الأمانة

الأمانة
المقصود بالأمانة:
للأمانة معانٍ متعددة فمن هذه المعاني:
1ـ أن يرد الرجل المال أو المتاع أو غيرهما إلى من ائتمنه عليه، لأنه حفيظ على هذا الشئ راع له، ليس من حقه أن يتصرف فيه، فإذا أراد صاحب المتاع أو الأشياء استردادها سارع بردها إليه، وقد أمر الله عز وجل بهذا النوع في قوله:
(18)
2ـ كتمان السر، وإخلاص المشورة للمستشير وصدق التبليغ فيما كلف الشخص أن يبلغه، فالذي يستودعك سرًا واثق بك، مطمئن إلى كتمانك، فأنت على سره أبين ومأمون، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم هذا النوع في قوله :
(23)
ومن ذلك علاقة الزوج بزوجته فهي من أعظم الأمانة فعن أبي سعيد :
(24)
3ـ أمانة المسئولية فمن تولى مسئولية فعليه أن يجتهد فيها، ليحقق مصالح رعيته، دون تقصير أو إهمال وإلا كان جزاؤه الحرمان من الجنة، فعن أبي المليح :
(28)
4ـ أمانة التدين، والقيام بالفرائض، وتطبيق شرع الله عز وجل، وقد ذكرها الله سبحانه وتعالى في قوله:
(26)
ما جاء في مدح الأمانة:
لقد مدح القرآن المؤمنين في سورة (المؤمنون) بعدة صفات منها: الأمانة، فقال:
(22)
وقد استثناها الرسول صلى الله عليه وسلم من كل أحكام الجاهلية وأعرافها التي أهدرها فعن ابن أبي حاتم :
(17)
وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم التاجر الأمين الصدوق، من الذين يحتسب لهم أجر الشهادة..
وقد نبه الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إلى أنها أول ما يفقده المسلمون فقال:
(16)
وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تضييع الأمانة من علامات الساعة، فعن أبي هريرة قال:
(15)
ويصف لنا الرسول صلى الله عليه وسلم كيفية نزعها من القلوب وكيف تصير حال الناس بعدها فعن حذيفة قال:
(27)
قيمة الأمانة في المجتمع:
إن المجتمع الذي تضيع فيه الأمانة يفقد الإنسان فيه سكينته وطمأنينته، ويعيش قلقًا مضطربًا يخشى على نفسه وماله من اللصوص ومن الشرطة معًا، إنه مجتمع كله متهم في كل لحظة في عين كل فرد يعيش فيه.. من هنا ينهش الناس بعضهم بعضًا، ويتحولون بالتدريج إلى خائنين خوفًا من أن تسبق إليهم خيانة الآخرين. وانتشار الأمانة في المجتمع بعد بثها في النفوس كفيل بالقضاء على هذه الظواهر.. قمين إشاعة السكينة والطمأنينة في النفوس..
مواقف من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم:
لقد حاز الرسول صلى الله عليه وسلم الأمانة بجميع أنواعها، وفي أعلى درجاتها، وليس أدل على ذلك مما روته السيدة عائشة :
(16)***
فمن يصدق أن المشركين الذين كانوا يكذبون الرسول صلى الله عليه وسلم في الظاهر، ويؤذونه، ويعذبون أصحابه، يضعون عنده أماناتهم ليحفظها لهم ؟
إنهم لم يجدوا أحدًا أشد منه أمانة صلى الله عليه وسلم ليحفظ أموالهم وصدق الله العظيم
"فإنهم لا يكذبونك ولكنّ الظالمين بآيات الله يجحدون"
ومن هذه الأمانات مفاتيح الكعبة التي ردّها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن طلحة، وكانت سبب نزول قوله تعالى:
(18)***
كما كان من أمانته صلى الله عليه وسلم أن يسرع بتوزيع كل ما يأتيه من أموال على المسلمين فعن عقبة بن الحارث..
كما كان حريصًا على ألا يصيب شيئًا لا يحل له، فهو صلى الله عليه وسلم لا تجوز له الصدقة ولا لآل بيته، فعن أنس:
(20)
هذا عن النوع الأول من الأمانة:
ومن الأمانة في النوع الثاني، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أمينًا إذا أشار على أحد برأي، ومن أجمل المواقف ما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه :
(25)
وقد عاش الرسول صلى الله عليه وسلم ومات عن تسع زوجات ولم يفش سِرَّ واحدة منهن مرةً قط، ضاربًا المثل في أمانته مع نسائه..
ومن النوع الثالث: أمانة المسئولية حرصه صلى الله عليه وسلم على اختيار الأكفاء في الولايات والأعمال، فلم يكن يجامل أحدًا من أصحابه بتوليته عملاً من أعمال المسلمين بل يختار الأفضل ويصارح من لا يصلح بهذا ـ إن طالب الولاية ـ فعن أبي ذر قال:
(4)
وذلك رغم فضل أبي ذررضي الله عنه، وسبقه إلى الإسلام، وجهاده في دعوة قومه من (غفار) وجارتهم (أسلم)، ورغم ما مدحه به الرسول صلى الله عليه وسلم فعن عبد الله بن عمرو قال:
(4)***
كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحاسب عماله وولاته، ليحفظ عليهم دينهم أولاً، ثمّ ليحفظ على المسلمين دنياهم ومصالحهم ثانيًا، وعن أبي حميد الساعدي قال:
(1)
فالرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن هذه الهدية رشوة، وأنه لا ينبغي لأمير أو وال أو عامل على جمع الصدقات أو أي صاحب منصب، أن يقبل هدية من لم يعتد أن يهاديه قبل توليه منصبه، لذا وقف يعلم الناس حتى لا يستسهلوا ذلك الخطأ..
أمّا عن النوع الرابع من الأمانة وهو أمانة الدين وأداء الفرائض والطاعات والبعد عن المعاصي، فقد كان صلى الله عليه وسلم حريصًا على تبليغ الدين، وحفظه فكان إذا جاءه الوحي بالقرآن يحرك لسانه يكرر الآيات خشية أن ينساه فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
(9)
وظل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينشر الدين، ويدعو الناس، ويصبر على أذاهم، ويذهب إلى الطائف، ويرجع ثم يهاجر إلى المدينة ثم يبدأ في حرب قريش فالغرب فالروم وهو في كل ذلك كثير العبادة من صلاة وصيام، وإنفاق فكان صلى الله عليه وسلم مثالاً لحمل أمانة الدين والقيام بها خير قيام.
مواقف الصحابة :
1ـ كان الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يحمل ديون أبيه، ويكفل أخواته الستَّ، فكان حريصًا على أداء تلك الأمانة، ولا يهمه أن يحصل من ثمار أبيه شيئًا إذا كان سيوفي بديونه، فعنه رضي الله عنه:
(3)
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال:
(12)
فكان أمينا حتى قبل إسلامه صار أمينًا علىالقرآن بعد إسلامه.
كما كان أبو هريرة رضي الله عنه أمينًا على السنة النبوية فقد أسلم متأخرًا، وقدم على الرسول صلى الله عليه وسلم سنة سبع من الهجرة، فعمل على تعويض ما فاته من صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم فلازمه ليحفظ سنته، ولم يعمل أو يتاجر فعنه رضي الله عنه قال:
(14)
وكان الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه كاتمًا لسرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، اختصه الرسول بأسماء المنافقين، وأمره ألا يخبر أحدًا، فحفظ الأمانة وأدّاها، فعن صلة بن زفر قال:
(29)
تطبيقات عملية:
من التطبيقات العملية التي تحتاج إلى الأمانة في حياتنا اليوم:
1ـ أسرار البيوت والأسر حتى لا تصبح الأسرار مكشوفة، وتسمح بتدخل أطراف ضر أكثر مما تنفع، وتلوك الألسنة أخبار هذا البيت أو ذلك..
2ـ نقل الأحاديث والوقائع التي يجوز نقلها دون زيادة أو نقصان يخل بالمعلومة، ودون إضافة الآراء الشخصية إلى أقوال الآخرين..
3ـ تقييم الأشخاص سواء في مجال العمل من أجل الترقيات والمكافآت ولثواب ولعقاب بصفة عامة، أو في مجال الحياة الخاصة كالمصاهرة..
4ـ حفظ الأمانات المالية والعينية، وكتابة الوثائق التي تثبت الحقوق لأصحابها..
ومن التطبيقات العملية الموجودة بالفعل:
1ـ خزائن البنوك المخصصة لحفظ الأمانات المادية والعينية، حيث أنها وسيلة حديثة تستخدم عندما تخرب الذمم..
2ـ وجود المجالس النيابية التي من المفروض أن تقوم بالرقابة على السلطة التنفيذية، لضمان أداء أمانة المسئولية..
3ـ قيام حركات إسلامية تعمل للتمكين لدين الله عز وجل في الأرض، وذلك قيامًا بأمانة الدين..
نصائح نبوية عملية للتحلي بالأمانة:
1ـ الأمر بكتابة الوصية إذا وجد ما يوصي فيه: عن عبد الله بن عمر :
(30)
2ـ الحرص في أداء الشهادة وأن تكون عن رؤية واضحة فعن ابن عباس:
(31)
3ـ الإحسان في الاستعدادللعبادة، لأداء أمانة الطاعة فعن شبيب بن أبي روح..
(32)