الاعتداء على مقرات الأحزاب جريمة فى حق الديمقراطية والحياة السياسية
>> الرسالة الأمريكية إلى الإخوان واضحة: تأمركوا أو اذهبوا
>> ونحن نرفض الخضوع لابتزازهم فهى مسألة عقيدة
>> مغزى تحرش السفيرة الأمريكية برئيس وزراء المغرب !!
خطة الفوضى والخروج على الشرعية وادعاء وجود ثورة، خطة واضحة المعالم، لكنها تتنقل من مكان إلى آخر ومن هدف إلى آخر، وكلما خبا وهج حادث تم افتعال حدث فى مكان آخر. الثورة ليست لعبة، بل تحدث لأسباب تاريخية عميقة، ولا تندلع بسبب التآمر أو التخطيط فى غرفة عمليات، ولو كانت وراءها قوة عظمى، لكن محاولة الانقلاب على حكم شرعى (مهما تكن ملاحظاتنا عليه واختلافنا معه) تحتاج إلى خلق بعض الذرائع ورسم صور شبيهة بالثورة لتهيئة المناخ لانقلاب عسكرى؛ لأن المتآمرين يعلمون جيدا أن قواهم الجماهيرية غير كافية لإحداث التغيير، وهم يستغلون بلا شك أخطاء الحكم الشرعى لمرسى، وإن كانت هذه الأخطاء لا تبرر حرق الوطن وإعادته إلى الخلف.
نحن أمام صورة مشابهة لما حدث خلال ثورة إيران فى بداية النصف الثانى من القرن العشرين. هذه الثورة أوصلت مصدق إلى موقع مجلس الوزراء، وكان ثوريا إلى حد أنه أمّم قطاع البترول من الشركات الإنجليزية، فقرر التحالف الأنجلو أمريكى القضاء عليه.
وقع الانقلاب على حكومة الزعيم الإيرانى محمد مصدق يوم التاسع عشر من أغسطس عام 1953، بعد أن احتدم الصراع بين الشاه ومصدق فى بداية شهر أغسطس من عام 1953، فهرب الشاه إلى إيطاليا عبر العراق، وقبل أن يغادر وقّع قرارين: الأول يعزل مصدق، والثانى يعين الجنرال فضل الله زاهدى محله. قصف زاهدى فى التاسع عشر من أغسطس 1953 منزل مصدق وسط مدينة طهران، فيما أخرج كرميت روزفلت ضابط الاستخبارات الأمريكى والقائد الفعلى للانقلاب الذى أطلقت المخابرات المركزية الأمريكية عليه اسما سريا هو العملية أجاكس؛ «تظاهرات معادية» لمصدق فى وسائل الإعلام الإيرانية والدولية، كما أوعز روزفلت إلى كبير زعران (بلطجية) طهران وقتذاك شعبان جعفرى السيطرة على الشارع، وإطلاق الهتافات الرخيصة التى تحط من هيبة الدكتور مصدق، بالتوازى مع اغتيال القيادات التاريخية للجبهة الوطنية التى شكّلها، مثل الدكتور حسين فاطمى الذى اغتيل بالشارع فى رائعة النهار.
حوكم مصدق أمام محكمة صورية وأعيد تنصيب الشاه.
هى الخطة نفسها التى تكررت كثيرا فى بلدان أمريكا اللاتينية لإبقائها تحت الهيمنة الأمريكية، وتكررت كثيرا فى إفريقيا للقضاء على النفوذ الفرنسى لصالح النفوذ الأمريكى، لكن فى النموذج الإيرانى، كانت العملية خاطفة ومتفقا عليها وحاسمة. أما السيناريو المعقد الذى يجرى فى مصر الآن، فيختلف عن سيناريو مصدق فى أن الأمريكيين لم يحسموا أمرهم بعد، وكذلك قيادة المؤسسة العسكرية المصرية.
والمؤسف أن أقوى طرفين متفاهمين على مستوى السلطة: الأمريكان والعسكر. ويعتبر الأمريكيون منذ الإطاحة بمبارك أن المؤسسة العسكرية هى ركيزتهم الأساسية فى مصر، بناء على العلاقات التاريخية بينهما على مدار 3 عقود وما بها من صفقات سلاح مستمرة حتى الآن، وما أدراك ما صفقات السلاح؟ تدريب.. عمولات رسمية وغير رسمية.. مناورات.. قطع غيار.. صيانة.. قواعد عسكرية ينفيها الطرف المصرى ويؤكدها الطرف الأمريكى!!، لكن التسهيلات العسكرية لا ينفيها أحد.
الأمريكان لم يستنفدوا بعد إمكانية احتواء حكم الإخوان المسلمين، ويريدون استكمال المشوار معهم إلى أبعد حد ممكن، والبدايات بالنسبة إليهم معقولة لكنها ليست كافية؛ فالإخوان لايتجاوبون بالمعدل المطلوب. والأمريكان لا يتعجلون؛ لأن علاقتهم بإخوان مصر ليست منفصلة عن إستراتيجيتهم الجديدة مع الحركة الإسلامية فى المنطقة كلها وعلى رأس ذلك علاقتهم بفروع الإخوان المسلمين والنظم الوليدة من رحمهم؛ فالموقف الأمريكى من الإسلاميين يمتد إلى علاقاتهم بالنظام الجديد فى تونس وليبيا وحتى باليمن وبما يجرى فى سوريا والمغرب وفى كل البلاد العربية بدون استثناء. وأكرر ما قلته سابقا من أن الخطة الأمريكية تتبلور منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضى، على أساس ضرورة الاعتراف بهذا الأمر الواقع الزاحف، لكن مع ترويضه وأمركته قدر الإمكان. وهذا هو الجوهر الحقيقى لمصطلح «الفوضى الخلاقة»، أى الفوضى المتلازمة مع إحداث هذا التغيير فى الانتقال من النظم العلمانية العميلة إلى النظم الإسلامية التابعة التى تحافظ على المصالح الأمريكية والغربية. وتكون مستعدة لتشذيب المبادئ الإسلامية وشتى التعاليم الإلهية فى القرآن والسنة -والعياذ بالله- بما يتناسب مع ذلك، كإعطاء آيات الجهاد إجازة، وتنصيب المرأة على منابر المساجد وعلى المآذن لتصدح بالآذان وتؤم الرجال وتصطف معهم فى كل صلاة، وتتخفف من الحجاب، ومن القواعد الصارمة فى الزواج والطلاق، وأن تتساوى فى الميراث، وأن يعاد تصنيف الخمر ضمن المشروبات الحلال، وإدخال الحديث عن الربا فى خزانة التاريخ. ويُستحسن إدخال تعديل طفيف آخر: وقف العمل بالشريعة الإسلامية؛ لأن هذه يؤذى مشاعر المسيحيين غير الموجودين فى ليبيا والجزائر وبلاد عربية عديدة، والموجودين بنسبة لا تزيد عن 6 أو 7% فى مصر، لكن رغم أن الشريعة لا تؤذيهم فى شىء، بل وقد تفيدهم أكثر من النظم العلمانية، لكن مراعاة للمساواة، لا بد من وقف العمل بالشريعة الإسلامية وتحدى إرادة الله، وأن يدخل أكثر من 80 مليون مصرى مسلم نار جهنم. وهذه أبسط تضحية يقدمونها لإخوتهم فى الوطن، وحفاظا على السلام الاجتماعى، ولو كانت الشريعة لا تهدده، لكن أخذا بالأحوط، يستحسن أن يعصى المسلمون أمر الله ويدخلوا النار، رغم أن البابا الراحل شنودة كان لديه من العزة ما يكفى ليقول إنه لن ينفذ أحكام القضاء إذا تعارضت مع الإنجيل. وقد أيدته ساعتها وقلت: لا نتدخل فى قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين، وليتفاهموا بعضهم مع بعض.
باختصار.. هذه أمثلة للتعديلات «الطفيفة» الأمريكية والغربية التى يقترحونها على النظم الإسلامية الجديدة، ولا أريد التوسع أكثر من ذلك، كحديثهم عن ضرورة إقرار الشذوذ الجنسى، والجنس الحر والآمن، وغيرهما من الأمور «الطفيفة الأخرى» حتى لا أخرج عن الموضوع.
يا لها حقا من ديمقراطية!. إنهم لا يعرفون إلا نموذجا واحدا للحياة، ويريدون أن يفرضونه علينا بالقوة. ومن المشاهد اللطيفة التى حدثت مؤخرا، أن السفيرة الأمريكية استغلت مناسبة عامة وتحرشت برئيس الوزراء المغربى وقبلته قبلة مفاجئة وخاطفة على مرأى من الجميع وأمام الكاميرات.
ورئيس وزراء المغرب هو رئيس حزب العدالة والتنمية الإسلامى الذى يشكل الوزارة الآن. إنهم يريدون أن يفرضوا نمط حياتهم على حياتنا حتى بالتحرش والاغتصاب؛ فلن نكون متحضرين إلا إذا قبل جميع الرجال جميع النساء. ( كان هناك عيد للحب فى روسيا الشيوعية يسمح للرجال بتقبيل النساء فى الشوارع دون سابق معرفة !!).
وفى المقابل، لا أقول إن الإسلاميين سيخضعون لكل هذا الابتزاز؛ لأنها مسألة عقيدة، لكن الإسلاميين المتهافتين على السلطة بأى ثمن يقعون فى مساومات غير مقبولة. والانزلاق إلى الحرام بأى درجة يعرض المؤمن للغرق فى الحرام، وفقا للقانون الربانى (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا). ويختلف التهاون من ساحة إلى أخرى حتى فى إطار حركة الإخوان المسلمين.
وأقول مرة أخرى: هذه لعبة خطرة، وغير مأمونة، بل هى فى الأساس غير شرعية.
نقول إن هذا المخطط الأمريكى الشامل هو الذى يجعل أمريكا تصبر على مرسى، ولا تعطى الضوء الأخضر للانقلاب الكامل عليه، لكنها ترى فى الوقت ذاته أنه يجب أن يوضع باستمرار تحت أعلى درجات الضغط؛ لتمرير خطة الاستئناس والسيطرة. والعجيب أن بعض معارضى مرسى العلمانيين يهاجمون علاقة حكم مرسى بالأمريكان، رغم أنهم أكثر التصاقا بالأمريكان، بل وبعضهم مخترق إسرائيليا، ولا يبدو على وجهه نوع من الحياء.
لكن صبية الإنقاذ -رغم سنهم الكبير- لا يرون كل هذه المعادلة المعقدة، وقد يرونها لكنهم يتعجلون المغانم، وقد يكون الأمريكان يستعملونهم للضغط دون أن يشرحوا لهم كافة التفاصيل والآفاق. وهناك البعد المالى المباشر؛ «فإذا كان العيال يأخذون 16 مليون جنيه، يبقى الكبار بياخدوا كام؟!».
وفى كل الأحوال، أمريكا هى المستفيدة من كل هذا الاستنزاف الداخلى لمصر؛ فإذا كانت مصر لم تعد طيعة فى أيديهم فلتكن دولة فاشلة، ولتكن دولة ملعونة.
وفى هذا الإطار، يظل مخطط الحرائق والاعتداء على المنشآت وقطع الطرق والمواصلات وتهريب البنزين والسولار، وافتعال الإضرابات الفئوية بتواتر «على الفاضى والمليان»؛ يظل كل هذا ضررا صافيا لمصر ولمصالحها العليا؛ فالخلاف مع الإخوان ومع الرئيس لا يبرر هذه الجرائم، خاصة وقد أصبح لدينا آلية للتغيير السلمى عبر الانتخابات.
وفى آخر تجليات هذه المهزلة غير الوطنية، يجرى الاعتداء على المقر العام للإخوان المسلمين؛ وذلك بعد عشرات الاعتداءات على مقار حزب الحرية والعدالة. وحدثت اعتداءات محدودة على أحزاب أخرى؛ منها مقر حزب العمل فى سمنود؛ وذلك على مدار الأسابيع المنصرمة.
ستدخل جبهة الإنقاذ التاريخ من أوسخ الأبواب؛ فهذه الممارسات لم تعرف فى التاريخ المعاصر لمصر منذ عرفت الأحزاب فى أوائل القرن العشرين حتى الآن؛ فتحويل الخصومات السياسية إلى معارك شوارع واقتحامات للمقار وحرقها أو محاصرتها وضربها بالحجارة؛ هذا خروج عن قواعد الديمقراطية، وتخريب للحياة السياسية، وتحويل للعمل السياسى إلى بلطجة وعنف ومليشيات (ثم يعودون ليتهموا الإسلاميين بالمليشيات غير الموجودة أصلا!)، وتدمير الإنجاز الوحيد للثورة: العمل السياسى السلمى والديمقراطى وتداول السلطة ونزاهة الانتخابات وسائر الحريات السياسية؛ فهل يصعب على حزب يتعرض لتلك الممارسة الحقيرة أن يستأجر بألف جنيه بلطجيا لحرق الحزب المنافس أو تكليف أحد أعضاء الحزب بذلك؟! فكيف ستسير الحياة السياسية هكذا؟! إنها معادلة يخسر فيها الجميع، لكن الذى لا يحرص على الوطن ولا يخاف الله لا يهمه مصير الوطن ولا سرعة الانتهاء من المرحلة الانتقالية، ولا يهمه إتلاف الممتلكات ولا موت البشر.
والوقاحة والسخافة والتآمر تتضح بأن القصة تتحول إلى اتهام الإخوان والشرطة بالاعتداء على المعتدين. من حقى أن أقتحم عليك بيتك، وإذا قاومتنى أو استعنت بالشرطة تصبح أنت المجرم!. نحن نرى إعلام الفتنة يمارس هذه الحقارة فى الأكاذيب. وهذا أسلوب المجرمين المحترفين فى «تلقيح الجتت»، وإصابة نفسه واتهام الآخرين بإصابته.. أسلوب المرأة السيئة السمعة التى تطعن أهل الحارة فى شرفهم بالصوت العالى معتمدة على سلاطة لسانها. إعلام الغلوشة (خذوهم بالصوت) أو (الكثرة تغلب الشجاعة) (عدد القنوات والصحف التى حوّلت الاعتداء على مقر الإخوان إلى جريمة ارتكبها الإخوان كان أكثر من عدد الصحف والقنوات المنصفة للحقيقة).
المشكلة أن هذا نمط متكرر فى كافة الأحداث، لكننى أركز اليوم على مسألة الاعتداء على مقرات الأحزاب؛ لأنها تضرب الممارسة الديمقراطية فى الصميم، وتخرب الحياة السياسية. وتنتهى بذلك حكاية مقارعة الحجة بالحجة، والاحتكام إلى الجماهير، وعقد المؤتمرات وتنظيم المسيرات السلمية باعتبار هذه موضة قديمة؛ لأننا الآن فى زمن الملوتوف وقلة الحياء والأدب، والوقاحة والألفاظ البذيئة.
من المفيد فعلًا أن يتعلم مرسى من تجربة الهند
كيف اعتمدت الهند على نفسها لتصبح الاقتصاد الرابع فى العالم خلال 15 سنة؟
بناء الهند بأيدى الهنود واقتحام أعلى مستويات التكنولوجيا
الهند وصلت إلى القمر وتستعد للمريخ.. ونحن مشغولون بتوافه الأمور
نقلت وسائل الإعلام أن الرئيس مرسى صرح، خلال زيارته إلى الهند، بأنه سيتعلم من تجربة الهند. وهذا أمر مبشر إذا أُخذ على محمل الجد لا الدبلومسية. فى الخمسينيات كانت الهند وراءنا تكنولوجيا واجتماعيا واقتصاديا. والآن الهند تتربع على المركز الرابع بين اقتصادات العالم، وتتجه بسرعة الصاروخ لتسبق اليابان (الثالث الحالى). ومن المتوقع أن تكون الصين الأول والهند الثانى خلال عقدين من الزمان. كنت أريد مواصلة الحديث عن النهضة اليابانية، لكن بمناسبة زيارة الرئيس إلى الهند ننتقل إليها، وإن كان الموضوع واحدا فى كل الأحوال: التنمية الناجحة هى التنمية المستقلة التى تعتمد على سواعد أبنائها، ولا تعتمد على القروض والمنح والاستثمار الأجنبى.
وقد مرت الهند بمراحل شتى منذ استقلالها عام 1947، لكنها لم تتحول إلى الانطلاق السريع إلا فى المراحل التى اعتمدت فيها على نفسها، خاصة فى العقدين الماضيين. انطلاقة الهند تعتمد على مبدئين أساسيين: الاعتماد على الذات + العلم والصناعة هما قاطرة التنمية؛ لذلك فإن الاعتماد على القروض والاستثمار الأجنبى غير المخطط هو الذى أضاع مصر فى عهد مبارك، وهذا ما نرفض استمراره فى عهد مرسى. الاستثمار فى البشر هو الأهم إطلاقا فى عملية التنمية، وهذا لا يعنى فحسب تطوير التعليم وانتظار النتائج بعد عشرات السنين، لكن استثمار ما تحقق فى البلاد من خبرات وكفاءات عبر السنوات الماضية، سواء داخل البلاد أو من خلال المصريين فى الخارج. واعتماد الهند على البرمجيات (صناعة المعلومات) ليس بدعة؛ فهذا ما فعلته (وذكرت ذلك فى مقالات سابقة بلاد مثل ماليزيا– فنلندا– أيرلندا على سبيل المثال).
وضعت الحكومة الهندية مقولة (بناء الهند بأيدى الهنود) شعارا لمبادرتها الوطنية، كما وضعت عبارة: «تكنولوجيا المعلومات للجميع فى عام 2008» شعارا لحملتها الوطنية لإقرار السياسة الوطنية لتكنولوجيا المعلومات التى اعتمدتها الحكومة رسميا عام 1998؛ فقد استفادت الهند من القوة البشرية الهندية المتعلمة ومن ميزة إجادة الهنود اللغة الإنجليزية، فوجهت مبادرتها باتجاه إنشاء صناعة برمجيات هندية قوية، ورغم عدم إهمال الشركات العاملة فى مجال التجهيزات الحاسوبية، إلا أن جهد الدعم الأساسى ظل مركزا على صناعة البرمجيات، وبالدرجة الأولى علىتصديرالبرمجيات.
مزايا صناعة البرمجيات الهندية
يتمتع قطاع البرمجيات الهندى بمزايا عديدة سمحت له بالنمو بقفزات سريعة:
ميزة الموقع الجغرافى:
قد لا يبدو الموقع الجغرافى ميزة جوهرية فى عالم صناعة البرمجيات، ورغم ذلك فقد استطاعت الهند أن تستفيد من موقعها الجغرافى الذى يتفوق على غيره من البلدان؛ ذلك أن التوقيت الهندى يختلف عن توقيت الولايات المتحدة بـ12 ساعة. ومن المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية أكبر سوق عالمية للبرمجيات. وقد سمحت هذه الميزة للشركات الأمريكية بتأسيس فروع لها فى الهند أو بإبرام عقود مع شركات هندية؛ ما ساهم فى جعل مشروعاتها البرمجية تعمل على مدار الساعة. إن فرق 12 ساعة فى التوقيت ميزة كبيرة سمحت بعمل مستمر فى المشروعات البرمجية.
القوى البشرية:
يقول الاقتصاديون الهنود: «إذا كان لدى بلدان الشرق الأوسط البترول، فإن لدينا رجال تكنولوجيا البرمجيات»، وفعلا تستفيد الهند كثيرا من هذه النقطة؛ فهى تمتلك ثانى أضخم مجموعة فى العالم من القوى العاملة المتخصصة تكنولوجيا التى تتقن اللغة الإنجليزية، ولا يسبق الهند فى هذا المجال سوى الولايات المتحدة الأمريكية، وللهند أفضلية على هذه الأخيرة، بسبب انخفاض الكلفة كما هو معروف للجميع.
لقد بدأت صناعة البرمجيات فى الهند فى منتصف الثمانينيات، وكان لديها فى عام 1985، 6800 مختصا بالبرمجيات، وخلال 12 سنة استطاعت الهند أن تحقق قفزة فى عدد المبرمجين ليصل عام 1997 إلى 160 ألف مبرمج وفى عام 2000 إلى 340 ألف مبرمجا.
إن حجم الطلب العالمى على المبرمجين يصل إلى مليونى مبرمج فى اليابان والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، وتستطيع الهند أن توفر 60 ألف مبرمج كل عام، وبذلك يمكن للهند أن تساهم فى الاستجابة للطلب العالمى، بالاستفادة من الخريجين الهنود فى الكليات التقنية والمعاهد الخاصة، وكذلك من خريجى الشركات نفسها؛ إذ إن معظم الشركات الهندية لديها برامج تعليم وتدريب خاص ضمن الشركة.
كلفة منخفضة:
ينسب النمو الهندى القوى فى صناعة البرمجيات سابقا إلى الكلفة المنخفضة للمبرمجين الهنود؛ فقد كان المبرمجون الهنود يتقاضون ما يعادل 15-20% فقط مما يتقاضاه نظراؤهم فى البلدان المتقدمة.
وإذا أجرينا مقارنة بالبلدان المنافسة للهند سنجد أن المبرمجين الهنود كانوا يتقاضون أقل الأجور؛ كل ذلك منح الشركات الهندية فرصة تحديد مستوى منخفض لتسعير المشروعات البرمجية.
وتجدر الإشارة إلى أن ميزة (الكلفة المنخفضة) تعرضت لتآكل كبير عبر عقد من الزمن 1990 – 2000؛ ذلك أن عددا متزايدا من المبرمجين الهنود يحصلون على أجور عالية تكافئ المعايير العالمية. ورغم ذلك فإن الهند لا تزال توفر (بمقياس: الكلفة - الجودة)، فرصة جيدة وقيمة حقيقية مهمة للمال المستثمر فى مجال البرمجيات.
عدم ترحيل التكنولوجية العتيقة:
كان من حسن حظ الهند أنها دخلت عالم صناعة البرمجيات فى وقت متأخر نسبيا (أواسط الثمانينيات)؛ فعلى عكس البلدان الأوروبية واليابان التى اضطرت إلى تجديد شامل لتجهيزاتها وبرمجياتها، لم تتحمل الهند كلفة مثل هذا التجديد ومن المهم أن نذكر أن عددا قليلا جدا من الشركات الهندية اضطر إلى الاستثمار فى جيل ثانٍ من التجهيزات؛ ذلك أن الشركات الهندية بدأت بالاستثمار بجدية فى منتصف الثمانينيات، وقد ترافقت هذه الفترة مع بداية انتشار الحاسوب الشخصى (PC) فى الغرب، ومنذ ذلك الحين أصبحت تجهيزات الحواسيب الشخصية وبرمجياتها القطاع الأسرع تطورا على المستوى العالمى؛ ما سمح للهند بأن تمتطى موجة النمو. ويجب أن نتعلم من ذلك أننا نبدأ من حيث انتهى الآخرون، وهذا يوفر كثيرا من الزمن والجهد للحاق بالذين سبقونا.
ارتفاع مستوى الخبرة الاختصاصية:
تخرج الجامعات الهندية والمعاهد الخاصة عشرات الآلاف من المتخصصين سنويا، وقد استوعبت الشركات الهندية هذه الكوادر ودربتها عبر إنجاز المشروعات البرمجية؛ فقد بنت هذه الشركات فى العقد الماضى (التسعينيات) خبرة جيدة فى منصات برمجية متنوعة، وقد نفذت برمجيات مختلفة بدءا من النظم القانونية وحتى النظم البرمجية المتطورة.
ثقافة مهنية عالية فى مجال الإدارة:
تتميز الهند بوجود عدد كبير من المدارس العليا للأعمال والإدارة، وبوجود كوادر مختصة ذات مستوى رفيع يطابق المعايير الغربية، كما أن الثقافة الهندية عموما فى مجال الاقتصاد والإدارة مشابهة لمثيلتها فى البلدان الغربية والدول المتطورة؛ ما يسهل على الشركات الأجنبية تطبيق فكرة تأسيس فروع لها فى الهند، أو المضى فى التعاقد مع شركات هندية لتنفيذ مشروعات محددة.
إطار عمل تنظيمى ملائم:
تتمتع صناعة البرمجيات الهندية بحرية غير مقيدة، لتصريف أعمالها بأفضل الطرق الممكنة، وبالوسائل التى تراها مناسبة، كما أن الحكومة تشجع صناعة البرمجيات من خلال منح مكافآت مالية للمصدرين. وثمة إجراءات مختلفة لدفع وتدعيم هذه الصناعة.
رجال التكنولوجيا والأعمال الهنود - الأمريكيون:
أسس رجال الأعمال الأمريكيون من أصل هندى رابطة للتشبيك والتعاون فى الولايات المتحدة الأمريكية (TiE)، وتضم هذه الرابطة أكثر من 600 خبير وإدارى وممول ومدير مشروعات ممن يعملون تحديدا فى قطاع تكنولوجيا المعلومات، وهنالك عدد كبير منهم ممن يعملون فى وادى السليكون.
وقد لعبت هذه الرابطة للهنود – الأمريكيين دورا مزدوجا فى ارتباط هؤلاء فيما بينهم أولا، وارتباطهم جميعهم بالوطن الأم، مقدمين المساعدة والنصح والإرشاد وساعين إلى أداء دور المساعدة فى تطوير العلاقات بين صناعة البرمجيات الأمريكية ومثيلتها الهندية، كما أن هذه الرابطة لم تكتفِ بدور الإرشاد والنصح، بل ساهمت أيضاً فى تأسيس أكثر من 30 شركة هندية بتمويل من رجال الأعمال المغتربين.
آخر إحصاء لصادرات الهند من البرمجيات وحدها تقول إنها صدرت بـ46 مليار دولار عام 2008.
ولم يتحقق هذا النمو بفضل تشجيع الحكومة فقط، بل ساهم القطاع الخاص أيضا فى استثمار رءوس أموال ضخمة لتهيئة البيئة المناسبة لنجاح المبادرة الوطنية الهندية؛ فمثلا تستثمر شركة «وينتك» للحاسبات فى مجال التدريب والتطوير، وقد استثمرت رءوس أموال جديدة لفتح 300 مركز تدريب جديد فى الهند خلال عام 2000 عبر البلاد، وتستوعب هذه المراكز ما لا يقل عن 50 ألف طالب.
التمويل الحكومى:
الحكومة الهندية هى التى خططت لهذه المبادرة، وقد دعمتها بالتمويل المباشر بقروض ميسرة، وغير المباشر بتمويل حدائق تكنولوجيا البرمجيات، وحدائق تكنولوجيا التجهيزات الإلكترونية، وأشكال تنظيمية أخرى تقدم التسهيلات للحصول على كل شىء: مساحة طابقية – تجهيزات – اتصالات - خدمات استشارية إرشادية - قروض ميسرة... إلخ، كما أن التمويل غير المباشر يشمل الإعفاءات من ضريبة الدخل ومن الرسوم الجمركية وضريبة المبيعات المركزية... إلخ بجانب إقرار دفع مكافأة تشجيعية لعمليات التصدير.
كما يشمل التمويل غير المباشر، عملية التعليم التى وظفت فيها الدولة استثمارات ضخمة للوصول إلى رقم 60 ألف خريج هندى اختصاصى فى تكنولوجيا المعلومات، وبذلك وفرت الحكومة الهندية القوة البشرية اللازمة للانطلاق بهذا المشروع الضخم، وكل فقرة مما ذكرناه يحتاج إلى استثمارات كبيرة، وبحاجة إلى قرار إستراتيجى.
لقد منحت الحكومة الهندية الأولوية الأولى لمشروع النهوض بقطاع تكنولوجيا المعلومات، وكان العمل يجرى على التوازى فى الميادين التنظيمية والقانونية والاقتصادية والتعليمية؛ لذلك كان لا بد من وضع هذه الخطة الإستراتيجية تحت إشراف القيادة الحكومية الأولى فى الهند، وفعلا ألحقت هذه المبادرة الإستراتيجية برئاسة الوزراء الهندية مباشرة، وكان رئيس الوزراء يفتتح دائما نشر الخطط المتتالية فى هذا المجال بدعوة شخصية منه يوضح فيها هدف هذه الخطة. وفى 22/5/1998 أعلن رئيس الوزراء الهندى عن مبادرته قائلا: «سنجعل من الهند، خلال عشر سنوات، قوة عظمى لتكنولوجيا المعلومات، وأحد أكبر المنتجين والمصدرين فى عالم البرمجيات».
وتحقيقا لهذا الهدف، وضعت الهند سياسة تكنولوجيا المعلومات بفضل تعاون كبار الاختصاصيين الهنود من المغتربين والمقيمين داخل الهند. وقد نشرت مسودة وثيقة سياسة تكنولوجيا المعلومات على الإنترنت وطلب من جميع الاختصاصيين أن يدلوا برأيهم، وقد شكل رئيس الوزراء قسما ملحقا بمكتبه مباشرة يشرف على الحملة الوطنية لإنجاز سياسة تكنولوجيا المعلومات الهندية، وتحت شعار «المعلوماتية للجميع فى عام 2008»، ولقد نُشرت سياسة تكنولوجيا المعلومات الهندية عام 1998.
وتجدر بنا الإشارة إلى أن الحكومة أصدرت أمرا بتخصيص ما نسبته 1-3% من ميزانية كل وزارة أو مديرية أو مؤسسة عامة، لتطبيق تكنولوجيا المعلومات فى المؤسسات (تجهيزات – برمجيات – تدريب). ولا شك أن هذا القرار يشكل تمويلا مهما لشركات تكنولوجيا المعلومات الهندية، ويخلق لها سوقا واسعة لبيع منتجاتها.
********
هذه المعلومات مقتبسة فى أغلبها من دراسة للدكتور بشار عباس. وهى تؤكد أن المبادئ الأساسية للتنمية التى أشرنا إليها يوم الجمعة الماضى متحققة فيها:
دور الدولة فى التنمية - تنمية متمحورة حول الذات، وهى لا تستبعد التعامل مع الخارج، ولكن الاعتماد على الذات هو الأساس - القفزة الكبرى إلى الأمام فى لحظة محددة - التنمية لا تعتمد على الاقتصاد بالمعنى الضيق، بل التنمية عملية مركبة تعتمد على الثقافة والتعليم وشحذ الهمم وإثارة الروح الوطنية... إلخ – لا بد من وجود قاطرة للتنمية، وقد وجدت الهند وغيرها فى الصناعات الإلكترونية (التكنولوجيا الفائقة) ضالتها المنشودة. وتجد فى لغة وزراء الحكومة الحالية هشام قنديل الحديث عن المشروعات متناهية الصغر، توزيع أراضى على الشباب، انتظار شركة أجنبية ما هنا أو هناك، وهى لغة المجموعة الاقتصادية لحكومة نظيف؛ فهل يتعلم د. مرسى حقا من تجربة الهند خلال زيارته القصيرة؟ أتمنى ذلك من كل قلبى.
ملاحظة: الهند أرسلت منذ سنوات مركبتين إلى القمر حفرتا وبحثتا عليه، وتستعد لإرسال مركبة إلى المريخ، وهى من أكبر الدول فى إرسال الأقمار الصناعية إلى الفضاء لها وللغير. ومعروف أنها دولة نووية رغم أنف معاهدة حظر الانتشار النووى. ونحن مشغولون بتوافه الأمور
مجدى أحمد حسين
magdyahmedhussein@gmail.com.
>> الرسالة الأمريكية إلى الإخوان واضحة: تأمركوا أو اذهبوا
>> ونحن نرفض الخضوع لابتزازهم فهى مسألة عقيدة
>> مغزى تحرش السفيرة الأمريكية برئيس وزراء المغرب !!
خطة الفوضى والخروج على الشرعية وادعاء وجود ثورة، خطة واضحة المعالم، لكنها تتنقل من مكان إلى آخر ومن هدف إلى آخر، وكلما خبا وهج حادث تم افتعال حدث فى مكان آخر. الثورة ليست لعبة، بل تحدث لأسباب تاريخية عميقة، ولا تندلع بسبب التآمر أو التخطيط فى غرفة عمليات، ولو كانت وراءها قوة عظمى، لكن محاولة الانقلاب على حكم شرعى (مهما تكن ملاحظاتنا عليه واختلافنا معه) تحتاج إلى خلق بعض الذرائع ورسم صور شبيهة بالثورة لتهيئة المناخ لانقلاب عسكرى؛ لأن المتآمرين يعلمون جيدا أن قواهم الجماهيرية غير كافية لإحداث التغيير، وهم يستغلون بلا شك أخطاء الحكم الشرعى لمرسى، وإن كانت هذه الأخطاء لا تبرر حرق الوطن وإعادته إلى الخلف.
نحن أمام صورة مشابهة لما حدث خلال ثورة إيران فى بداية النصف الثانى من القرن العشرين. هذه الثورة أوصلت مصدق إلى موقع مجلس الوزراء، وكان ثوريا إلى حد أنه أمّم قطاع البترول من الشركات الإنجليزية، فقرر التحالف الأنجلو أمريكى القضاء عليه.
وقع الانقلاب على حكومة الزعيم الإيرانى محمد مصدق يوم التاسع عشر من أغسطس عام 1953، بعد أن احتدم الصراع بين الشاه ومصدق فى بداية شهر أغسطس من عام 1953، فهرب الشاه إلى إيطاليا عبر العراق، وقبل أن يغادر وقّع قرارين: الأول يعزل مصدق، والثانى يعين الجنرال فضل الله زاهدى محله. قصف زاهدى فى التاسع عشر من أغسطس 1953 منزل مصدق وسط مدينة طهران، فيما أخرج كرميت روزفلت ضابط الاستخبارات الأمريكى والقائد الفعلى للانقلاب الذى أطلقت المخابرات المركزية الأمريكية عليه اسما سريا هو العملية أجاكس؛ «تظاهرات معادية» لمصدق فى وسائل الإعلام الإيرانية والدولية، كما أوعز روزفلت إلى كبير زعران (بلطجية) طهران وقتذاك شعبان جعفرى السيطرة على الشارع، وإطلاق الهتافات الرخيصة التى تحط من هيبة الدكتور مصدق، بالتوازى مع اغتيال القيادات التاريخية للجبهة الوطنية التى شكّلها، مثل الدكتور حسين فاطمى الذى اغتيل بالشارع فى رائعة النهار.
حوكم مصدق أمام محكمة صورية وأعيد تنصيب الشاه.
هى الخطة نفسها التى تكررت كثيرا فى بلدان أمريكا اللاتينية لإبقائها تحت الهيمنة الأمريكية، وتكررت كثيرا فى إفريقيا للقضاء على النفوذ الفرنسى لصالح النفوذ الأمريكى، لكن فى النموذج الإيرانى، كانت العملية خاطفة ومتفقا عليها وحاسمة. أما السيناريو المعقد الذى يجرى فى مصر الآن، فيختلف عن سيناريو مصدق فى أن الأمريكيين لم يحسموا أمرهم بعد، وكذلك قيادة المؤسسة العسكرية المصرية.
والمؤسف أن أقوى طرفين متفاهمين على مستوى السلطة: الأمريكان والعسكر. ويعتبر الأمريكيون منذ الإطاحة بمبارك أن المؤسسة العسكرية هى ركيزتهم الأساسية فى مصر، بناء على العلاقات التاريخية بينهما على مدار 3 عقود وما بها من صفقات سلاح مستمرة حتى الآن، وما أدراك ما صفقات السلاح؟ تدريب.. عمولات رسمية وغير رسمية.. مناورات.. قطع غيار.. صيانة.. قواعد عسكرية ينفيها الطرف المصرى ويؤكدها الطرف الأمريكى!!، لكن التسهيلات العسكرية لا ينفيها أحد.
الأمريكان لم يستنفدوا بعد إمكانية احتواء حكم الإخوان المسلمين، ويريدون استكمال المشوار معهم إلى أبعد حد ممكن، والبدايات بالنسبة إليهم معقولة لكنها ليست كافية؛ فالإخوان لايتجاوبون بالمعدل المطلوب. والأمريكان لا يتعجلون؛ لأن علاقتهم بإخوان مصر ليست منفصلة عن إستراتيجيتهم الجديدة مع الحركة الإسلامية فى المنطقة كلها وعلى رأس ذلك علاقتهم بفروع الإخوان المسلمين والنظم الوليدة من رحمهم؛ فالموقف الأمريكى من الإسلاميين يمتد إلى علاقاتهم بالنظام الجديد فى تونس وليبيا وحتى باليمن وبما يجرى فى سوريا والمغرب وفى كل البلاد العربية بدون استثناء. وأكرر ما قلته سابقا من أن الخطة الأمريكية تتبلور منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضى، على أساس ضرورة الاعتراف بهذا الأمر الواقع الزاحف، لكن مع ترويضه وأمركته قدر الإمكان. وهذا هو الجوهر الحقيقى لمصطلح «الفوضى الخلاقة»، أى الفوضى المتلازمة مع إحداث هذا التغيير فى الانتقال من النظم العلمانية العميلة إلى النظم الإسلامية التابعة التى تحافظ على المصالح الأمريكية والغربية. وتكون مستعدة لتشذيب المبادئ الإسلامية وشتى التعاليم الإلهية فى القرآن والسنة -والعياذ بالله- بما يتناسب مع ذلك، كإعطاء آيات الجهاد إجازة، وتنصيب المرأة على منابر المساجد وعلى المآذن لتصدح بالآذان وتؤم الرجال وتصطف معهم فى كل صلاة، وتتخفف من الحجاب، ومن القواعد الصارمة فى الزواج والطلاق، وأن تتساوى فى الميراث، وأن يعاد تصنيف الخمر ضمن المشروبات الحلال، وإدخال الحديث عن الربا فى خزانة التاريخ. ويُستحسن إدخال تعديل طفيف آخر: وقف العمل بالشريعة الإسلامية؛ لأن هذه يؤذى مشاعر المسيحيين غير الموجودين فى ليبيا والجزائر وبلاد عربية عديدة، والموجودين بنسبة لا تزيد عن 6 أو 7% فى مصر، لكن رغم أن الشريعة لا تؤذيهم فى شىء، بل وقد تفيدهم أكثر من النظم العلمانية، لكن مراعاة للمساواة، لا بد من وقف العمل بالشريعة الإسلامية وتحدى إرادة الله، وأن يدخل أكثر من 80 مليون مصرى مسلم نار جهنم. وهذه أبسط تضحية يقدمونها لإخوتهم فى الوطن، وحفاظا على السلام الاجتماعى، ولو كانت الشريعة لا تهدده، لكن أخذا بالأحوط، يستحسن أن يعصى المسلمون أمر الله ويدخلوا النار، رغم أن البابا الراحل شنودة كان لديه من العزة ما يكفى ليقول إنه لن ينفذ أحكام القضاء إذا تعارضت مع الإنجيل. وقد أيدته ساعتها وقلت: لا نتدخل فى قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين، وليتفاهموا بعضهم مع بعض.
باختصار.. هذه أمثلة للتعديلات «الطفيفة» الأمريكية والغربية التى يقترحونها على النظم الإسلامية الجديدة، ولا أريد التوسع أكثر من ذلك، كحديثهم عن ضرورة إقرار الشذوذ الجنسى، والجنس الحر والآمن، وغيرهما من الأمور «الطفيفة الأخرى» حتى لا أخرج عن الموضوع.
يا لها حقا من ديمقراطية!. إنهم لا يعرفون إلا نموذجا واحدا للحياة، ويريدون أن يفرضونه علينا بالقوة. ومن المشاهد اللطيفة التى حدثت مؤخرا، أن السفيرة الأمريكية استغلت مناسبة عامة وتحرشت برئيس الوزراء المغربى وقبلته قبلة مفاجئة وخاطفة على مرأى من الجميع وأمام الكاميرات.
ورئيس وزراء المغرب هو رئيس حزب العدالة والتنمية الإسلامى الذى يشكل الوزارة الآن. إنهم يريدون أن يفرضوا نمط حياتهم على حياتنا حتى بالتحرش والاغتصاب؛ فلن نكون متحضرين إلا إذا قبل جميع الرجال جميع النساء. ( كان هناك عيد للحب فى روسيا الشيوعية يسمح للرجال بتقبيل النساء فى الشوارع دون سابق معرفة !!).
وفى المقابل، لا أقول إن الإسلاميين سيخضعون لكل هذا الابتزاز؛ لأنها مسألة عقيدة، لكن الإسلاميين المتهافتين على السلطة بأى ثمن يقعون فى مساومات غير مقبولة. والانزلاق إلى الحرام بأى درجة يعرض المؤمن للغرق فى الحرام، وفقا للقانون الربانى (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا). ويختلف التهاون من ساحة إلى أخرى حتى فى إطار حركة الإخوان المسلمين.
وأقول مرة أخرى: هذه لعبة خطرة، وغير مأمونة، بل هى فى الأساس غير شرعية.
نقول إن هذا المخطط الأمريكى الشامل هو الذى يجعل أمريكا تصبر على مرسى، ولا تعطى الضوء الأخضر للانقلاب الكامل عليه، لكنها ترى فى الوقت ذاته أنه يجب أن يوضع باستمرار تحت أعلى درجات الضغط؛ لتمرير خطة الاستئناس والسيطرة. والعجيب أن بعض معارضى مرسى العلمانيين يهاجمون علاقة حكم مرسى بالأمريكان، رغم أنهم أكثر التصاقا بالأمريكان، بل وبعضهم مخترق إسرائيليا، ولا يبدو على وجهه نوع من الحياء.
لكن صبية الإنقاذ -رغم سنهم الكبير- لا يرون كل هذه المعادلة المعقدة، وقد يرونها لكنهم يتعجلون المغانم، وقد يكون الأمريكان يستعملونهم للضغط دون أن يشرحوا لهم كافة التفاصيل والآفاق. وهناك البعد المالى المباشر؛ «فإذا كان العيال يأخذون 16 مليون جنيه، يبقى الكبار بياخدوا كام؟!».
وفى كل الأحوال، أمريكا هى المستفيدة من كل هذا الاستنزاف الداخلى لمصر؛ فإذا كانت مصر لم تعد طيعة فى أيديهم فلتكن دولة فاشلة، ولتكن دولة ملعونة.
وفى هذا الإطار، يظل مخطط الحرائق والاعتداء على المنشآت وقطع الطرق والمواصلات وتهريب البنزين والسولار، وافتعال الإضرابات الفئوية بتواتر «على الفاضى والمليان»؛ يظل كل هذا ضررا صافيا لمصر ولمصالحها العليا؛ فالخلاف مع الإخوان ومع الرئيس لا يبرر هذه الجرائم، خاصة وقد أصبح لدينا آلية للتغيير السلمى عبر الانتخابات.
وفى آخر تجليات هذه المهزلة غير الوطنية، يجرى الاعتداء على المقر العام للإخوان المسلمين؛ وذلك بعد عشرات الاعتداءات على مقار حزب الحرية والعدالة. وحدثت اعتداءات محدودة على أحزاب أخرى؛ منها مقر حزب العمل فى سمنود؛ وذلك على مدار الأسابيع المنصرمة.
ستدخل جبهة الإنقاذ التاريخ من أوسخ الأبواب؛ فهذه الممارسات لم تعرف فى التاريخ المعاصر لمصر منذ عرفت الأحزاب فى أوائل القرن العشرين حتى الآن؛ فتحويل الخصومات السياسية إلى معارك شوارع واقتحامات للمقار وحرقها أو محاصرتها وضربها بالحجارة؛ هذا خروج عن قواعد الديمقراطية، وتخريب للحياة السياسية، وتحويل للعمل السياسى إلى بلطجة وعنف ومليشيات (ثم يعودون ليتهموا الإسلاميين بالمليشيات غير الموجودة أصلا!)، وتدمير الإنجاز الوحيد للثورة: العمل السياسى السلمى والديمقراطى وتداول السلطة ونزاهة الانتخابات وسائر الحريات السياسية؛ فهل يصعب على حزب يتعرض لتلك الممارسة الحقيرة أن يستأجر بألف جنيه بلطجيا لحرق الحزب المنافس أو تكليف أحد أعضاء الحزب بذلك؟! فكيف ستسير الحياة السياسية هكذا؟! إنها معادلة يخسر فيها الجميع، لكن الذى لا يحرص على الوطن ولا يخاف الله لا يهمه مصير الوطن ولا سرعة الانتهاء من المرحلة الانتقالية، ولا يهمه إتلاف الممتلكات ولا موت البشر.
والوقاحة والسخافة والتآمر تتضح بأن القصة تتحول إلى اتهام الإخوان والشرطة بالاعتداء على المعتدين. من حقى أن أقتحم عليك بيتك، وإذا قاومتنى أو استعنت بالشرطة تصبح أنت المجرم!. نحن نرى إعلام الفتنة يمارس هذه الحقارة فى الأكاذيب. وهذا أسلوب المجرمين المحترفين فى «تلقيح الجتت»، وإصابة نفسه واتهام الآخرين بإصابته.. أسلوب المرأة السيئة السمعة التى تطعن أهل الحارة فى شرفهم بالصوت العالى معتمدة على سلاطة لسانها. إعلام الغلوشة (خذوهم بالصوت) أو (الكثرة تغلب الشجاعة) (عدد القنوات والصحف التى حوّلت الاعتداء على مقر الإخوان إلى جريمة ارتكبها الإخوان كان أكثر من عدد الصحف والقنوات المنصفة للحقيقة).
المشكلة أن هذا نمط متكرر فى كافة الأحداث، لكننى أركز اليوم على مسألة الاعتداء على مقرات الأحزاب؛ لأنها تضرب الممارسة الديمقراطية فى الصميم، وتخرب الحياة السياسية. وتنتهى بذلك حكاية مقارعة الحجة بالحجة، والاحتكام إلى الجماهير، وعقد المؤتمرات وتنظيم المسيرات السلمية باعتبار هذه موضة قديمة؛ لأننا الآن فى زمن الملوتوف وقلة الحياء والأدب، والوقاحة والألفاظ البذيئة.
من المفيد فعلًا أن يتعلم مرسى من تجربة الهند
كيف اعتمدت الهند على نفسها لتصبح الاقتصاد الرابع فى العالم خلال 15 سنة؟
بناء الهند بأيدى الهنود واقتحام أعلى مستويات التكنولوجيا
الهند وصلت إلى القمر وتستعد للمريخ.. ونحن مشغولون بتوافه الأمور
نقلت وسائل الإعلام أن الرئيس مرسى صرح، خلال زيارته إلى الهند، بأنه سيتعلم من تجربة الهند. وهذا أمر مبشر إذا أُخذ على محمل الجد لا الدبلومسية. فى الخمسينيات كانت الهند وراءنا تكنولوجيا واجتماعيا واقتصاديا. والآن الهند تتربع على المركز الرابع بين اقتصادات العالم، وتتجه بسرعة الصاروخ لتسبق اليابان (الثالث الحالى). ومن المتوقع أن تكون الصين الأول والهند الثانى خلال عقدين من الزمان. كنت أريد مواصلة الحديث عن النهضة اليابانية، لكن بمناسبة زيارة الرئيس إلى الهند ننتقل إليها، وإن كان الموضوع واحدا فى كل الأحوال: التنمية الناجحة هى التنمية المستقلة التى تعتمد على سواعد أبنائها، ولا تعتمد على القروض والمنح والاستثمار الأجنبى.
وقد مرت الهند بمراحل شتى منذ استقلالها عام 1947، لكنها لم تتحول إلى الانطلاق السريع إلا فى المراحل التى اعتمدت فيها على نفسها، خاصة فى العقدين الماضيين. انطلاقة الهند تعتمد على مبدئين أساسيين: الاعتماد على الذات + العلم والصناعة هما قاطرة التنمية؛ لذلك فإن الاعتماد على القروض والاستثمار الأجنبى غير المخطط هو الذى أضاع مصر فى عهد مبارك، وهذا ما نرفض استمراره فى عهد مرسى. الاستثمار فى البشر هو الأهم إطلاقا فى عملية التنمية، وهذا لا يعنى فحسب تطوير التعليم وانتظار النتائج بعد عشرات السنين، لكن استثمار ما تحقق فى البلاد من خبرات وكفاءات عبر السنوات الماضية، سواء داخل البلاد أو من خلال المصريين فى الخارج. واعتماد الهند على البرمجيات (صناعة المعلومات) ليس بدعة؛ فهذا ما فعلته (وذكرت ذلك فى مقالات سابقة بلاد مثل ماليزيا– فنلندا– أيرلندا على سبيل المثال).
وضعت الحكومة الهندية مقولة (بناء الهند بأيدى الهنود) شعارا لمبادرتها الوطنية، كما وضعت عبارة: «تكنولوجيا المعلومات للجميع فى عام 2008» شعارا لحملتها الوطنية لإقرار السياسة الوطنية لتكنولوجيا المعلومات التى اعتمدتها الحكومة رسميا عام 1998؛ فقد استفادت الهند من القوة البشرية الهندية المتعلمة ومن ميزة إجادة الهنود اللغة الإنجليزية، فوجهت مبادرتها باتجاه إنشاء صناعة برمجيات هندية قوية، ورغم عدم إهمال الشركات العاملة فى مجال التجهيزات الحاسوبية، إلا أن جهد الدعم الأساسى ظل مركزا على صناعة البرمجيات، وبالدرجة الأولى علىتصديرالبرمجيات.
مزايا صناعة البرمجيات الهندية
يتمتع قطاع البرمجيات الهندى بمزايا عديدة سمحت له بالنمو بقفزات سريعة:
ميزة الموقع الجغرافى:
قد لا يبدو الموقع الجغرافى ميزة جوهرية فى عالم صناعة البرمجيات، ورغم ذلك فقد استطاعت الهند أن تستفيد من موقعها الجغرافى الذى يتفوق على غيره من البلدان؛ ذلك أن التوقيت الهندى يختلف عن توقيت الولايات المتحدة بـ12 ساعة. ومن المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية أكبر سوق عالمية للبرمجيات. وقد سمحت هذه الميزة للشركات الأمريكية بتأسيس فروع لها فى الهند أو بإبرام عقود مع شركات هندية؛ ما ساهم فى جعل مشروعاتها البرمجية تعمل على مدار الساعة. إن فرق 12 ساعة فى التوقيت ميزة كبيرة سمحت بعمل مستمر فى المشروعات البرمجية.
القوى البشرية:
يقول الاقتصاديون الهنود: «إذا كان لدى بلدان الشرق الأوسط البترول، فإن لدينا رجال تكنولوجيا البرمجيات»، وفعلا تستفيد الهند كثيرا من هذه النقطة؛ فهى تمتلك ثانى أضخم مجموعة فى العالم من القوى العاملة المتخصصة تكنولوجيا التى تتقن اللغة الإنجليزية، ولا يسبق الهند فى هذا المجال سوى الولايات المتحدة الأمريكية، وللهند أفضلية على هذه الأخيرة، بسبب انخفاض الكلفة كما هو معروف للجميع.
لقد بدأت صناعة البرمجيات فى الهند فى منتصف الثمانينيات، وكان لديها فى عام 1985، 6800 مختصا بالبرمجيات، وخلال 12 سنة استطاعت الهند أن تحقق قفزة فى عدد المبرمجين ليصل عام 1997 إلى 160 ألف مبرمج وفى عام 2000 إلى 340 ألف مبرمجا.
إن حجم الطلب العالمى على المبرمجين يصل إلى مليونى مبرمج فى اليابان والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، وتستطيع الهند أن توفر 60 ألف مبرمج كل عام، وبذلك يمكن للهند أن تساهم فى الاستجابة للطلب العالمى، بالاستفادة من الخريجين الهنود فى الكليات التقنية والمعاهد الخاصة، وكذلك من خريجى الشركات نفسها؛ إذ إن معظم الشركات الهندية لديها برامج تعليم وتدريب خاص ضمن الشركة.
كلفة منخفضة:
ينسب النمو الهندى القوى فى صناعة البرمجيات سابقا إلى الكلفة المنخفضة للمبرمجين الهنود؛ فقد كان المبرمجون الهنود يتقاضون ما يعادل 15-20% فقط مما يتقاضاه نظراؤهم فى البلدان المتقدمة.
وإذا أجرينا مقارنة بالبلدان المنافسة للهند سنجد أن المبرمجين الهنود كانوا يتقاضون أقل الأجور؛ كل ذلك منح الشركات الهندية فرصة تحديد مستوى منخفض لتسعير المشروعات البرمجية.
وتجدر الإشارة إلى أن ميزة (الكلفة المنخفضة) تعرضت لتآكل كبير عبر عقد من الزمن 1990 – 2000؛ ذلك أن عددا متزايدا من المبرمجين الهنود يحصلون على أجور عالية تكافئ المعايير العالمية. ورغم ذلك فإن الهند لا تزال توفر (بمقياس: الكلفة - الجودة)، فرصة جيدة وقيمة حقيقية مهمة للمال المستثمر فى مجال البرمجيات.
عدم ترحيل التكنولوجية العتيقة:
كان من حسن حظ الهند أنها دخلت عالم صناعة البرمجيات فى وقت متأخر نسبيا (أواسط الثمانينيات)؛ فعلى عكس البلدان الأوروبية واليابان التى اضطرت إلى تجديد شامل لتجهيزاتها وبرمجياتها، لم تتحمل الهند كلفة مثل هذا التجديد ومن المهم أن نذكر أن عددا قليلا جدا من الشركات الهندية اضطر إلى الاستثمار فى جيل ثانٍ من التجهيزات؛ ذلك أن الشركات الهندية بدأت بالاستثمار بجدية فى منتصف الثمانينيات، وقد ترافقت هذه الفترة مع بداية انتشار الحاسوب الشخصى (PC) فى الغرب، ومنذ ذلك الحين أصبحت تجهيزات الحواسيب الشخصية وبرمجياتها القطاع الأسرع تطورا على المستوى العالمى؛ ما سمح للهند بأن تمتطى موجة النمو. ويجب أن نتعلم من ذلك أننا نبدأ من حيث انتهى الآخرون، وهذا يوفر كثيرا من الزمن والجهد للحاق بالذين سبقونا.
ارتفاع مستوى الخبرة الاختصاصية:
تخرج الجامعات الهندية والمعاهد الخاصة عشرات الآلاف من المتخصصين سنويا، وقد استوعبت الشركات الهندية هذه الكوادر ودربتها عبر إنجاز المشروعات البرمجية؛ فقد بنت هذه الشركات فى العقد الماضى (التسعينيات) خبرة جيدة فى منصات برمجية متنوعة، وقد نفذت برمجيات مختلفة بدءا من النظم القانونية وحتى النظم البرمجية المتطورة.
ثقافة مهنية عالية فى مجال الإدارة:
تتميز الهند بوجود عدد كبير من المدارس العليا للأعمال والإدارة، وبوجود كوادر مختصة ذات مستوى رفيع يطابق المعايير الغربية، كما أن الثقافة الهندية عموما فى مجال الاقتصاد والإدارة مشابهة لمثيلتها فى البلدان الغربية والدول المتطورة؛ ما يسهل على الشركات الأجنبية تطبيق فكرة تأسيس فروع لها فى الهند، أو المضى فى التعاقد مع شركات هندية لتنفيذ مشروعات محددة.
إطار عمل تنظيمى ملائم:
تتمتع صناعة البرمجيات الهندية بحرية غير مقيدة، لتصريف أعمالها بأفضل الطرق الممكنة، وبالوسائل التى تراها مناسبة، كما أن الحكومة تشجع صناعة البرمجيات من خلال منح مكافآت مالية للمصدرين. وثمة إجراءات مختلفة لدفع وتدعيم هذه الصناعة.
رجال التكنولوجيا والأعمال الهنود - الأمريكيون:
أسس رجال الأعمال الأمريكيون من أصل هندى رابطة للتشبيك والتعاون فى الولايات المتحدة الأمريكية (TiE)، وتضم هذه الرابطة أكثر من 600 خبير وإدارى وممول ومدير مشروعات ممن يعملون تحديدا فى قطاع تكنولوجيا المعلومات، وهنالك عدد كبير منهم ممن يعملون فى وادى السليكون.
وقد لعبت هذه الرابطة للهنود – الأمريكيين دورا مزدوجا فى ارتباط هؤلاء فيما بينهم أولا، وارتباطهم جميعهم بالوطن الأم، مقدمين المساعدة والنصح والإرشاد وساعين إلى أداء دور المساعدة فى تطوير العلاقات بين صناعة البرمجيات الأمريكية ومثيلتها الهندية، كما أن هذه الرابطة لم تكتفِ بدور الإرشاد والنصح، بل ساهمت أيضاً فى تأسيس أكثر من 30 شركة هندية بتمويل من رجال الأعمال المغتربين.
آخر إحصاء لصادرات الهند من البرمجيات وحدها تقول إنها صدرت بـ46 مليار دولار عام 2008.
ولم يتحقق هذا النمو بفضل تشجيع الحكومة فقط، بل ساهم القطاع الخاص أيضا فى استثمار رءوس أموال ضخمة لتهيئة البيئة المناسبة لنجاح المبادرة الوطنية الهندية؛ فمثلا تستثمر شركة «وينتك» للحاسبات فى مجال التدريب والتطوير، وقد استثمرت رءوس أموال جديدة لفتح 300 مركز تدريب جديد فى الهند خلال عام 2000 عبر البلاد، وتستوعب هذه المراكز ما لا يقل عن 50 ألف طالب.
التمويل الحكومى:
الحكومة الهندية هى التى خططت لهذه المبادرة، وقد دعمتها بالتمويل المباشر بقروض ميسرة، وغير المباشر بتمويل حدائق تكنولوجيا البرمجيات، وحدائق تكنولوجيا التجهيزات الإلكترونية، وأشكال تنظيمية أخرى تقدم التسهيلات للحصول على كل شىء: مساحة طابقية – تجهيزات – اتصالات - خدمات استشارية إرشادية - قروض ميسرة... إلخ، كما أن التمويل غير المباشر يشمل الإعفاءات من ضريبة الدخل ومن الرسوم الجمركية وضريبة المبيعات المركزية... إلخ بجانب إقرار دفع مكافأة تشجيعية لعمليات التصدير.
كما يشمل التمويل غير المباشر، عملية التعليم التى وظفت فيها الدولة استثمارات ضخمة للوصول إلى رقم 60 ألف خريج هندى اختصاصى فى تكنولوجيا المعلومات، وبذلك وفرت الحكومة الهندية القوة البشرية اللازمة للانطلاق بهذا المشروع الضخم، وكل فقرة مما ذكرناه يحتاج إلى استثمارات كبيرة، وبحاجة إلى قرار إستراتيجى.
لقد منحت الحكومة الهندية الأولوية الأولى لمشروع النهوض بقطاع تكنولوجيا المعلومات، وكان العمل يجرى على التوازى فى الميادين التنظيمية والقانونية والاقتصادية والتعليمية؛ لذلك كان لا بد من وضع هذه الخطة الإستراتيجية تحت إشراف القيادة الحكومية الأولى فى الهند، وفعلا ألحقت هذه المبادرة الإستراتيجية برئاسة الوزراء الهندية مباشرة، وكان رئيس الوزراء يفتتح دائما نشر الخطط المتتالية فى هذا المجال بدعوة شخصية منه يوضح فيها هدف هذه الخطة. وفى 22/5/1998 أعلن رئيس الوزراء الهندى عن مبادرته قائلا: «سنجعل من الهند، خلال عشر سنوات، قوة عظمى لتكنولوجيا المعلومات، وأحد أكبر المنتجين والمصدرين فى عالم البرمجيات».
وتحقيقا لهذا الهدف، وضعت الهند سياسة تكنولوجيا المعلومات بفضل تعاون كبار الاختصاصيين الهنود من المغتربين والمقيمين داخل الهند. وقد نشرت مسودة وثيقة سياسة تكنولوجيا المعلومات على الإنترنت وطلب من جميع الاختصاصيين أن يدلوا برأيهم، وقد شكل رئيس الوزراء قسما ملحقا بمكتبه مباشرة يشرف على الحملة الوطنية لإنجاز سياسة تكنولوجيا المعلومات الهندية، وتحت شعار «المعلوماتية للجميع فى عام 2008»، ولقد نُشرت سياسة تكنولوجيا المعلومات الهندية عام 1998.
وتجدر بنا الإشارة إلى أن الحكومة أصدرت أمرا بتخصيص ما نسبته 1-3% من ميزانية كل وزارة أو مديرية أو مؤسسة عامة، لتطبيق تكنولوجيا المعلومات فى المؤسسات (تجهيزات – برمجيات – تدريب). ولا شك أن هذا القرار يشكل تمويلا مهما لشركات تكنولوجيا المعلومات الهندية، ويخلق لها سوقا واسعة لبيع منتجاتها.
********
هذه المعلومات مقتبسة فى أغلبها من دراسة للدكتور بشار عباس. وهى تؤكد أن المبادئ الأساسية للتنمية التى أشرنا إليها يوم الجمعة الماضى متحققة فيها:
دور الدولة فى التنمية - تنمية متمحورة حول الذات، وهى لا تستبعد التعامل مع الخارج، ولكن الاعتماد على الذات هو الأساس - القفزة الكبرى إلى الأمام فى لحظة محددة - التنمية لا تعتمد على الاقتصاد بالمعنى الضيق، بل التنمية عملية مركبة تعتمد على الثقافة والتعليم وشحذ الهمم وإثارة الروح الوطنية... إلخ – لا بد من وجود قاطرة للتنمية، وقد وجدت الهند وغيرها فى الصناعات الإلكترونية (التكنولوجيا الفائقة) ضالتها المنشودة. وتجد فى لغة وزراء الحكومة الحالية هشام قنديل الحديث عن المشروعات متناهية الصغر، توزيع أراضى على الشباب، انتظار شركة أجنبية ما هنا أو هناك، وهى لغة المجموعة الاقتصادية لحكومة نظيف؛ فهل يتعلم د. مرسى حقا من تجربة الهند خلال زيارته القصيرة؟ أتمنى ذلك من كل قلبى.
ملاحظة: الهند أرسلت منذ سنوات مركبتين إلى القمر حفرتا وبحثتا عليه، وتستعد لإرسال مركبة إلى المريخ، وهى من أكبر الدول فى إرسال الأقمار الصناعية إلى الفضاء لها وللغير. ومعروف أنها دولة نووية رغم أنف معاهدة حظر الانتشار النووى. ونحن مشغولون بتوافه الأمور
مجدى أحمد حسين
magdyahmedhussein@gmail.com.
9/13/2019, 11:30 من طرف Sanae
» المهندسين خ
7/1/2015, 04:18 من طرف زائر
» المهندسين خ
7/1/2015, 04:13 من طرف زائر
» تليفونات برنامج صبايا الخير بقناة النهار
6/27/2015, 09:30 من طرف زائر
» طلب مساعده عاجل
6/21/2015, 14:28 من طرف fatim fatima
» اغاثه
6/17/2015, 10:03 من طرف زائر
» موضوع مهم جدا وأرجو ألا تغفلوا عنه وأرجو ابتواصل
6/17/2015, 09:59 من طرف زائر
» موضوع مهم جدا وأرجو ألا تغفلوا عنه وأرجو ابتواصل
6/17/2015, 09:56 من طرف زائر