام 1979 : "كنت طالبا في معهد الحقوق بالقدس ، وكانت الدراسة فيه مسائية ، وكنت اعمل في النهار مدرسا ، وعندها نشرت قصيدة جبل المكبر ، في مجلة الرسالة القاهرية ، وهو الجبل الذي كبر عليه عمر بن الخطاب عندما فتح بيت المقدس ، وسمي لذلك بهذا الاسم ، وقد شادت عليه حكومة الانتداب قصرا للمندوب السامي البريطاني ، وسميته " الباستيل " وكانت النتيجة انني فصلت من التعليم، لأنه كان امامي ، اما الانكار والبقاء في الوظيفة ، او الاعتراف والطرد من الوظيفة ، ولكنني آثرت ان اتبنى القصيدة الموقف ، فعزلوني من وظيفتي ، وفي جريدة " البعث " السورية . الصادرة بدمشق يوم 15 كانون الاول في 1978 وفي عددها رقم (4850) كتبت قمر كيلاني في زاوية حديث الصباح ، وعلى الصفحة الأخيرة ، ما يلي تحت عنوان ( واسلم .... ابا سلمى )
" ... أبا سلمى ..... يا ابن فلسطين الأبية .... يا شاعر الجراح والالام والخيام ، يا من هززت بقصائدك ، ضمير الأمة العربية ، ونددت بمن طغى من الحكام ... يا من غنيت للاطفال في سني الجوع والتشرد والحرمان ، فكانت اغنياتك خبزا ومزارع احلام ، يا من الهبت النار في شعرك منذ قصديتك ( جبل المكبر ) حتى آخر ما قلته بالأمس ، اذ اشعلت صدور الناشئة من ابناء امتك فغدوا رجالا – غدوا ابطالا ... وها هم اولاء يمجدونك ... من حمل منهم البندقية ومن حمل القلم ، انهم للقضية يناضلون ، ومن اجلها يعيشون ويموتون ... والخالد دائما يا ابا سلمى هما :الشعب والوطن "
"يتبع"
المراجع :
(1) المفصل في تاريخ القدس . عارف العارف . الطبعة الاولى . نيسان 1961 اصدار مطبعة الماعرف بالقدس .ص 441
(2) الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل .ص410
(3) بحر الانساب في الديار القدسية .ص70،71
(4) سواغ الأنس في رحلتي لوادي القدس . مخطوط176
(5) عارف العارف . النكبة – نكبة بيت المقدس والفردوس المفقود (1947-1955) الجزء الرابع . اصدار المكتبة العصرية للطباعة والنشر . صيدا – بيروت . الصفحات 789،790،191
السكان :
اما فيما يتعلق بأصل السكان ، فإن السواحرة ينحدرون من " بني عقبة " وهي فخذ من قبيلة لخم احدى اشهر قبائل جنوب الجزيرة العربية ، ويؤيد هذه الرواية ما ذكره عمر الصالح البرغوثي وخليل طوطح عن تاريخ فلسطين حيث ذكرا ان من ضمن القبائل التي سكنت فلسطين والاردن في عهد بني أمية " لخم ومنهم بني عقبة والتياها والمسعودي وكليب .... " (1) ويقول مصطفى مراد الدباغ: " وبني عقبة هم بطن من جذام من القحطانية " (2) ويعزز هذه الرواية الأدب الشعبي في جبل المكبر " السواحرة " حيث ان النساء ما زلن يغنين ويمدحن اهالي القرية ورجالها حيث يقلن في مطلع اغنية شعبية :
عند العصير حنت الجرسان*** يا بني عقبه كلكم فرسان
كما ان النساء في المنطقة تغنين ولا يزالنّ يتغنين باغنيات شعبية عن بطولات بني عقبة اثناء حرب عام 1948 والهجوم الذي يتركز لاحتلال جبل المكبر ، فينشدن :
هجمت اليهود في المغاير********* ردتهم بني عقبة بالقنابل
هجمت علينا اليهود طلعة نهار***** ردتهم بني عقبة باطلاق النار
هجمت علينا اليهود الصبحيه*********ضربوهم قنابل هالعقبيه
********
وهذه أغنية شعبية اخرى تؤكد ما نقول :
واحنا بني عقبة عزوة قوية وما ننزل الا في البلاد العذية
وما نشرب الا من حمايا سيوفنا وما نوكل الا من قلوب الأعادي
هذا ولا يزال كهول عرب السواحرة والقبائل البدوية الأخرى في فلسطين وخصوصا قبائل التعامرة والعبيدية " ينتخون " بعرب السواحرة عندما يدوي النفير فيقولون " وين راحوا بني عقبة " . وبهذا فإن عرب السواحرة يعودون الى أصول واحدة هم وقبيلة بني حسن الاردنية التي تعد من اكبر القبائل الاردنية، حيث أن بني حسن ينحدرون أيضا من بني عقبة " بعد أن هزم صلاح الدين الأيوبي الصليبيين في معركة حطين، أسكن في فلسطين قبائل عربية ،ففي القدس توطنت قبائل بني حارث، وكانت منازلهم خارج المدينة عند القلعة وحارة بني مرة عند خان الزيت، وحارة السعدية لبني سعد ( ومنهم دار نجم وغيرهم الذين كانت لهم حراسة باب الخليل ومفتاحه )، وسكن بنو سالم في أربع قرى، وبنو حسن وهم 13 قرية وجبل القدس وهم 22 قبيلة ( ومن بينها قريتنا – المؤلفان ) وكان لهم موسم النبي موسى الذي عينه صلاح الدين الايوبي " (3)
وروى لنا أحد المعمرين من أهالي البلدة ، بأن أصل نشوء عرب السواحرة ، كما سمعه بالتواتر عن آبائه وأجداده، يعود الى سبعة أشخاص كانوا يقطنون الجزيرة العربية ، وكانوا أقارب يعيشون حياة البادية ، حياة التنقل والحل والترحال والسلب والنهب . وكان أن حدث صراع بين الأقرباء السبعة ذات يوم وبين مجموعة أخرى من الأعراب البائدة المجاورة لهم ، فما كان من هؤلاء السبعة ، الا أن قتلوا أحد رجالات القبيلة الأخرى ، وإثر ذلك هاجروا من تلك الديار خوفاً من أن تثأر القبيلة ( المدمي بها ) منهم، وعلى هذه الصورة انتقلوا من الجزيرة العربية الى الحدود الأردنية الجنوبية ، وحلـّوا في ضيافة أحد الشيوخ الذي ألحقهم بقبيلته ، وراح يعتمد عليه في غزواته ضد القبائل الأخرى المجاورة ،حتى أصبح هؤلاء شعلة يُضرب بها المثل في قبيلة ذلك الشيخ الذي يُجهل اسمه .
الا أن الحساد لم يتركوا لهؤلاء مجالاً للمكوث بينهم ، فطلبوا من شيخ القبيلة طلباً مفاده ، اما أن لا يكون هؤلاء في تلك الديار أو هددوا بالرحيل عنها ، وما كان من تلك الجماعة الا أن رحلت على الفور من تلك المنطقة، وحلوا بمنطقة أخرى هي الكرك . المدينة الأردنية المعروفة ، واستقروا في تلك المدينة فترة من الزمن، ومع الأيام انقسموا على أنفسهم ، فهاجر قسم غير قليل منهم ، وبقي القسم الآخر يعيش في الكرك على تربية الماشية والزراعة البدائية . وكانوا يدعون بني عقبة ، ولا يزال في منطقة الكرك والشوبك حتى وقتنا هذا بعض الحمائل والعشائر التي تحمل نفس أسماء حمائل وعشائر في عرب السواحرة مثل :" الشقيرات ، الهلسة ، الخلايلة " أما المجموعة التي هاجرت عن الكرك الى الشمال فقد حطت رحالها في مدينة الزرقاء الأردنية، حيث عاشت هناك فترة من الزمن . وخرج منها قبيلة كبيرة تُعد الآن من أكبر القبائل الأردنية وهي قبيلة بني حسن ، ومجموعة قليلة لا تزيد عن الثمانية أشخاص ، توجهت من تلك المنطقة الى منطقة تقع غربي نهر الأردن ، وعاشت في احدى ضواحي القدس ، حيث تفرعت منها مجموعة قليلة توجهت لمرج بن عامر، وعاشت هناك ، أما بالنسبة للمجموعة التي سكنت ضواحي القدس فهي المجموعة التي تفرعت عنها قبائل عرب السواحرة . فقد انفصل شخص يُدعى أحمد عن جماعته، وعاش في خربة بيت ساحور، فصاروا يطلقون عليه أحمد الساحوري ( ولا يزال قبره قائماً قرب مقبرة القرية في الجهة الشمالية من جبل المكبر ) وتفرع من نسله أهالي عرب السواحرة الذين ينقسمون الى عشيرتين رئيسيتين :
1- عشيرة الجعافرة وتفرعت من الحمائل التالية :" الجعافرة ، العويسات ، المشاهرة ، الجعابيص ، السراوخة ، بشير والخلايلة " .
2- عشيرة الهلسة وتفرعت منها حماائل : الشقيرات ، الهلسة ، العبيدات ، الزعاترة ، والزحايكة " .
ويرى المؤرخان عمر الصالح البرغوثي وخليل طوطح في كتابهما ، " تاريخ فلسطين " الصادر سنة 1923 " أن عشائر السواحرة ينحدرون من الأصول الغربية ، انجفلت يوم دخول صلاح الدين القدس ، وخرجت الى البرية فارة بالقفار ، ثم اندمجت بالحياة العربية فيما بعد، ويشهد بذلك سمت قاماتهم ، واستواء أعوادهم ، وبياض لونهم وزرقة عيونهم ، وعدم انتسابهم للآن الى عشائر من قلب الجزيرة كما هو وارد في عربان سيناء وبئر السبع ".
وفي رأينا أن هذا القول لا يمت الى الحقيقة بصلة ، انه قول مردود ، لأن عرب السواحرة ينحدرون من بني عقبة كما أسلفنا ، وهم فخذ من " لخم " أشهر قبائل جنوب الجزيرة العربية ولا ندري لماذا لم يطلع المؤرخان " خليل طوطح وعمر الصالح البرغوثي " على ذلك . ونحن نعزي بياض اللون وزرقة العيون عندنا ، - الصفتان اللتان لا توجدان في القبائل البدوية - الى كون عرب السواحرة يعيشون قريباً جداً من القدس، وذلك جعلهم يتزاوجون من المدينة ومن القرى المجاورة ، ومعروف أيضاً أن سكان المدن اختلطوا بغير العرب، وتزاوجوا منهم ، ومن هنا جاءت هاتان الصفتان وهذا ما يقره المؤرخان " البرغوثي وطوطح " في كتابهما الآنف الذكر ص 210 ، فهما يقولان " أن بعض الألقاب الموجودة في بعض مدن فلسطين كالقدس وبيت لحم والناصرة وبيت جالا ويافا وغزة ، تدل على أن حامليها ليسوا عرباً ، ولكن طبخوا في البلاد ، واندمجوا في أهلها ، ويبدون شقر الوجوه، وكأن أصلهم صليبيون ، مثل قبيلة ( صليبة ) البدوية الموجودة خلف الجوف وتدعي أنها صليبية الأصل " .
وكانت حياة عرب السواحرة الاقتصادية في بداية الأمر ترتكز على صنع " الحُمرة " وهي مادة مكونة من التراب الأبيض وذرات الفخار المطحون والمستخرج من الحفريات ، وكان هذا العمل مقصوراً في معظم الأحيان على النساء ، بينما كانت وظيفة الرجال تسويق هذه المادة ، التي كانت أهميتها تضاهي أهمية الاسمنت اليوم ، وكان السكان يعرضون منتوجاتهم في باب الخليل في القدس . ويُذكر أن هذه المادة كانت تستخدم في قصر الآبار بهدف حفظ مياه الأمطار للشرب ، اضافة الى استخدامها في عمليات البناء .
وكان الرجال يعملون في الحقول أيضاً ، ويعيشون على أساليب الزراعة البدائية كما عملوا في بيع الملح المستخرج من البحر الميت متنقلين به على دوابهم ، وكانوا يقايضون الملح بالزيت والزبيب والقطين ، ويروي المعمرون أن السواحرة شكلوا في تلك الفترة المصدر الأساسي لتزويد سكان القدس وقراها بالملح ، المادة الضرورية للجسم ، ويروى كذلك أنه كان للسواحرة ما يشبه رحلة الشتاء والصيف عند عرب الجاهلية ، ففي فصل الشتاء كانوا يسكنون جنوبي سلوان ، في المنطقة التي اُطلق عليها فيما بعد وادي السواحرة ، وقاموا بنحت البيوت هناك ، في الصخور اتقاء للبرد وزمهريره .
وفي الصيف كانوا ينصبون خيامهم على قمة جبل المكبر . ولا تزال آثار بعض البيوت المنحوتة بالصخر قائمة حتى يومنا هذا ، وتقول بعض الروايات أنه يوجد هناك من سبق العشائر التي ذكرنا بالسكن هناك ، ومثال ذلك " آل بشير "، ويحكى أن عدد الآخيرين كان كبيراً ، غير أنهم هلكوا بسبب مرض حل بهم . لقد تأثر السواحرة بجيرانهم من جميع النواحي ، ومع مرور الزمن أصبحوا وكأنهم من أصل واحد ينحدرون ( مع آل بشير ) . والذي أثر في حياة هذه الجماعة اتجارهم بالملح كما أوردنا ، وهكذا ارتبطوا بعلاقاتٍ وثيقة فيما بينهم ، كما ربطتهم علاقات وطيدة مع عشيرة " الهتيمات " التي كانت تسكن في الأرض الممتدة من قرية أبو ديس حتى البحر الميت . وفي احدى السنين كما روي على مسامعنا ، تعرض " الهتيمات " لغزو مفاجىء عند بزوغ الفجر ، قامت به بعض العشائر القاطنة في شرقي الأردن ، فكانت النتيجة أنه قضى على القبيلة المذكورة ، وبذلك أصبح المجال مفتوحاً أمام السواحرة كي يسيطروا على المنطقة بأكملها ، فتوجهوا الى هناك ، وراحوا يفلحون الأرض ويرعون الماشية وعززوا من اتجارهم بمادة الملح ، وقد كان لرحيلهم هذا عامل مهم بالنسبة لتيسير وصولهم الى البحر الميت مصدر الملح ، مصدر رزقهم . ومما ساعد في تثبيتهم في هذه الأرض ، أن تركيا ، أثناء حرب اليمن في القرن الثامن عشر ، أعلنت تركيا "السفر بلُك" –التجنيد الاجباري - في فلسطين لمحاربة اليمن التي امتنع الثوار فيها عن اطاعة أوامر السلطان التركي ( الباب العالي في الآستانة ) وعندها هرب السواحرة من منطقة وادي النار الى مكان سكنى " الهتيمات " المندثرين فارين من وجه التجنيد التركي الى المناطق الوعرة وصعبة المسالك ، حيث كان يصعب على السلطات التركية مطادتهم ونتيجة لذلك اطلق عليهم تركيا كلمة " جنكلة " وهي كلمة تركية معناها الأعراب أو البدو الرحل الذين لا يخضعون للقانون . وهكذا ففي اعتقادنا انه من هنا جاء كلمة عرب " اي البدو الرحل " ولما استقر السواحرة هناك ثار نزاع بينهم وبين اهالي ابو ديس – القرية المجاورة - وكانت بؤرة الصراع تتمحور على حدود اراضي " الزّرّاعة " التي كانت تتبع " للهتيمات " ويذكر ان عددا من الضحايا صرعوا نتيجة هذا النزاع من كلا الجانبين . ولكن اهل ابو ديس تراجعوا في نهاية المطاف عن مطالبتهم بأرض " الزّرّاعة " . ويقول الرواة انه في اثناء النزاع على الارض المذكورة هجا السواحرة والديسة بعضهم البعض بالقصائد الشعبية، وفي ذلك يقول شاعر ابو ديس حسين ابو هلال يهجو عرب السواحرة :
لا تترفعوا ببنية الخيش عنا
هذي منازلكم مشاريف سلوان
تيجي نساوينكم وكفوفهن حمر
من طحن الفخار بالصوان
فيرد عليه شاعر السواحرة بقوله :
شدّيت من بعض المواشي على بوم
أكله جراد والبراريق زهيد
ميعادك الفشخة يا حسين ابو هلال
والله لقطعك بماظيات الحديد
ونتيجة لتملك عشائر عرب السواحرة لهذه الأرض الشاسعة والممتدة جغرافيا من قمة جبل المكبر غربا ،وحتى شواطئ البحر الميت شرقا والعبيدية جنويا وابو ديس شمالا،اصبحت لديهم ثروة حيوانية هائلة ، فزاد اهتمامهم بتربية المواشي ،وزادوا من زراعة اصناف الحبوب ، واخذوا يخزنون مياه الامطار في العديد من الآبار التي حفروها خصيصا لهذا الغرض ( للشرب ، للزراعة ، للري ) ومن هنا ونتيجة لمجمل الظروف التي مروا بها على مرّ السنين، اصبح من الصعب التمييز بين هذه العشائر المختلفة .
لقد اتصف عرب السواحرة بالحمية والشجاعة ، وشدة البأس وقوة الشكيمة وتحولوا الى ملجأ لكل مظلوم ومضطهد ، فصدوا الكثير من الغزوات التي كانت تقوم بها القبائل خصوصا من شرق الاردن، ضدهم وضد سكان قرى القدس . كما كانت تأتيهم الحملات الكبرى المضادة من جنوب فلسطين ، وكان السواحرة هم الدرع القوي في وجه هذه الحملات .
ومن الناحية الثقافية جمع عرب السواحرة ثقافة هي وسط بين البدوية والمدينية وذلك يعود الى قربهم من القدس – عروس المدائن في بلاد الشام - وتأثرهم بجوانب الحياة فيها ، وهذا ما انعكس فعلا على عاداتهم وتقاليدهم ولهجتهم حتى يومنا هذا .
ويعتبر اهالي عرب السواحرة الآن من اكثر فئات شعبنا تقدما في التحصيل العلمي ،حيث يوجد فيهم اكثر من ألفي خريج جامعي في مختلف التخصصات واذا ما اخذنا بعين الاعتبار عدد السكان البالغ حوالي خمسة وعشرين ألفا فإننا سنجد ان هذه النسبة من اعلى النسب في العالم . وقد انبتت السواحرة للشعب الفلسطيني والعربي عددا غير قليل من الكتاب والادباء منهم: محمد جوهر ،د.داود عطية عبده،داود علي احمد عبده، محمود شقير ، خليل السواحري،حليمة جوهر،ابراهيم جوهر ، محمد خليل عليان ،حمد عليان ،راسم عبيدات ،محمد زحايكة ،محمود طافش ،محمود شاهين وكاتبا هذه السطور .
واتصف السواحرة بالتعصب الشديد للعشيرة، وتزينوا بحب الوطن، وتتوجوا بالغيرة على الأرض والعرض، واتصفوا بالثورة لأبسط الاسباب . وكان السواحرة يحبون الذكور ويفضلونهم على الاناث، وذلك في اعتبارنا فرضته عليهم بيئتهم واوضاعهم ومتطالباتهم انذاك ، للقيام بالزراعة وحماية الاهل والعشيرة ،فقد كانت كل عشيرة تعتز وتفاخر بعدد رجالها ، وسنجد انعكاسا لقولنا هذا في اغانيهم الشعبية في شتى المناسبات . وفي المصاهرة كانوا يفضلون صلة الدم والقرابة ، شعارهم في ذلك قولهم " ابن العم بطيح عن ظهر الفرس " و " العم مولى والخال مخلى " فالعم له الأولية لقرابته الشديده بالأب لا بالأم، ومن الواضح ايضا ان مثل هذه الصفات فرضها عليهم الاستعمار التركي الذي استمر حوالي اربعة قرون ، كما فرضها على غيرهم من القبائل العربية على امتداد الوطن العربي، حيث فرض التخلف، وعرقل التقدم والتطور الحضار والثقافي وغيره. وتجدر الاشارة الى ان القضاء كان معدوما في ذلك العصر وبسبب كثرة النزاعات بين الناس كون السواحرة ما يسمى بالحلول العشائرية ( القانون العشائري ) الذي لا يزال ساري المفعول حتى اليوم، واعتبر السواحرة من مؤسسي هذا القانون، كما انهم لا يزالون رواده حتى اليوم . لقد ساد الظلم والاضطهاد في تلك الحقبة، وطغى التعصب القبلي على العقول مما حدا بالقبائل المجاورة للسواحرة خشيتهم والابتعاد عنهم، وتحاشي الاصطدام بهم من قريب او بعيد ، واثناء الانتداب البريطاني عمل عرب السواحرة في التجارة، وتاجروا مع شرقي الاردن، واصبحت لهم قوة تستطيع حماية هذه التجارة من قطاع الطرق والطامعين . وكانوا لا يذهبون الا في جماعات قوية سميت بــ ( الربع او القفل ) ، وقد تاجروا بالمواد الغذائية والتنباك والبن ، بالبهارات والاقمشة ،وكانوا على معرفة دقيقة بالطرق التجارية ، كما كانوا يهربون السلاح الى ثوار فلسطين، حيث يعسكر القائد الفلسطين عبد القادر الحسيني في كنف عرب السواحرة ، وقد لقي منهم كل دعم وتأييد وعمل الكثيرون منهم في صفوف ثورته ، ولذلك انتقم الاستعمار من السواحرة، وراح الانجليز يطاردونهم ويضايقونهم اثناء تنقلاتهم الى شرق الاردن ومنه، وبذلك لجأوا الى الاسلوب السري والمخاطرة، وتطورت حياة السواحرة، ومع الزمن بدأوا باستبدال بيوت – خيام - الشعر بالبيوت المبنية من الحجر، وكان ذلك في عشينات القرن الماضي ، ثم اخذوا يستقرون زراعيا ،وخاصة زراعة الاراضي الكائنة على جانبي وادي النار ( الديماس ) طوال العام ، حيث تجري مياه عين سلوان والينابيع والمجاري من القدس، وقد استمروا بزراعة هذ االوادي بمختلف الخضار حتى عام 1971 حيث اخذ جنود الاحتلال الاسرائيلي باهلاك المزروعات، ورشها بالمواد الكيماوية الحارقة بواسطة طائرات الهليوكبتر، وذلك لانها خصم منافس وعنيد لمنتوجات " تنوفا " الاسرائيلية .
وهنا لا بد من الاشارة الى أن المنتوجات الزراعية من مختلف انواع الخضار كانت تصدر من السواحرة قبل عام 1967 الى بعض الدول العربية، اضافة الى السوق المحلي، وينبغي التنويه بان المنطقة الواقعة غربي وادي النار يطلق عليها السواحرة الغربية ( جبل المكبر ) بينما يطلق على المنطقة الواقعة شرقيه السواحرة الشرقية وتعود هذه التسمية ( الغربية والشرقية ) الى الاربعينيات من القرن الماضي عندما فتحت مدرسة في جبل المكبر للذكور، ونظرا لاتساع البلدة فتحت مدرسة اخرى في الجانب الشرقي من القرية ، وللتمييز بين المدرسيتن اطلق على الأولى مدرسة عرب السواحرة الغربية، وعلى الثانية مدرسة عرب السواحرة الشرقية . ومع الزمن عمّ هذا الاسم على المنطقة حتى صار دارجا .
الهوامش :
(1) تاريخ فلسطين . عمر الصالح البرغوثي وخليل طوطح . القدس ، 1923 ، ص 136
(2) بلادنا فلسطين . الجزء الاول . القسم الثاني . مصطفى مراد الدباغ . منشورات دار الطليعة بيروت ، 1966
(3) عمر الصالح البرغوثي وخليل طوطح . تاريخ فلسطين . القدس ، 1923 ص 199 – 200
(4) البوم : الطائر المعروف في بلادنا وكان السواحرة يعتبرونه عارا وشتيمة لأهل ابو ديس
عرب السواحرة-الأصل- الموقع
المقدمة:
لقد وجدنا أن من أولى مهمات هذه الدراسة ، تجميع النصوص من حفظتها ، وما من شك في أن الخوض في موضوع كهذا الذي نطرق أبوابه ، موضوع له مشكلاته الخاص
+ة ، فقد كان علينا البحث عن رواة أكفياء ، واكتشاف منشدين " مغنين" حتى نتمكن من استدراج اولئك الرواة والمنشدين ، كي " يبوحوا " لنا بما عندهم من أغان ، وبما يكتنز في صدورهم من نصوص تراثية .
وكنا أحياناً نسجل على الآلات الصوتية ، وفي أحيان أخرى " نأخذ الأرض " ننقل على دفاترنا أغاني شعبية مبعثرة من هنا وهناك ، وفيما عدا ذلك التقينا مع العديدين من حفظة تراثنا الشعبي ، وحضرنا مناسبات عامة مختلفة ، واعتمدنا في بحثنا كذلك على العديد من المصادر والمراجع التراثية والأدبية والثقافية والتاريخية ، وحين توفرت لدينا المادة التي توخينا جمعها بدأنا في تصنيفها لنقدمها في هذا الكتاب الذي نعتز باصداره، ليكون بين أيدي أجيالنا الحاضرة والمقبلة من أبناء شعبنا داخل وطننا الأسير وخارجه . وغايتنا من اصدار ونشر هذا الكتاب أن تتمسك الأجيال الفلسطينية بتراثها، وتحميه من السرقة والضياع ، فالشعب العربي الفلسطيني يواجه بأغانيه الشعبية كافة المحاولات العدوة الهادفة الى سحق شخصيته العربية ، كل ذلك في سخرية جارحة تعبر عن أعماق الموقف الشعبي الحقيقي(1)
وقد خصصنا دراستنا هذه للبحث والتنقيب عن الأغنية الشعبية ، في مناسبات مختلفة، وانصب جل اهتمامنا على الأغاني الشعبية ، في منطقة واحدة من وطننا الفلسطيني وهي منطقة عرب السواحرة ( جبل المكبر ) التي ولدنا ونعيش فيها .
واذا كنا قصرنا هذه الدراسة على بلدتنا فذلك لم يأت من باب تعصب لها ، وانما لأن مواضيع أدبنا الشعبي كثيرة ومتنوعة كثرة مساهمة أبناء شعبنا الفلسطيني في بناء وصنع الحضارة الانسانية .
ان شعبنا شعب عريق يتجذر في أعماق التاريخ، ويتمسك بالتقاليد ، بالأدب والثقافة ويحترمها أعمق احترام ، ونحن نحافظ على تراثنا الماضي ونحبه، ونسعى من خلال بحثنا هذا الى تطويره وندعوا الى ذلك .
ومن هذا المنطلق فإننا ندعوا المخلصين من أبناء هذا الشعب البطل ،وخاصة المقيمين منهم على تراب هذا الوطن، والمنزرعين فيه، أن يجمعوا تراثنا الشعبي ويدونوه ، لما في ذلك من أهمية في المحافظة على هويتنا الوطنية ، خصوصاً في ظروف القهر السياسي التي نحياها .
ولا شك في أن اجراء مسح شامل للأدب والتراث الشعبي في كل قرية فلسطينية سوف يعود بالنفع الكبير على مجمل الحركة الأدبية الفلسطينية، ولسوف يحمي تراثنا الشعبي من الاندثار، ويسيجة بسياج متين ضد محاولات طمسه ومحاولات طمس هويتنا الوطنية معه .
" ان للتراث الشعبي أهمية عظمى في حياة الشعوب ، انه يعمق الصلة بين الانسان ووطنه من جهة ، وبين شعبه من جهة اخرى ، تلك الصلة التي نحن الفلسطينيين أحوج الناس اليها اليوم ، وان شبابنا يفتقرون الى لحظات جمالية كثيرة من فلكلورنا الفلسطيني العظيم " (2)
واننا اذ نؤكد النصوص الأدبية الواردة هنا كما سمعناها في جبل المكبر، فلا غرابة ان سمعنا بعضها أو معظمها يقال في مناطق أخرى في فلسطين، فالأدب الشعبي في بلادنا نشأ في ظروف متشابهة ،وفي ظل مصادر تاريخية وتقاليد ثقافية واحدة عاشها ويعيشها الشعب الفلسطيني بكافة قطاعاته، وفي مختلف أماكن تواجده ، في المدينة والقرية أو البادية ، وان كان يوجد بعض الاختلاف بين ما يقال في هذه المناسبة أو تلك ، فهذا يدلل على أن المنشدين والرواة كانوا يضيفون هنا وهناك بعض الكلمات والألحان الشعبية التي أضفت رونقاً جمالياً على الأغنية الشعبية وعلى الأدب الشعبي . وفي الأدب الشعبي تمتزج التصورات والمثل الجمالية بأخلاق الفروسية ،وتندمج مواضيع الأغنيات الشعبية والقصص البطولية بملاحم الاقطاع، والصيد والقنص الى الغزوات والعمل والغزل والرثاء وغيرها . وفي الأدب الشعبي موضوعات غنية ذات تعقيد في البنية الفنية تشبه الى حد كبير " البُسط " التي يحيكها أهل الشرق .
ونحن نرى الأدب الحديث يتأثر بالأدب الشعبي، بل وقد ينشأ تحت تأثير مباشر منه .
ان هذا الأدب جدير بالدراسة والبحث والتمحيص، فهو يصوّر حياتنا وتاريخنا وأوضاعنا الاجتماعية بشكل عام ، مما يتيح للأجيال القادمة الاطلاع على ما قاله وعاشه أسلافها والتغني به وتطويره ، وعند مطالعة النماذج المختلفة من الأدب الشعبي، يتأكد لدينا أن الاغنية الشعبية افراز لواقع سياسي واقتصادي واجتماعي معاش، وكل هذه الظروف في مجموعها تنعكس على الأغنية في أدبنا الشعبي ، ومن هنا نرفع صوتنا عالياً لنقول : اقرأوا أغانينا تتعرفوا علينا وتعرفون تاريخنا ، اقرأوا أغانينا تقرأوننا . وها هي بين أيديكم فانظروا ما تقوله لكم عنا . " ان الأدب الشعبي في أسلوبه ومحتواه هو حصيلة لحياة عريقة ، عاشها الشعب " (3)
ان الأغاني التي ضمنّاها دفتي هذا الكتاب أغانٍ شعبية من أدبنا ، وهي باللغة العامية أو بتعبير أكثر دقة ، باللهجة العامية الدارجة في جبل المكبر " السواحرة ".
" ان الأدب الشعبي ، هو أدب العامية التقليدي الشفاهي مجهول المؤلف ، المتوارث جيلاً عن جيل ، وهذا الرأي يقول به نقاد الأدب ، المتأثرون بآراء الفلكلوريين من أمثال بول سيبو – والثاني هو الأدب الشعبي ، أدب العامية ،شفاهياً كان أم مكتوباً أو مطبوعاً ، مجهول المؤلف أو معروفه متوارثاً أو معاصراً . والثالث وهو أنه الأدب المعبر عن ذاتية الشعب المستهدف وتقدمه الحضاري ، الراسم لمصالحه ، يستوي فيه أدب الفصحى وأدب العامية، وأدب الرواية الشفاهية ، وأدب المطبعة والأثر المجهول المؤلف، والأثر المعروف المؤلف " (4)
وفي رأينا أن الأدب الشعبي ، انما هو أدب العامية ، انه فن القول العريق والتلقائي المتداول بين الجماهير فعلاً ، والمتوارث جيلاً بعد جيل ، المرتبط بالعادات والتقاليد والذي هو انعكاس لأوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية عاشتها الجماعة .
وهذا لا يعني ان الادب العامي هو ادب شعبي بل العكس ، " ان الادب الشعبي هو ادب عامي في غالبيته، ولكن الادب العامي لا يعني انه ادب شعبي في مجموعه حيث ان بعض انواع الشعر والزجل المنظوم بالعامية، لا تكتب لها الحياة ولا تنشر ، وهناك الكثير من دوواين الشعر المنظومة بالعامية، تبقى محسوبة على الادب العامي، لأنها قد تبقى بعيدة عن وجدان الجماهير، ولا تتفاعل الجماهير معها، ومن هنا لا يجوز ان نجعل الادب العامي مرادفا للادب الشعبي " (5)
اننا نعتبر ان الأدب المدون يرتبط دائما بالادب الشعبي برباط وثيق ، بمعنى انه لا يستغني الواحد منهما عن الآخر، وهكذا فمجمل القول ان كلا منهما يؤثر تأثيرا متبادلا على الآخر . ونريد هنا ان ننفي نفيا قاطعا ما اورده هانز نومان في كتابه " الحضارة الجماعية البدائية " الصادر عام 1921 في فيينا والذي يقول فيه ان الادب الشعبي الأخير هو " تراث ثقافي منهار " ، وفي رأينا ان هذا القول لا اساس له من الصحة ،وتدحضه الحقائق الموضوعية والعلمية والواقع الحياتي، وذلك ان الأدب الشعبي باق بقاء الجماعات البشرية وملازم لها ، ومتطور حسب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحياها هذه الجماعة أو تلك ، وهذا ما سندلل عليه ونثبت صحته وموضوعيته من خلال بحثنا .
اننا ممتنون لأجدادنا على التراث الفخم هذا الذي تركوه لنا وندعو جيل الشبيبة للاستفادة من الخبرة التي كدستها الاجيال السابقة، وندعو الشباب الى ان يطوروا هذه الخبرة، وان يسيروا الى ابعد منها لا ان ياخذوا كل ما يصل اليهم ليخلعوا عليه صفة الاطلاق والالزام حيث لا يكون هناك ادنى تطور.
المراجع :
(1) انظر ، غسان كنفاني ، الأدب الفلسطيني المقاوم (1948- 1968 ) دار الآداب . بيروت . ص 5 .
(2) مجلة الغد ، حيفا ، العدد الثالث ، آذار 1979 ، ص 20 .
(3) أحمد رشدي صالح ، الأدب الشعبي ، اصدار مكتبة النهضة المصرية ، الطبعة الثالثة ، 1971 ، ص 70
(4) مدخل لدراسة الفلكلور ، نبيل علقم ، منشورات جمعية انعاش الأسرة ، البيرة ، 1977 ، ص 36 ، 37
(5) مدخل لدراسة الفولكلور. نبيل علقم. منشورات جمعية انعاش الأسرة-البيرة 1977،ص.36 و 37.
جبل المكبر
الموقع والتاريخ
جبل المكبر " جبل مرتفع كائن قبلي المدينة، والى الشرق من محطة السكة الحديدية ، يفصل بينه وبين جبل الطور وادي سلوان ، وبينه وبين جبل صهيون وادي الربابة : كانوا فيما مضى يسمونه ( جبل المؤامرة ) و ( جبل المشورة الفاسدة ) ، ويعتقد البعض أنه كانت تقوم عليه دار المجمع المعروف بـ ( السنهدريم ) تلك الدار التي قابل فيها يهوذا الاسخريوطي رؤساء الكهنة وقواد الجيش، واتفق معهم على تسليم السيد المسيح عليه السلام ، وقيل أيضاً أن قصر قيافا رئيس الكهنة كان فوق هذا الجبل وفيه اجتمع الكهنة ورؤساء الشعب اليهودي لأجل التآمر على صلب المسيح . وبجانبه هضبة يقوم عليها ضريح المجاهد الاسلامي المعروف بـ ( أبي ثور ) ، ومن هنا جاء اسم الحي الذي يقوم على هذه الهضبة : حي أبي ثور ، والاسم الآخر لهذا الجبل : جبل الثوري " (1)
واما ( ابو ثور ) الذي ينسب اليه هذا الجبل ، والحي الذي يقوم عليه ، فإنه من المجاهدين ، الذين اشتركوا في فتح بيت المقدس مع صلاح الدين الايوبي ، ذكره مجير الدين (2) والسيد علي المرتضى (3) والرحالة الاسلامي مصطفى اللقمي (4) وعدد اخر من المؤرخين المسلمين ، وقالوا عنه ما خلاصته : " انه الشيخ الامام الزاهد العابد المجاهد شهاب الدين ابو العباس احمد بن جمال الدين ابو عبد الله بن عبد الجبار المعروف بالقرشي والمشهور بأبي ثور . حضر فتح بيت المقدس مع الملك الناصر صلاح الدين . وكان يركب ثورا ويقاتل عليه فسمي بـ "أبي ثور " .
وقد وقف عليه الملك العزيز ، ابو الفتح عثمان بن الملك صلاح الدين ، القرية التي بالقرب من باب الخليل ، وهي قرية صغيرة من بناء الروم ، كانت تعرف فيما مضى بدير مار بغوص ، وتعرف الآن بدير أبي ثور ، ووقف العزيز عليه ايضا اراضي القمرة الشرقية والغربية واراضي خربة بيت سمرة المجاورة للقرية المذكورة. بنى الروم على جبل المكبر كنيسة باسم القديس برمزيوس ، وبنى الانجليز عليه في عهد الاحتلال ، دارا اتخذوها مقرا للمندوب السامي . كما بنوا عليه الكلية العربية "وجبل المكبر مشرف على معظم احياء القدس ، ويقع في طرفها الجنوبي ، وقف عليه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يوم فتح القدس ، وهناك ذكر الله وكبر، ومن هنا جاءت التسمية ، وقد اتخذه الانكليز في عهد الاحتلال مقرا لحكامهم ، وبنوا فوقه دار المندوب السامي . انه جبل مرتفع واستراتيجي ، من احتله سيطر على المدينة كلها.
وقبل الاحتلال عام 1948 كانت تقوم عليه الكلية العربية والمدرسة الزراعية اليهودية ، وقبل ان يغادر المندوب السامي البريطاني لحكومة فلسطين السير الن كانغهام فلسطين ، وضع دار الحكومة على جبل المكبر والكلية العربية والمنشآت المختلفه تحت تصرف منظمة الصليب الاحمر الدولية منذ 17 ايار 1948 وقبل نشوب معكرة اواسط آب عام 1948 في جبل المكبر ، تمكن احد شباب القدس ( احمد حسين هرماس ) وكان يومها موظفا في دائرة المعارف اثناء الانتداب ، من انقاذ مكتبة الكلية العربية ، وقد نقل ما فيها من الكتب وعددها 13 الف كتاب ونيف ، ونقل آلات وادوات من مبنى الكلية ، ويقدر ثمن ما انقذه بمائة الف جنيه في حينه . اما الكتب فقد وضعت في مبنى الكلية الرشيدية ، ولا تزال هناك حتى يومنا هذا. ويذكر ان اليهود كانوا يحاولون الاستيلاء على المكتبة ، وبالفعل تمكنوا من الاستيلاء على عدد من مخطوطاتها وكتبها القيمة ، قبل احتلال الجزء الغربي من جبل المكبر ، وجدير بالذكر ان هيئة الامم المتحدة موجودة حتى الآن في جبل المكبر ومقرها ( قصر المندوب السامي على الهدنة في فلسطين ) سابقا" (5) ، ويجب ان نشير هنا الى ان اول طائرة في تاريخ القدس ، هبطت في " البقعة الفوقا " غربي جبل المكبر حيث يقوم مبنى الكلية العربية ، وكان ذلك عام 1912 اما الطائرة فكانت فرنسية الصنع .
وقد اقترن اسم الشاعر الفلسطيني الكبير الراحل عبد الكريم الكرمي " ابو سلمى " بجبل المكبر ، ويعتبر شاعرنا ، احد اعلام الثقافة الوطنية العربية ، الذي رددت قصائده الجماهير ، وحفظتها الاجيال ، وهو حائز على جائزة " اللوتس " العالمية ، وقد قال ابو سلمى في مقابلة اجراها معه الأديب يحيى يخلف ونشرتها مجلة الجديد الحيفاوية ( في عددها العاشر الصادر عام 1978 ص 38 ) انه كانت من بدايات شعره قصيدة كتبها بمناسبة بناء قصر المندوب السامي البريطاني على قمة جبل المكبر وهذا مطلعها :
جبل المكبر طال نومك فانتبه**** قم واسمع التكبير والتهليلا
جبل المكبر لن تلين قناتنا ***** حتى نهدم فوقك الباستيلا
وهذه القصيدة ، ارسلها الشاعر الكبير ، الى ابراهيم عبد القادر المازني في مصر ، ونشرها في مجلة الرسالة بتوقيع " ابو سلمى " وقال الشاعر عبد الكريم الكرمي في حوار اجراه معه عاصم ربيع، ونشر في صحيفة الرأي الاردنية في اوائل عام 1979 : "كنت طالبا في معهد الحقوق بالقدس ، وكانت الدراسة فيه مسائية ، وكنت اعمل في النهار مدرسا ، وعندها نشرت قصيدة جبل المكبر ، في مجلة الرسالة القاهرية ، وهو الجبل الذي كبر عليه عمر بن الخطاب عندما فتح بيت المقدس ، وسمي لذلك بهذا الاسم ، وقد شادت عليه حكومة الانتداب قصرا للمندوب السامي البريطاني ، وسميته " الباستيل " وكانت النتيجة انني فصلت من التعليم، لأنه كان امامي ، اما الانكار والبقاء في الوظيفة ، او الاعتراف والطرد من الوظيفة ، ولكنني آثرت ان اتبنى القصيدة الموقف ، فعزلوني من وظيفتي ، وفي جريدة " البعث " السورية . الصادرة بدمشق يوم 15 كانون الاول في 1978 وفي عددها رقم (4850) كتبت قمر كيلاني في زاوية حديث الصباح ، وعلى الصفحة الأخيرة ، ما يلي تحت عنوان ( واسلم .... ابا سلمى )
" ... أبا سلمى ..... يا ابن فلسطين الأبية .... يا شاعر الجراح والالام والخيام ، يا من هززت بقصائدك ، ضمير الأمة العربية ، ونددت بمن طغى من الحكام ... يا من غنيت للاطفال في سني الجوع والتشرد والحرمان ، فكانت اغنياتك خبزا ومزارع احلام ، يا من الهبت النار في شعرك منذ قصديتك ( جبل المكبر ) حتى آخر ما قلته بالأمس ، اذ اشعلت صدور الناشئة من ابناء امتك فغدوا رجالا – غدوا ابطالا ... وها هم اولاء يمجدونك ... من حمل منهم البندقية ومن حمل القلم ، انهم للقضية يناضلون ، ومن اجلها يعيشون ويموتون ... والخالد دائما يا ابا سلمى هما :الشعب والوطن "
"يتبع"
المراجع :
(1) المفصل في تاريخ القدس . عارف العارف . الطبعة الاولى . نيسان 1961 اصدار مطبعة الماعرف بالقدس .ص 441
(2) الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل .ص410
(3) بحر الانساب في الديار القدسية .ص70،71
(4) سواغ الأنس في رحلتي لوادي القدس . مخطوط176
(5) عارف العارف . النكبة – نكبة بيت المقدس والفردوس المفقود (1947-1955) الجزء الرابع . اصدار المكتبة العصرية للطباعة والنشر . صيدا – بيروت . الصفحات 789،790،191
السكان :
اما فيما يتعلق بأصل السكان ، فإن السواحرة ينحدرون من " بني عقبة " وهي فخذ من قبيلة لخم احدى اشهر قبائل جنوب الجزيرة العربية ، ويؤيد هذه الرواية ما ذكره عمر الصالح البرغوثي وخليل طوطح عن تاريخ فلسطين حيث ذكرا ان من ضمن القبائل التي سكنت فلسطين والاردن في عهد بني أمية " لخم ومنهم بني عقبة والتياها والمسعودي وكليب .... " (1) ويقول مصطفى مراد الدباغ: " وبني عقبة هم بطن من جذام من القحطانية " (2) ويعزز هذه الرواية الأدب الشعبي في جبل المكبر " السواحرة " حيث ان النساء ما زلن يغنين ويمدحن اهالي القرية ورجالها حيث يقلن في مطلع اغنية شعبية :
عند العصير حنت الجرسان*** يا بني عقبه كلكم فرسان
كما ان النساء في المنطقة تغنين ولا يزالنّ يتغنين باغنيات شعبية عن بطولات بني عقبة اثناء حرب عام 1948 والهجوم الذي يتركز لاحتلال جبل المكبر ، فينشدن :
هجمت اليهود في المغاير********* ردتهم بني عقبة بالقنابل
هجمت علينا اليهود طلعة نهار***** ردتهم بني عقبة باطلاق النار
هجمت علينا اليهود الصبحيه*********ضربوهم قنابل هالعقبيه
********
وهذه أغنية شعبية اخرى تؤكد ما نقول :
واحنا بني عقبة عزوة قوية وما ننزل الا في البلاد العذية
وما نشرب الا من حمايا سيوفنا وما نوكل الا من قلوب الأعادي
هذا ولا يزال كهول عرب السواحرة والقبائل البدوية الأخرى في فلسطين وخصوصا قبائل التعامرة والعبيدية " ينتخون " بعرب السواحرة عندما يدوي النفير فيقولون " وين راحوا بني عقبة " . وبهذا فإن عرب السواحرة يعودون الى أصول واحدة هم وقبيلة بني حسن الاردنية التي تعد من اكبر القبائل الاردنية، حيث أن بني حسن ينحدرون أيضا من بني عقبة " بعد أن هزم صلاح الدين الأيوبي الصليبيين في معركة حطين، أسكن في فلسطين قبائل عربية ،ففي القدس توطنت قبائل بني حارث، وكانت منازلهم خارج المدينة عند القلعة وحارة بني مرة عند خان الزيت، وحارة السعدية لبني سعد ( ومنهم دار نجم وغيرهم الذين كانت لهم حراسة باب الخليل ومفتاحه )، وسكن بنو سالم في أربع قرى، وبنو حسن وهم 13 قرية وجبل القدس وهم 22 قبيلة ( ومن بينها قريتنا – المؤلفان ) وكان لهم موسم النبي موسى الذي عينه صلاح الدين الايوبي " (3)
وروى لنا أحد المعمرين من أهالي البلدة ، بأن أصل نشوء عرب السواحرة ، كما سمعه بالتواتر عن آبائه وأجداده، يعود الى سبعة أشخاص كانوا يقطنون الجزيرة العربية ، وكانوا أقارب يعيشون حياة البادية ، حياة التنقل والحل والترحال والسلب والنهب . وكان أن حدث صراع بين الأقرباء السبعة ذات يوم وبين مجموعة أخرى من الأعراب البائدة المجاورة لهم ، فما كان من هؤلاء السبعة ، الا أن قتلوا أحد رجالات القبيلة الأخرى ، وإثر ذلك هاجروا من تلك الديار خوفاً من أن تثأر القبيلة ( المدمي بها ) منهم، وعلى هذه الصورة انتقلوا من الجزيرة العربية الى الحدود الأردنية الجنوبية ، وحلـّوا في ضيافة أحد الشيوخ الذي ألحقهم بقبيلته ، وراح يعتمد عليه في غزواته ضد القبائل الأخرى المجاورة ،حتى أصبح هؤلاء شعلة يُضرب بها المثل في قبيلة ذلك الشيخ الذي يُجهل اسمه .
الا أن الحساد لم يتركوا لهؤلاء مجالاً للمكوث بينهم ، فطلبوا من شيخ القبيلة طلباً مفاده ، اما أن لا يكون هؤلاء في تلك الديار أو هددوا بالرحيل عنها ، وما كان من تلك الجماعة الا أن رحلت على الفور من تلك المنطقة، وحلوا بمنطقة أخرى هي الكرك . المدينة الأردنية المعروفة ، واستقروا في تلك المدينة فترة من الزمن، ومع الأيام انقسموا على أنفسهم ، فهاجر قسم غير قليل منهم ، وبقي القسم الآخر يعيش في الكرك على تربية الماشية والزراعة البدائية . وكانوا يدعون بني عقبة ، ولا يزال في منطقة الكرك والشوبك حتى وقتنا هذا بعض الحمائل والعشائر التي تحمل نفس أسماء حمائل وعشائر في عرب السواحرة مثل :" الشقيرات ، الهلسة ، الخلايلة " أما المجموعة التي هاجرت عن الكرك الى الشمال فقد حطت رحالها في مدينة الزرقاء الأردنية، حيث عاشت هناك فترة من الزمن . وخرج منها قبيلة كبيرة تُعد الآن من أكبر القبائل الأردنية وهي قبيلة بني حسن ، ومجموعة قليلة لا تزيد عن الثمانية أشخاص ، توجهت من تلك المنطقة الى منطقة تقع غربي نهر الأردن ، وعاشت في احدى ضواحي القدس ، حيث تفرعت منها مجموعة قليلة توجهت لمرج بن عامر، وعاشت هناك ، أما بالنسبة للمجموعة التي سكنت ضواحي القدس فهي المجموعة التي تفرعت عنها قبائل عرب السواحرة . فقد انفصل شخص يُدعى أحمد عن جماعته، وعاش في خربة بيت ساحور، فصاروا يطلقون عليه أحمد الساحوري ( ولا يزال قبره قائماً قرب مقبرة القرية في الجهة الشمالية من جبل المكبر ) وتفرع من نسله أهالي عرب السواحرة الذين ينقسمون الى عشيرتين رئيسيتين :
1- عشيرة الجعافرة وتفرعت من الحمائل التالية :" الجعافرة ، العويسات ، المشاهرة ، الجعابيص ، السراوخة ، بشير والخلايلة " .
2- عشيرة الهلسة وتفرعت منها حماائل : الشقيرات ، الهلسة ، العبيدات ، الزعاترة ، والزحايكة " .
ويرى المؤرخان عمر الصالح البرغوثي وخليل طوطح في كتابهما ، " تاريخ فلسطين " الصادر سنة 1923 " أن عشائر السواحرة ينحدرون من الأصول الغربية ، انجفلت يوم دخول صلاح الدين القدس ، وخرجت الى البرية فارة بالقفار ، ثم اندمجت بالحياة العربية فيما بعد، ويشهد بذلك سمت قاماتهم ، واستواء أعوادهم ، وبياض لونهم وزرقة عيونهم ، وعدم انتسابهم للآن الى عشائر من قلب الجزيرة كما هو وارد في عربان سيناء وبئر السبع ".
وفي رأينا أن هذا القول لا يمت الى الحقيقة بصلة ، انه قول مردود ، لأن عرب السواحرة ينحدرون من بني عقبة كما أسلفنا ، وهم فخذ من " لخم " أشهر قبائل جنوب الجزيرة العربية ولا ندري لماذا لم يطلع المؤرخان " خليل طوطح وعمر الصالح البرغوثي " على ذلك . ونحن نعزي بياض اللون وزرقة العيون عندنا ، - الصفتان اللتان لا توجدان في القبائل البدوية - الى كون عرب السواحرة يعيشون قريباً جداً من القدس، وذلك جعلهم يتزاوجون من المدينة ومن القرى المجاورة ، ومعروف أيضاً أن سكان المدن اختلطوا بغير العرب، وتزاوجوا منهم ، ومن هنا جاءت هاتان الصفتان وهذا ما يقره المؤرخان " البرغوثي وطوطح " في كتابهما الآنف الذكر ص 210 ، فهما يقولان " أن بعض الألقاب الموجودة في بعض مدن فلسطين كالقدس وبيت لحم والناصرة وبيت جالا ويافا وغزة ، تدل على أن حامليها ليسوا عرباً ، ولكن طبخوا في البلاد ، واندمجوا في أهلها ، ويبدون شقر الوجوه، وكأن أصلهم صليبيون ، مثل قبيلة ( صليبة ) البدوية الموجودة خلف الجوف وتدعي أنها صليبية الأصل " .
وكانت حياة عرب السواحرة الاقتصادية في بداية الأمر ترتكز على صنع " الحُمرة " وهي مادة مكونة من التراب الأبيض وذرات الفخار المطحون والمستخرج من الحفريات ، وكان هذا العمل مقصوراً في معظم الأحيان على النساء ، بينما كانت وظيفة الرجال تسويق هذه المادة ، التي كانت أهميتها تضاهي أهمية الاسمنت اليوم ، وكان السكان يعرضون منتوجاتهم في باب الخليل في القدس . ويُذكر أن هذه المادة كانت تستخدم في قصر الآبار بهدف حفظ مياه الأمطار للشرب ، اضافة الى استخدامها في عمليات البناء .
وكان الرجال يعملون في الحقول أيضاً ، ويعيشون على أساليب الزراعة البدائية كما عملوا في بيع الملح المستخرج من البحر الميت متنقلين به على دوابهم ، وكانوا يقايضون الملح بالزيت والزبيب والقطين ، ويروي المعمرون أن السواحرة شكلوا في تلك الفترة المصدر الأساسي لتزويد سكان القدس وقراها بالملح ، المادة الضرورية للجسم ، ويروى كذلك أنه كان للسواحرة ما يشبه رحلة الشتاء والصيف عند عرب الجاهلية ، ففي فصل الشتاء كانوا يسكنون جنوبي سلوان ، في المنطقة التي اُطلق عليها فيما بعد وادي السواحرة ، وقاموا بنحت البيوت هناك ، في الصخور اتقاء للبرد وزمهريره .
وفي الصيف كانوا ينصبون خيامهم على قمة جبل المكبر . ولا تزال آثار بعض البيوت المنحوتة بالصخر قائمة حتى يومنا هذا ، وتقول بعض الروايات أنه يوجد هناك من سبق العشائر التي ذكرنا بالسكن هناك ، ومثال ذلك " آل بشير "، ويحكى أن عدد الآخيرين كان كبيراً ، غير أنهم هلكوا بسبب مرض حل بهم . لقد تأثر السواحرة بجيرانهم من جميع النواحي ، ومع مرور الزمن أصبحوا وكأنهم من أصل واحد ينحدرون ( مع آل بشير ) . والذي أثر في حياة هذه الجماعة اتجارهم بالملح كما أوردنا ، وهكذا ارتبطوا بعلاقاتٍ وثيقة فيما بينهم ، كما ربطتهم علاقات وطيدة مع عشيرة " الهتيمات " التي كانت تسكن في الأرض الممتدة من قرية أبو ديس حتى البحر الميت . وفي احدى السنين كما روي على مسامعنا ، تعرض " الهتيمات " لغزو مفاجىء عند بزوغ الفجر ، قامت به بعض العشائر القاطنة في شرقي الأردن ، فكانت النتيجة أنه قضى على القبيلة المذكورة ، وبذلك أصبح المجال مفتوحاً أمام السواحرة كي يسيطروا على المنطقة بأكملها ، فتوجهوا الى هناك ، وراحوا يفلحون الأرض ويرعون الماشية وعززوا من اتجارهم بمادة الملح ، وقد كان لرحيلهم هذا عامل مهم بالنسبة لتيسير وصولهم الى البحر الميت مصدر الملح ، مصدر رزقهم . ومما ساعد في تثبيتهم في هذه الأرض ، أن تركيا ، أثناء حرب اليمن في القرن الثامن عشر ، أعلنت تركيا "السفر بلُك" –التجنيد الاجباري - في فلسطين لمحاربة اليمن التي امتنع الثوار فيها عن اطاعة أوامر السلطان التركي ( الباب العالي في الآستانة ) وعندها هرب السواحرة من منطقة وادي النار الى مكان سكنى " الهتيمات " المندثرين فارين من وجه التجنيد التركي الى المناطق الوعرة وصعبة المسالك ، حيث كان يصعب على السلطات التركية مطادتهم ونتيجة لذلك اطلق عليهم تركيا كلمة " جنكلة " وهي كلمة تركية معناها الأعراب أو البدو الرحل الذين لا يخضعون للقانون . وهكذا ففي اعتقادنا انه من هنا جاء كلمة عرب " اي البدو الرحل " ولما استقر السواحرة هناك ثار نزاع بينهم وبين اهالي ابو ديس – القرية المجاورة - وكانت بؤرة الصراع تتمحور على حدود اراضي " الزّرّاعة " التي كانت تتبع " للهتيمات " ويذكر ان عددا من الضحايا صرعوا نتيجة هذا النزاع من كلا الجانبين . ولكن اهل ابو ديس تراجعوا في نهاية المطاف عن مطالبتهم بأرض " الزّرّاعة " . ويقول الرواة انه في اثناء النزاع على الارض المذكورة هجا السواحرة والديسة بعضهم البعض بالقصائد الشعبية، وفي ذلك يقول شاعر ابو ديس حسين ابو هلال يهجو عرب السواحرة :
لا تترفعوا ببنية الخيش عنا
هذي منازلكم مشاريف سلوان
تيجي نساوينكم وكفوفهن حمر
من طحن الفخار بالصوان
فيرد عليه شاعر السواحرة بقوله :
شدّيت من بعض المواشي على بوم
أكله جراد والبراريق زهيد
ميعادك الفشخة يا حسين ابو هلال
والله لقطعك بماظيات الحديد
ونتيجة لتملك عشائر عرب السواحرة لهذه الأرض الشاسعة والممتدة جغرافيا من قمة جبل المكبر غربا ،وحتى شواطئ البحر الميت شرقا والعبيدية جنويا وابو ديس شمالا،اصبحت لديهم ثروة حيوانية هائلة ، فزاد اهتمامهم بتربية المواشي ،وزادوا من زراعة اصناف الحبوب ، واخذوا يخزنون مياه الامطار في العديد من الآبار التي حفروها خصيصا لهذا الغرض ( للشرب ، للزراعة ، للري ) ومن هنا ونتيجة لمجمل الظروف التي مروا بها على مرّ السنين، اصبح من الصعب التمييز بين هذه العشائر المختلفة .
لقد اتصف عرب السواحرة بالحمية والشجاعة ، وشدة البأس وقوة الشكيمة وتحولوا الى ملجأ لكل مظلوم ومضطهد ، فصدوا الكثير من الغزوات التي كانت تقوم بها القبائل خصوصا من شرق الاردن، ضدهم وضد سكان قرى القدس . كما كانت تأتيهم الحملات الكبرى المضادة من جنوب فلسطين ، وكان السواحرة هم الدرع القوي في وجه هذه الحملات .
ومن الناحية الثقافية جمع عرب السواحرة ثقافة هي وسط بين البدوية والمدينية وذلك يعود الى قربهم من القدس – عروس المدائن في بلاد الشام - وتأثرهم بجوانب الحياة فيها ، وهذا ما انعكس فعلا على عاداتهم وتقاليدهم ولهجتهم حتى يومنا هذا .
ويعتبر اهالي عرب السواحرة الآن من اكثر فئات شعبنا تقدما في التحصيل العلمي ،حيث يوجد فيهم اكثر من ألفي خريج جامعي في مختلف التخصصات واذا ما اخذنا بعين الاعتبار عدد السكان البالغ حوالي خمسة وعشرين ألفا فإننا سنجد ان هذه النسبة من اعلى النسب في العالم . وقد انبتت السواحرة للشعب الفلسطيني والعربي عددا غير قليل من الكتاب والادباء منهم: محمد جوهر ،د.داود عطية عبده،داود علي احمد عبده، محمود شقير ، خليل السواحري،حليمة جوهر،ابراهيم جوهر ، محمد خليل عليان ،حمد عليان ،راسم عبيدات ،محمد زحايكة ،محمود طافش ،محمود شاهين وكاتبا هذه السطور .
واتصف السواحرة بالتعصب الشديد للعشيرة، وتزينوا بحب الوطن، وتتوجوا بالغيرة على الأرض والعرض، واتصفوا بالثورة لأبسط الاسباب . وكان السواحرة يحبون الذكور ويفضلونهم على الاناث، وذلك في اعتبارنا فرضته عليهم بيئتهم واوضاعهم ومتطالباتهم انذاك ، للقيام بالزراعة وحماية الاهل والعشيرة ،فقد كانت كل عشيرة تعتز وتفاخر بعدد رجالها ، وسنجد انعكاسا لقولنا هذا في اغانيهم الشعبية في شتى المناسبات . وفي المصاهرة كانوا يفضلون صلة الدم والقرابة ، شعارهم في ذلك قولهم " ابن العم بطيح عن ظهر الفرس " و " العم مولى والخال مخلى " فالعم له الأولية لقرابته الشديده بالأب لا بالأم، ومن الواضح ايضا ان مثل هذه الصفات فرضها عليهم الاستعمار التركي الذي استمر حوالي اربعة قرون ، كما فرضها على غيرهم من القبائل العربية على امتداد الوطن العربي، حيث فرض التخلف، وعرقل التقدم والتطور الحضار والثقافي وغيره. وتجدر الاشارة الى ان القضاء كان معدوما في ذلك العصر وبسبب كثرة النزاعات بين الناس كون السواحرة ما يسمى بالحلول العشائرية ( القانون العشائري ) الذي لا يزال ساري المفعول حتى اليوم، واعتبر السواحرة من مؤسسي هذا القانون، كما انهم لا يزالون رواده حتى اليوم . لقد ساد الظلم والاضطهاد في تلك الحقبة، وطغى التعصب القبلي على العقول مما حدا بالقبائل المجاورة للسواحرة خشيتهم والابتعاد عنهم، وتحاشي الاصطدام بهم من قريب او بعيد ، واثناء الانتداب البريطاني عمل عرب السواحرة في التجارة، وتاجروا مع شرقي الاردن، واصبحت لهم قوة تستطيع حماية هذه التجارة من قطاع الطرق والطامعين . وكانوا لا يذهبون الا في جماعات قوية سميت بــ ( الربع او القفل ) ، وقد تاجروا بالمواد الغذائية والتنباك والبن ، بالبهارات والاقمشة ،وكانوا على معرفة دقيقة بالطرق التجارية ، كما كانوا يهربون السلاح الى ثوار فلسطين، حيث يعسكر القائد الفلسطين عبد القادر الحسيني في كنف عرب السواحرة ، وقد لقي منهم كل دعم وتأييد وعمل الكثيرون منهم في صفوف ثورته ، ولذلك انتقم الاستعمار من السواحرة، وراح الانجليز يطاردونهم ويضايقونهم اثناء تنقلاتهم الى شرق الاردن ومنه، وبذلك لجأوا الى الاسلوب السري والمخاطرة، وتطورت حياة السواحرة، ومع الزمن بدأوا باستبدال بيوت – خيام - الشعر بالبيوت المبنية من الحجر، وكان ذلك في عشينات القرن الماضي ، ثم اخذوا يستقرون زراعيا ،وخاصة زراعة الاراضي الكائنة على جانبي وادي النار ( الديماس ) طوال العام ، حيث تجري مياه عين سلوان والينابيع والمجاري من القدس، وقد استمروا بزراعة هذ االوادي بمختلف الخضار حتى عام 1971 حيث اخذ جنود الاحتلال الاسرائيلي باهلاك المزروعات، ورشها بالمواد الكيماوية الحارقة بواسطة طائرات الهليوكبتر، وذلك لانها خصم منافس وعنيد لمنتوجات " تنوفا " الاسرائيلية .
وهنا لا بد من الاشارة الى أن المنتوجات الزراعية من مختلف انواع الخضار كانت تصدر من السواحرة قبل عام 1967 الى بعض الدول العربية، اضافة الى السوق المحلي، وينبغي التنويه بان المنطقة الواقعة غربي وادي النار يطلق عليها السواحرة الغربية ( جبل المكبر ) بينما يطلق على المنطقة الواقعة شرقيه السواحرة الشرقية وتعود هذه التسمية ( الغربية والشرقية ) الى الاربعينيات من القرن الماضي عندما فتحت مدرسة في جبل المكبر للذكور، ونظرا لاتساع البلدة فتحت مدرسة اخرى في الجانب الشرقي من القرية ، وللتمييز بين المدرسيتن اطلق على الأولى مدرسة عرب السواحرة الغربية، وعلى الثانية مدرسة عرب السواحرة الشرقية . ومع الزمن عمّ هذا الاسم على المنطقة حتى صار دارجا .
الهوامش :
(1) تاريخ فلسطين . عمر الصالح البرغوثي وخليل طوطح . القدس ، 1923 ، ص 136
(2) بلادنا فلسطين . الجزء الاول . القسم الثاني . مصطفى مراد الدباغ . منشورات دار الطليعة بيروت ، 1966
(3) عمر الصالح البرغوثي وخليل طوطح . تاريخ فلسطين . القدس ، 1923 ص 199 – 200
(4) البوم : الطائر المعروف في بلادنا وكان السواحرة يعتبرونه عارا وشتيمة لأهل ابو ديس
أمثال خاصة من عرب السواحرة قضاء القدس الشريف
معروف أن لكل جماعة متجانسة جوانب ثقافية خاصة بها ، ومنها المثل الشعبي ، حيث عُرف أنه لكل منطقة بعض الأمثال الخاصة
التي لا يفهمها إلاّ أهل تلك المنطقة ، وقد عرف العرب أن لأهل مكة أمثالهم ، ولأهل المدينة أمثالهم وهكذا . وهذا لا يعني إهمال بقية الأمثال العامة التي يفهمها جميع أبناء الجنس الواحد كالأمثال العربية مثلا ، بل إن هناك أمثالا عالمية يتداولها جميع البشر ، لأن الشعوب إذا عاشت ظروفا متشابهة تنتج ثقافة متشابهة ، ومن الأمثال الخاصة جدا في عرب السواحرة وهم قرية تقع الى الجتوب الشرقي من القدس الشريف ،واشهر جبالها جبل المكبر الذي وقف عليه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه عندما جاء القدس فاتحا من الجابية في مصر،وعندما اكتحلت عيناه بالمدينة المقدسة من قمة الجبل هلل وكبر وخرّ ساجدا لله ،فسموا الجبل جبل المكبر ،وهو يبعد كيلو مترين اثنين عن اسوار القدس القديمة: -
• مثال ثوب حِسن : - حِسِن امرأة من الهلسة كانت تملك ثوبا مطرزا جديدا واحدا ، وكانت تلبسه في المناسبات ، وعندما تخرج من البيت , أو يأتيها ضيوف فأوهمت الآخرين بأن ثيابها جميعها جديدة , ولمّا اكتشفوا أنها لا تملك إلاّ ثوباً واحدا . ضربوا به المثل .
• مثل التين في الفردة : - الفردة شوال كبير الحجم مصنوع من النول المغزول من صوف الغنم وشعر الماعز . وفي أواخر العهد العثماني وزمن الانتداب البريطاني كان السواحرة يسطون على ملاّحات البحر الميت ـ وينهبون ما يستطيعون على دوابهم من الملح ، ثم يبيعونه في قرى القدس ، ورام الله ، وأحيانا كانوا يقايضونه بسلع أخرى ، ومن الفاكهة التي كانوا يقايضون بها " التين " حيث يضعونه في " الفردة " بما يشبه " الخُرج " ويركبون على الدابة فينعجن التين ببقايا الملح ومع ذلك كانوا يأكلونه ، ولشدة عجنه بالملح وسوء وضعه ضربوا به المثل ، ثم سحبوه على الوضع الصحي لأحدهم فإذا ما اشتكى أحدهم من وضع صحي سيء ، وسأله آخر عن حاله كان يجيب مثل التين في الفردة .
• مثل سعدان محمد الأعرج : - محمد الأعرج هو والد الشيخ شراري الأعرج الذي توفي في تسعينات القرن العشرين ، وهو جد ابنه محمد " أبو سائد " مختار حامولة " الخلايلة " الحالي . وكان المرحوم محمد الأعرج مع رهط من أبناء السواحرة في ضيافة أحد القرويين قرب نابلس ، وصادف وجود شخص " قرداتي " يلاعب قردا ،ويتكسب من ورائه وكان الطقس باردا ،فأشعل صاحب البيت كانونا للتدفئة ولصنع القهوة ، فأراد الحضور النوم إلاّ محمد الأعرج أراد السهر ، ولمّا لم يستجيبوا له ، حملَ قضيب الحديد الذي يحركون به النار ، ووضعه فيها حتى احمر ، وغافل القردولذعه على مؤخرته بقضيب الحديد الحامي ، وتظاهر بالنوم ،فالتفت القرد إليهم فوجدهم جميعهم نياما، فسكت ، ولما كرر محمد الأعرج المحاولة قام القرد ونثر الجمر عليهم جميعهم ، فهبوا مذعورين وتسامروا معه , وعندما أخبرهم بفعلته ضربوا المثل بذلك القرد .
• مثل قراية احمد السلحوت لدار أبو رشود : - احمد حمدان السلحوت من مواليد بداية القرن العشرين من عشيرة الشقيرات وتوفي عام 1988 ، وكان يعمل زمن الانتداب في مشروع بوتاس البحر الميت ، وأثناء ذهابه إلى عمله راكبا حماره مرّ بعرب العبيدات، وكان قد مات عندهم طفل فنادوه كونه يسكن في المكبر قرب القدس، ويفترضون أنه يعرف القراءة والكتابة ، مع أنه كان أمّيا ، وطلبوا منه أن يقرأ لهم القرآن عن روح الطفل الفقيد ، فاستجاب لهم خصوصا أنهم ذبحوا ذبيحة " ونيسة" فشووا على الصاج الكبد وبعض قطع اللحم " للخطيب القارئ " ثم وضعوا فخذه كاملة لتطبخ ،وتكون نصيبا " للشيخ " فأستغفلهم وأخذ يردد لهم بعض الكلمات التي لم ينتبهوا لمعناها ومنها " الله يلحق أحياءكم بأمواتكم " وهم يرددون خلفه " "أمين " " والله يأخذ كباركم كما أخذ صغيركم " فيرددون " أمين " وهكذا . وافترضوه أيضا مسئولا في العمل ، فطلبوا منه أن يُشَغَّل العاطلين عن العمل في مشروع البوتاس ، فوعدهم خيرا ،ثم حمل الفخذة المطبوخة وبضع أرغفة من الخبز وامتطى حماره ، وواصل طريقه إلى عمله ، وبعده مرّ أشخاص من المنطقة ، فامتدح أهل الطفل الفقيد قراءة احمد السلحوت لهم ، فسألوهم ماذا كان يقرأ لكم لمعرفتهم أنه أمّي . فرددوا على مسامعهم ما قرأ ؟ فضحكوا وضربوا بهذا الحدث المثل .
• مثل غولة احمد السلحوت : - وهو نفس الشخص السابق ذكره ،تشارك مع أبناء عمه خليل في أربعينات القرن الماضي في فلاحة الأرض في البرية ، وفي موسم الحصاد أرسلوه ليحصد وحده ،فذهب مكرها وذهب إلى مغارة فيمنطقة " الزرانيق " قرب الزراعة، واشعل النيران وأعدطعامه، وبقي يدخن ولم يحصد شيئا ، وبعد يومين مرّ به أشخاص من الجعابيص ، فتظاهر أمامهم بأنه مريض ولا يقوى على الكلام ، فحملوه وأعادوه إلى بيته وبعد أن " تعافى " أخبرهم عن هجوم حيوان مخيف عليه لا مثيل له في المنطقة ، وأنه لم يستطع حماية نفسه إلاّ بالنيران المشتعلة . فلم يصدقوا روايته وضربوا به المثل .
• مثل سابل : - سابل شخص بسيط من حمولة الهلسة ، كان يرعى الأغنام في أبو ديس المجاورة للسواحرة زمن الخلافات على اراضي الزّراعة ، وعندما كان يعود إلى أهله في إجازته ، كان يستمع إلى ما يتحدث به رجالات السواحرة عن مخططاتهم تجاه أهالي أبو ديس ، وعندما يعود إلى عمله يروي ما سمعه لأهالي أبو ديس فيفشلون مخططات السواحرة ، واتهمه السواحرة " بالتجسس " لأبو ديس عليهم . وشنقوه .
• مثل حمدان الأزعر يوم قطع ذنين حمير قرايبه .وحمدان الازعر هذا من عائلة شقير من حامولة الشقيرات، كان في بداية القرن العشرين يشارك في قِرى الضيوف الذين يؤمون مضارب الشقيرات ، وكان الضيوف كالعادة يجلسون في " شقّ" الشيخ إبراهيم حسن شقير شيخ الحامولة ، ولا يعرف الضيف من الذي ذبح الذبيحة . وفي إحدى السنوات وجد نفسه قد ذبح للضيوف أكثر من شيخ الحامولة، لكن الصيت والسمعة الحسنة بالكرم كانت للشيخ الذي كان اسمه ذائعا في مناطق أخرى . حيث كانوا يحترمون أبناء الشقيرات على سمعة شيخهم الكريم ، فاغتاظ حمدان الأزعر من ذلك ، وقرر أن يقوم بعمل سيذكر الآخرون اسمه من خلاله ، فقام بتقطيع أذن حمير حامولة الشقيرات ، وكلما مرّ بهم أحد أو زارهم ويرى الحمير كان يسأل : من قطع أذان حميركم هكذا ؟ فيجيبون : حمدان الأزعر ، فضربوا به المثل .
• مثل الشقيرات فاطروا عن الجمال : - في أواخر العهد العثماني انتشر الفقر والجوع، فجاء أحد الفقراء من مصر
إلى مضارب حامولة الشقيرات في أواخر شهر رمضان طالبا صدقة الفطر ، ولم يكن شيخهم إبراهيم حسن شقير يملك شيئا ،فسأل جميع أبناء حمولته إذا لم يُخرج أحدهم صدقة الفطر ، فأجابوه جميعهم بأنهم أخرجوها عن الذكور وعن الإناث وعن الكبار وعن الصغار، وعن الأجنة في بطون أمهاتهم ، فانتبه إلى بعضهم وكانوا يملكون جمالاً وسألهم :هل أخرجتم صدقة الفطر عن الجمال ؟ ؟ ! وأقنعهم بأن يخرجوا كي يأخذ منهم بضعة قروش للسائل ؟ وهكذا احتال عليهم بذكاء كي يقدم شيئا للسائل ! فضربوا بهذا العمل المثل .
• مثل خوفان : - خوفان شخص من حمولة الزعاترة ، ضاقت به السبل في أواخر العهد العثماني ، ولم يستطع كسب قوت أطفاله ، فجمعهم في جحر واسع نسبيا ، ووضعهم فيه ، وأغلقه عليهم بالحجارة واعدا إياهم بالعودة إليهم عندما يجلب لهم طعاما . فمرّ بالأطفال أشخاص وسمعوا صراخهم فأخرجوهم وأطعموهم، وضربوا به المثل.
• مثل داهوم قتل القتيل ومشي في جنازته : - داهوم من حمولة " الهلسة" وكان شخصا " أهبلا " أوهمه بعضهم بأن فتاة جميلة تحبه ، فلحق بخطيبها وهو من أقاربه وهو يرعى الأغنام وقتله ببندقيته ، ثم نادى على أبناء الحمولة زاعما أنه وجده مقتولا ، وأثناء الجنازة كان يقود الحبل المحمول عليه النعش ، ويلطم ويصيح بأنه سيأخذ ثأره من القاتل ، وبعد الدفن اتهم أهله آخرون بأنهم قاتلوه ، فجاء شخص من حامولة أخرى كان قد رأي الحادث وشهد بما رآه وأن داهوم هو القاتل . فضربوا به المثل .
• مثل رغيف سعدى الحسان : - امرأة من الزعاترة عاشت في أواخر العهد العثماني وبداية الانتداب حيث كان الفقر الشديد منتشرا وبينما كانت تخبز ، اختطف كلب رغيف خبز وهرب به ، فطاردته تريد تخليص الرغيف منه ، ولم يتركه إلاّ بعد أن ابتلعه ، فقالت : مخاطبه للكلب " روح هذا الرغيف عن روح أبوي " فضربوا بها المثل .
• مثل ضعيف العبيدات : - الضعيف هو المريض . ويروى أن طفلا من حمولة العبيدات كان مصابا بالحصبة ،وحرارته مرتفعة ، والمريض في العرف الشعبي لا يقوى على تناول الطعام ، فذهب أبناء الحمولة للحصاد في حين أرسلوا شقيقته تشتري له شرابا كان يباع عند العطار . وعندما عادت وجدته قد أكل الخبز الموجود في البيت وفي بيوت الجيران ، فقالت له: إذا أنت بحاجة إلى سوق شراب وعندما عاد الحاصدون ولم يجدوا الخبز وعلموا بالقصة ضربوا به المثل .
• مثل جمال عوض مشعل : - عوض مشعل من حامولة الشقيرات كان يملك أربعة جمال ويضع في رقبة كل واحد منها جرس، فأينما تحركت كانوا يعرفون مكان اتجاهها ، وإذا ما دخلت في زرْع الآخرين فإن أجراسها تشير إليها .
• مثل حُبّارة أبو عيشة : - أبو عايشه هو المرحوم علي سلامة شقيرات المعروف بعلي أبو الزيت ، ولد عام 1870 وعاش حتى ثلاثينات القرن العشرين .
الحبارة : هي نوع من الطيور .
• يقال أن عددا من الأشخاص من قبيلة بدوية كمنوا له ليضربوه انتقاما من عشيرته لخلاف ما ، وبينما هم في الكمين مرّ بهم غزال فأطلق كل واحد منهم النار عليه ، فأخطأوه بينما هو اطلق رصاصة في الهواء، فاصابت طائر الحبارصدفة، وعندما اقترب منهم أبو عايشه وكان لا يراهم ، ظنوه قناصا ماهرا وفروا هاربين، ولما بانت الحقيقة لجماعته ضربوا به المثل .
• مثل إللي بضحك على ضو نار العدوان : - كان عدد من الأشخاص يتسامرون في قمة جبل المنطار في أواخر العهد العثماني ، وكان بينهم شخص أهبل ، فضحكوا على نكته جنسية بطريقة غير مباشرة كي لا يفهم ، وعندما ضحكوا على النكتة ضحك معهم ، فسألوه لماذا ضحكت ؟ ؟ فأشار إلى نار مشتعلة في الضفة الشرقية لنهر الاردن ، وحددوا المكان أنه مضارب قبيلة العدوان .فضربوا به المثل
د.محمد شحادة و جميل السلحوت
الأغاني الشعبية في عرب السواحرة-2-
أغاني الحصادين
من المعروف أن فلسطين بلاد زراعية ، نظرا لخصوبة أراضيها ، وكثرة مصادر المياه فيها ، وقد اعتنى شعبنا الفلسطيني بالزراعة منذ قديم الزمان ، وأهلنا في عرب السواحرة رغم كونهم ينحدرون من أصول بدوية ، الا أنهم مارسوا الزراعة الى جانب الرعي ، حتى أضحت الزراعة حرفة لهم ، والأغاني الشعبية تلازم الانسان في كل عمل يقوم به ، تنهض من عزيمته ، وتشد سواعده العاملة ابدا . وكانت لأهلنا ولا تزال أغانيهم الخاصة في موسم الحصاد وغيره من المواسم . ونحن نعرف أن البذرة قبل أن تتحول الى سنبلة مثقلة بالبذور الجديدة ، تطمر في باطن الأرض في موسم يسمى موسم الحراثة ، ونرصد فيما يلي بعض الأغاني التي تمكنا من الحصول عليها ، والتي كانت تقال من قبل الحراثين في بلدنا : فهذا الحرّاث يتمنى أن يزول الغلاء ، وتنخفض الأسعار ليستطيع فلاحة أرضه واطعام صغاره ، فيخاطب نفسه :
حرّاث البقر ما أطول معانيك **** قتلت البقر من طول المعاني
هو عاود ريت الغلا ما يعاود
وواضح من القول السابق أن الحراثة كانت تتم بواسطة البقر، وبعد ذلك استعملوا في الحراثة في بلدنا الحمير والبغال وأخيراً التراكتور .. والحراث يحب الأرض التي يتعامل معها حباً شديداً ،لأنها مصدر رزقه وعمله ، وها هو يقول مخاطباً الأرض التي يقوم بحراثتها ، تلما تلما وحبات العرق تغطي جبينه الأسمر :
علينا حَمارك**** وعلى الله غلالك
والحراث يغازل أيضاً :
يا بنت وش هو بلاك**** تمشي وتجري وطاك
قل سبع سنين بحرياك***حريا الفلاح ببذاره
والحراث يرفق بالحيوان والطير ، فالطير بأسرابه الكبيرة يأتي دون ممانع ليلتقط طعامه من البذور المنثورة في باطن التربة، وحين كان الرجل أو المرأة يقوم برش البذور وراء الحراث كان يقول ملخصاً ما أوردناه أعلاه :
الله يا رب تطعمنا *** وتطعم الطير في ظلام الليل
وفي موسم الحصاد ، كان الرجال والنساء يشتركون معاً في جمع الزرع، وسوف نجد في أغاني الحصاد الغزل الى جانب الأغاني التي تمجد المنجل - آداة الحصادين المساعدة في جمع المحصول - ، والمنجل بالاضافة الى وظيفته تلك يخفف الآلام والجروح التي قد تلحق بأيدي الحصادين أثناء عملية الحصاد .
منجلي يا من جلاه**** راح للصايغ جلاه
ما جلاه الا بعلبه*** ريت هالعلبة عزاه
وهذه الأغنية المساعدة في رفع الهمة والنشاط أثناء العمل :
منجلي يا بو الخراخش ***ياللي في الزرع داخش
وهذه أيضاً :
منجلي يا بو رزه***** يللي اشتريتك من غزه
****
والزرع دلّى عنوقه**** وبالمناجل لنسوقه
والايام التي يتساقط فيها الندى لها أهميتها عند الفلاحين، خصوصاً وأن أيام الحصاد تصادف في الصيف القائظ، حيث الحرارة الشديدة وأشعة الشمس المحرقة تكوي جباه الحصادين :
والندى يا م بركه**** هدّ حيلي واضنكه
والندى لولا الندى****كان زرعي ممدّا
وفي الاغنية السابقة نلاحظ أن الحصاد يعمل بجهد متواصل لأن قط
9/13/2019, 11:30 من طرف Sanae
» المهندسين خ
7/1/2015, 04:18 من طرف زائر
» المهندسين خ
7/1/2015, 04:13 من طرف زائر
» تليفونات برنامج صبايا الخير بقناة النهار
6/27/2015, 09:30 من طرف زائر
» طلب مساعده عاجل
6/21/2015, 14:28 من طرف fatim fatima
» اغاثه
6/17/2015, 10:03 من طرف زائر
» موضوع مهم جدا وأرجو ألا تغفلوا عنه وأرجو ابتواصل
6/17/2015, 09:59 من طرف زائر
» موضوع مهم جدا وأرجو ألا تغفلوا عنه وأرجو ابتواصل
6/17/2015, 09:56 من طرف زائر