[img][/img]
لا حديث يشغل الرأي العام في مصر الآن سوي الخاص بثروة مبارك وأسرته ومماليك عصره.. ولا رغبة ملحة أكثر من البحث عن اجابات شافية وقاطعة تبعث للارتياح، عن أكثر الأسئلة التي تبدو ملحة ومتكررة بصيغ وأطروحات مختلفة.. هل ستعود الثروات المنهوبة للشعب مرة أخري؟ الجميع علي مختلف اتجاهاتهم وأعمارهم من العامة أوالنخبة المهمومة بالشأن العام يتابعون ما يجري من تحقيقات ويترقبون إطلالة المسئولين بالتصريحات التي تخرج يوميا لمعرفة المزيد عن حجم الثروات التي ذهبت الي جيوب أهل الحظوة، ممن اختزلوا حجم الوطن بثرواته ومؤسساته في شكل اقطاعية، أو مجموعة من العزب الخاصة يمرحون فيها كيفما شاءوا ومتي أرادوا دون مراقبة وإن وجدت الرقابة فدون مساءلة.
من بين الذين حولوا الوطن وثرواته الي اقطاعية للمجاملات أسرة مبارك نجلاه جمال وعلاء وزوجته وأصهاره فأتاح لهم جميعا قربهم من دائرة صناعة القرار، التأثير في مجريات الأحداث السياسية، وتحقيق أكبر قدر من المكاسب الاقتصادية والحصول علي الثروات والأموال بطرق تظل تفاصيلها غير معلومة لغياب الشفافية، ويسرلهم ما يملكونه من نفوذ إخراج هذه الثروات بطرق وأساليب تفوق قدرة منظمات »المافيا« للنجاة من رقابة السلطات المعنية بالمراقبة وتتبع مصادر الثروات.
نفوذ الأسرة الحاكمة لم يعد خافيا علي أحد، والسلطة التي كانت لدي جمال من الناحية السياسية بلغت الي حد الأمر والنهي، كما أن نفوذه وشقيقه علي حد سواء في أسواق المال وعالم الاقتصاد يثير الريبة ويفتح الشهية للبحث في خبايا وأسرار علاقاتهما المتشابكة في مجال البيزنس داخليا وخارجيا، خاصة جمال الذي كان يحدد ملامح الخريطة الاقتصادية، من خلال نفوذه اللا محدود علي مجريات صناعة القرار، بتعيين الوزراء وتكليفهم بمهام وسياسات فتح مجملها الباب علي مصراعيه للعمولات وانتشار الرشاوي وتحقيق الثروات المبالغ فيها.. سلطات جمال أتاحت له معرفة الأسرار وتوقعات المكسب والخسارة في الأنشطة الاقتصادية والاستثمارات في البورصة.
ما جري مؤخرا من تسريب لحجم الثروات المملوكة لأسرة الرئيس زوجته سوزان ثابت ونجليها والأحفاد والأصهار، يدفع للتأمل كثيرا لانتقاء الاتهامات فما كان يعلنه جمال مبارك في وسائل الإعلام، من خلال التصريحات المغلفة بمساع مشكوك فيها لتعظيم الأوضاع الاقتصادية من خلال رئاسته لأمانة السياسات بالحزب الذي كان يحكم، يدفع للحيرة والمزيد من التأمل في تلك الأسرة، فالواقع يختلف تماما عن »البوروباجندا« والتصريحات التي كان يصدع بها رؤوسنا ليل نهار. فما كان يجري في الخفاء مثير ومجمله عمليات تهريب للأموال والثروات بطرق مريبة الي عدة دول لديها سمعة سيئة في »تبييض« الأموال القذرة أو مجهولة المصدر، والناتجة في أغلب الأحوال عن صفقات مشبوهة أو عمولات تخليص المصالح وتسهيل الحصول علي المنافع.
تحت أيدينا ملفات ضخمة عن استثمارات تتجاوز مئات المليارات من الدولارات فهذه الملفات تحتوي علي خريطة توزيعها علي عدد من الدول وكيفية خروجها من مصر جهارا نهارا.. وتكشف أيضا عن النوايا المبيتة سلفا لتحقيق الثروات التي تفوق ميزانيات عدة دول من بينها مصر المنهوبة طبعا.
أوراق تلك الملفات تتضمن استثمارات كل من علاء وجمال نجلي الرئيس السابق وتفوح منها رائحة كريهة تشي بأن تدمير الاقتصاد وتهريب الثروات حزمة متقنة لها أساليبها وخرائطها المثيرة للدهشة. فلو لم يكن هناك عزم وتدبير احترافي لاستغلال النفوذ ما كان لنجلي الرئيس ومعهما شخصيات بارزة ولامعة في مجال البيزنس إخراج الثروات والأموال لاستثمارها في الخارج وذلك في الوقت الذي تقدم فيه الدولة كافة التسهيلات لتشجيع الاستثمار الداخلي وجذب الخارجي وهو ما يذهب بنا للإشارة بأن تلك الأموال التي وردت في صورة أسهم وشركات تبدو غير معلومة المصدر، دخلت جميعها كاستثمارات في عدة دول »اليونان ـ قبرص ـ بريطانيا ـ بنما ـ الولايات المتحدة الأمريكية«.
أما الأسلوب الذي جري اتباعه في تأسيس تلك الشركات يفوق القدرة علي الملاحقة، فكل شركة تلد منها عدة شركات والشركات الأخري تتداخل مع غيرها بصورة معقدة تبدو عصية علي الفهم لكن التقليب في الأوراق يكشف عن الأسلوب الذي جري اتباعه في تأسيس هذه الشركات وطريقة خروج الأموال والثروات.
التفاصيل المحيطة بالأوراق غاية في الإثارة فهي تشير الي أن الأموال كانت تخرج من مصر بعدة طرق جزء منها يخرج كتحويلات من المصرف المتحد، الي سلطنة عمان والجزء الأكبر في حقائب علي الطائرات الخاصة، واليخوت في البحر الأحمر، ومن »عمان« الي اليونان وفي اليونان يتم تأسيس شركات قانونية معنية بأعمال الوكالة والمحاماة وكل محام في اليونان حسب النظام فيها هو رجل أعمال داخل الشركة يقوم بإجراءات أعمال البيزنس وعلي أساس هذه الطريقة تشكلت دائرة شائكة ومعقدة من الشركات المتداخلة فيما بينها عن طريق شراء الأسهم.
الشبكة الموجودة في اليونان مكونة من مجموعات »عرب ـ مصريين ـ أوروبيين« وهي عبارة عن عدد من الشركات القانونية التي تقوم بشراء الأسهم والأوراق المالية والعقارات بالتداخل مع شركات أخري في قبرص.
ولم يكن اختيار قبرص عشوائيا فهي لم توقع علي أي اتفاقيات لمنع غسيل الأموال، أو تسليم المحكوم عليهم، أو رد الأموال. وعلي خلفية الإجراءات التي سبقت تقوم الشركات الموجودة في قبرص، بتحويل الأموال الي »بنما« وتوجيه الأسهم الي شركات أخري تم تأسيسها في »بنما« ومنها الي الولايات المتحدة الأمريكية ثم بريطانيا لشراء العقارات والمصانع وأسهم الشركات.
المغزي من هذه الإجراءات المعقدة ليس لها وصف سوي احتراف السرقة وتهريب الأموال عبر شركات القانون التي لا توجد عليها أي علامات استفهام في أوروبا وهي تضم في مساهماتها عدة بنوك للإمعان في التضليل ويفوق نشاطها المتداخل أسلوب »المافيا«. نحن إذن أمام شبكة عنكبوتية حسب الملفات التي بذلنا جهدا في ترجمتها بدأت منذ أن كان جمال مبارك يعمل في بنك »أوف أمريكا« بلندن ومنحه هذا العمل خبرة واسعة في كيفية استثمار الأموال، وإبعادالشبهات عن أصحابها بإقامة سياج من السرية والتعتيم لكن هذا لم يمنع من ظهور اسما علاء وجمال نجلي الرئيس، الي جانب أسماء أخري لامعة في نشاط المال والأعمال مثل إبراهيم كامل ومحمد البردعي ممثل بنك مصر.
امتد نشاط البيزنس الواسع عن طريق تداخل الاستثمارات من عرب وأجانب في تلك الشبكة فقد كشفت الأوراق عن شراكة مع رنا زين العابدين التي تنتمي الي أسرة الرئيس التونسي السابق، وهذه السيدة لديها جنسية قبرصية. وعلي رأس هؤلاء الأردني وليد كابا الذي يحمل الجنسية البريطانية وهو اللغز المحير.
البداية كانت تأسيس نواة الشبكة وهي شركة »بوليون« للاستثمارات المالية وأدارها وليد كابا صديق جمال الذي تعرف عليه في لندن أثناء عمل الأخير في بنك »أوف أمريكا« ثم تداخلت بوليون مع شركة أخري خارج نطاق الرقابة »أوف شور« إحداها يطلق عليها »بان ورلد« للاستثمارات وهكذا تتم عمليات التداخل والتشابك بغرض التضليل.
إن تلال المعلومات والوثائق لم تتوقف عند كشف المزيد من الثروات المنهوبة التي جري استثمارها في مجالات مختلفة في أوروبا، فقد دخلت مساهمات نجلي الرئيس وإبراهيم كامل في أنشطة فنية وموسيقية وأنشئت مجموعة من الشركات لهذا الغرض بتاريخ 2005/7/5 مع مستثمرين من جنسيات مختلفة بولندية وأخري برتغالية مثل »أولڤيرا« ويونانية مثل »لوڤاج جورجيت« وتتواصل التفاصيل الي تأسيس شركة »إيچيبت تراس« وتعني »مصر الثقة« وهي إحدي شركات صناديق الاستثمار والمال ففي أوراق إجراءات تأسيس الشركة لا يوجد ما يوحي بأن جمال مبارك شريك أو يملك أي حصص فيها، وهذه الشركة تأسست في 2001/10/23 برقم 67534/526/32 لوكسمبرج. وأعضاء مجلس المديرين فيها إبراهيم كامل و»مايكل بيكيت« ممثل نادي لندن الدولي، و»مايكل ثابت« وحافظ الغندور، ثم جمال مبارك، الذي ظهر اسمه لأول مرة. ويضم مجلس الإدارة شاكر ألبرت خياط وأحمد منير البردعي عن بنك مصر، ومصر أمريكا الدولي.
هذه الأسماء برمتها ظهرت علي الأوراق في 14 يناير 2005 وهذه الشركة أنشئت في جزر الكاريبي، والأسهم المملوكة لها تخص شركة أخري يملكها جمال مبارك اسمها »حورس« للاستثمارات في الأوراق المالية، ودخلت هذه الشركة في مساهمات لدي »هيرمس« في مصر.
إذا كان هذا عن جمال مبارك، فإن الأمر لا يختلف كثيراً بالنسبة لشقيقه علاء. فهو لم يكن بعيدا عن النشاط العنكبوتي، فكشفت الأوراق الموجودة بحوزتنا أن ظهور علاء كان مقروناً بأنه مدير بالشركة إلي جانب آخرين سعيد شماسي سوري، ووليد كابا وسقراطوس سولوميدس »قبرصي«. وعزت جارا وبكري السعدي كويتي. وكان ذلك منذ عام 1996 وكانت تتم عمليات بيع وهمية بأسماء صورية حتي لا يتم معرفة الأصحاب الحقيقيين لأصحاب الأسهم وهو نوع من عمليات »غسيل الأموال«.
ففي الاجتماع السنوي الذي عقد في لوكسمبرج بتاريخ 1997/8/3، الساعة الرابعة مساء، كما هو مدون في المحضر. »أشار إلي أن الهدف الاستثماري للشركة هو تحقيق الاستثمارات في الأجل المتوسط والطويل. نحو رأس المال من خلال توجيه الاستثمارات في أسهم الشركات المدرجة في البورصة المصرية. ويهدف ذلك للاستفادة من التقييمات المنخفضة للاستفادة منها علي المدي القصير بتحقيق أرباح عالية متاحة حالياً في السوق المصري«.
إن هذا الأسلوب، لا يمكن له أن يتحقق إلا بمعرفة تامة بأسرار السوق، أتيحت لنجلي الرئيس السابق، لتحقيق أكبر قدر من الأرباح علي حساب نشاط البورصة. واستفاد من ذلك إبراهيم كامل وآخرون، متورطون في الشبكة العنكبوتية التي خرجت في صورة شركات، من رحم إجراءات قانونية متقنة وقادرة علي الإفلات.
لم تتوقف مساهمات جمال وعلاء مبارك عند الأسلوب الغامض في شراء الشركات والأسهم، وإعادة استثمارها، بشراء المصانع والعقارات، فهناك مساهمات للشقيقين علاء وجمال في »هيرمس« المتخصصة في الاستثمارات المالية، والمتشعب نشاطها في أوروبا خاصة قبرص. وكذلك »هيرمس« المصرية التي تدخل استثماراتها في أنشطة متعددة بداية من توريد الأغذية والخدمات الجوية، وليس نهاية بالدخول في صفقات البترول.
وللوصول إلي جوانب أخري من الحقيقة التي ظلت غامضة طيلة بقاء مبارك في الحكم، وتنامي نفوذ نجله الذي كان مثيراً للجدل، فهناك ضرورة تبدو مهمة للغاية، للبحث في تفاصيل قصة النشأة الاقتصادية لنجل الرئيس، والمقصود بها بداياته في البيزنس.
جمال الذي كان يتم إعداده لتولي عرش الحكم في مصر، كان قد أنهي علاقته بالعمل في بنك »أوف أمريكا« منذ عام 1990، ومنذ ذلك التاريخ دخل جمال سوق المال، وكان كنزاً ثميناً للعديد من أصدقائه في أوروبا، وداخل مصر، فالجميع كان يتطلع لتوثيق العلاقة معه، فهي وحدها كافية لأن تفتح الخزائن داخل البنوك دون ضمانات وتحقيق أكبر قدر من المنافع.
أسس جمال شركة »ميد إنفنست« عام 1996 مع اثنين من أصدقائه، وكانت هي البداية في الانطلاق داخل أسواق المال والأعمال، كما أن الشركة كانت النواة الأولي التي زرعها نجل الرئيس في حقل الأعمال الذي لا حدود له فمن منشأته الأولي دخل مع صديقه »وليد كابا« مساهماً في الشركة اللغز »بوليون«، التي توسع نشاطها علي خلفية دخول جمال مبارك صاحب العلاقات والاتصالات الدولية، من خلال سفرياته المتعددة إلي بعض الدول الكبري، والتي كان يحصل فيها علي موافقات بصفقات ضمنت له تعظيم ثرواته وأسهمه في »بونيون«، كما أن الشركة ذاتها اتسع نشاطها بشراكة بقية أسرة مبارك الحاكمة في مصر، التي ارتبطت بدورها في شراكات أخري مع عدد من الأسر الحاكمة في دول الخليج، خاصة السعودية وقطر.
فدخلت »بونيون« كمساهم رئيسي في شركة »ماك« القطرية، العاملة في نشاط الاستثمار العقاري والمقاولات في عدد من الدول الخليجية والقاهرة ومدريد ولندن، وساهمت »بونيون« أيضاً - التي يشارك فيها جمال وعلاء مبارك - في شركات مصرية بأكواد سرية غير معلوم أصحابها مثل شركات منصور والمغربي وبالم هيلز بالإضافة إلي الكثير من المساهمات الأخري.
إن طريقة خروج تلك الأموال واستثمارها في شركات متداخلة، يفتح الباب علي مصراعيه بأن ما كان يجري في مصر ليس شأناً سياسياً، يحاول جمال صناعته ولكنه استثمار للوجود في دائرة صنع القرار لتحقيق الكثير من المآرب وتوسيع الأنشطة المتعددة، وإبعاد دخول عائداتها من الأموال إلي مصر.
لكن من أين لجمال وعلاء وبقية أسرة الرئيس السابق تلك المليارات المرعبة في أرقامها؟
قطعاً ستظل الإجابة تائهة إلي أن تتحرك الجهات الحكومية والقضائية للتحقيق والمبادرة بالمطالبة بإعادة هذه الأموال.
إن الوصول إلي تفاصيل الخريطة المتشابكة، وتحديد ملامحها بدقة، يحتاج لتدخل أجهزة مختصة بالتحري أو تكليف شركات تمارس هذا النشاط في البلدان الأوروبية، فما تحتويه الملفات من وقائع، دفعنا للبحث عن المزيد وإجراء اتصالات بالعديد من المصادر وثيقة الإطلاع علي ما يجري من أساليب في أسواق المال الغربية، خاصة دولتي اليونان وقبرص، وأفادت تلك المصادر بأن العمليات القذرة لتهريب الأموال، يحيط بها العديد من الأساليب المبتكرة، التي تتورط فيها شخصيات أخري غير علاء وجمال مبارك، هذه الشخصيات لها باع طويل في العلاقات مع العصابات الدولية المنظمة »المافيا«، سواء عن طريق عقد صفقات تجارة السلاح والحصول علي العمولات الضخمة، وليس بالضرورة أن تكون تلك التجارة لصالح مصر، فربما تكون لصالح منظمات وجماعات انفصالية، فحصيلة أرقام هذا النوع من النشاط القذر بلغ أرقاماً ضخمة، واللجوء أحياناً لتلك العصابات بغرض تهريب الأموال والعملات الصعبة، يتم في الغالب بالحصول علي نسبة 40٪ من حجم المبالغ، أم أن هناك شخصيات أخري تلعب دوراً كنوع من المجاملات عن طريق العلاقات بحكومات معظمها عربية، يتيح فرصة دخول الأموال وإعادة تصديرها وتحويلها عن طريق البنوك وربما تكون حالة خروج هذه الأموال الخاصة بعدد من رجال البيزنس في مصر تنطبق عليها الحالة الأخيرة.
لكن في النهاية ليس أمامنا سوي القول.. بأن مصر كانت محكومة من عصابة احترفت النهب واتبعت أساليب العصابات الدولية، في تهريب ما جري نهبه بصورة تبدو غامضة، لكن كل المؤشرات تذهب إلي أنها عمولات عن تخليص مصالح، أو إتاوات مفروضة علي رجال البيزنس في الأنشطة الثقيلة وهي جميعها أموال قذرة.
لا حديث يشغل الرأي العام في مصر الآن سوي الخاص بثروة مبارك وأسرته ومماليك عصره.. ولا رغبة ملحة أكثر من البحث عن اجابات شافية وقاطعة تبعث للارتياح، عن أكثر الأسئلة التي تبدو ملحة ومتكررة بصيغ وأطروحات مختلفة.. هل ستعود الثروات المنهوبة للشعب مرة أخري؟ الجميع علي مختلف اتجاهاتهم وأعمارهم من العامة أوالنخبة المهمومة بالشأن العام يتابعون ما يجري من تحقيقات ويترقبون إطلالة المسئولين بالتصريحات التي تخرج يوميا لمعرفة المزيد عن حجم الثروات التي ذهبت الي جيوب أهل الحظوة، ممن اختزلوا حجم الوطن بثرواته ومؤسساته في شكل اقطاعية، أو مجموعة من العزب الخاصة يمرحون فيها كيفما شاءوا ومتي أرادوا دون مراقبة وإن وجدت الرقابة فدون مساءلة.
من بين الذين حولوا الوطن وثرواته الي اقطاعية للمجاملات أسرة مبارك نجلاه جمال وعلاء وزوجته وأصهاره فأتاح لهم جميعا قربهم من دائرة صناعة القرار، التأثير في مجريات الأحداث السياسية، وتحقيق أكبر قدر من المكاسب الاقتصادية والحصول علي الثروات والأموال بطرق تظل تفاصيلها غير معلومة لغياب الشفافية، ويسرلهم ما يملكونه من نفوذ إخراج هذه الثروات بطرق وأساليب تفوق قدرة منظمات »المافيا« للنجاة من رقابة السلطات المعنية بالمراقبة وتتبع مصادر الثروات.
نفوذ الأسرة الحاكمة لم يعد خافيا علي أحد، والسلطة التي كانت لدي جمال من الناحية السياسية بلغت الي حد الأمر والنهي، كما أن نفوذه وشقيقه علي حد سواء في أسواق المال وعالم الاقتصاد يثير الريبة ويفتح الشهية للبحث في خبايا وأسرار علاقاتهما المتشابكة في مجال البيزنس داخليا وخارجيا، خاصة جمال الذي كان يحدد ملامح الخريطة الاقتصادية، من خلال نفوذه اللا محدود علي مجريات صناعة القرار، بتعيين الوزراء وتكليفهم بمهام وسياسات فتح مجملها الباب علي مصراعيه للعمولات وانتشار الرشاوي وتحقيق الثروات المبالغ فيها.. سلطات جمال أتاحت له معرفة الأسرار وتوقعات المكسب والخسارة في الأنشطة الاقتصادية والاستثمارات في البورصة.
ما جري مؤخرا من تسريب لحجم الثروات المملوكة لأسرة الرئيس زوجته سوزان ثابت ونجليها والأحفاد والأصهار، يدفع للتأمل كثيرا لانتقاء الاتهامات فما كان يعلنه جمال مبارك في وسائل الإعلام، من خلال التصريحات المغلفة بمساع مشكوك فيها لتعظيم الأوضاع الاقتصادية من خلال رئاسته لأمانة السياسات بالحزب الذي كان يحكم، يدفع للحيرة والمزيد من التأمل في تلك الأسرة، فالواقع يختلف تماما عن »البوروباجندا« والتصريحات التي كان يصدع بها رؤوسنا ليل نهار. فما كان يجري في الخفاء مثير ومجمله عمليات تهريب للأموال والثروات بطرق مريبة الي عدة دول لديها سمعة سيئة في »تبييض« الأموال القذرة أو مجهولة المصدر، والناتجة في أغلب الأحوال عن صفقات مشبوهة أو عمولات تخليص المصالح وتسهيل الحصول علي المنافع.
تحت أيدينا ملفات ضخمة عن استثمارات تتجاوز مئات المليارات من الدولارات فهذه الملفات تحتوي علي خريطة توزيعها علي عدد من الدول وكيفية خروجها من مصر جهارا نهارا.. وتكشف أيضا عن النوايا المبيتة سلفا لتحقيق الثروات التي تفوق ميزانيات عدة دول من بينها مصر المنهوبة طبعا.
أوراق تلك الملفات تتضمن استثمارات كل من علاء وجمال نجلي الرئيس السابق وتفوح منها رائحة كريهة تشي بأن تدمير الاقتصاد وتهريب الثروات حزمة متقنة لها أساليبها وخرائطها المثيرة للدهشة. فلو لم يكن هناك عزم وتدبير احترافي لاستغلال النفوذ ما كان لنجلي الرئيس ومعهما شخصيات بارزة ولامعة في مجال البيزنس إخراج الثروات والأموال لاستثمارها في الخارج وذلك في الوقت الذي تقدم فيه الدولة كافة التسهيلات لتشجيع الاستثمار الداخلي وجذب الخارجي وهو ما يذهب بنا للإشارة بأن تلك الأموال التي وردت في صورة أسهم وشركات تبدو غير معلومة المصدر، دخلت جميعها كاستثمارات في عدة دول »اليونان ـ قبرص ـ بريطانيا ـ بنما ـ الولايات المتحدة الأمريكية«.
أما الأسلوب الذي جري اتباعه في تأسيس تلك الشركات يفوق القدرة علي الملاحقة، فكل شركة تلد منها عدة شركات والشركات الأخري تتداخل مع غيرها بصورة معقدة تبدو عصية علي الفهم لكن التقليب في الأوراق يكشف عن الأسلوب الذي جري اتباعه في تأسيس هذه الشركات وطريقة خروج الأموال والثروات.
التفاصيل المحيطة بالأوراق غاية في الإثارة فهي تشير الي أن الأموال كانت تخرج من مصر بعدة طرق جزء منها يخرج كتحويلات من المصرف المتحد، الي سلطنة عمان والجزء الأكبر في حقائب علي الطائرات الخاصة، واليخوت في البحر الأحمر، ومن »عمان« الي اليونان وفي اليونان يتم تأسيس شركات قانونية معنية بأعمال الوكالة والمحاماة وكل محام في اليونان حسب النظام فيها هو رجل أعمال داخل الشركة يقوم بإجراءات أعمال البيزنس وعلي أساس هذه الطريقة تشكلت دائرة شائكة ومعقدة من الشركات المتداخلة فيما بينها عن طريق شراء الأسهم.
الشبكة الموجودة في اليونان مكونة من مجموعات »عرب ـ مصريين ـ أوروبيين« وهي عبارة عن عدد من الشركات القانونية التي تقوم بشراء الأسهم والأوراق المالية والعقارات بالتداخل مع شركات أخري في قبرص.
ولم يكن اختيار قبرص عشوائيا فهي لم توقع علي أي اتفاقيات لمنع غسيل الأموال، أو تسليم المحكوم عليهم، أو رد الأموال. وعلي خلفية الإجراءات التي سبقت تقوم الشركات الموجودة في قبرص، بتحويل الأموال الي »بنما« وتوجيه الأسهم الي شركات أخري تم تأسيسها في »بنما« ومنها الي الولايات المتحدة الأمريكية ثم بريطانيا لشراء العقارات والمصانع وأسهم الشركات.
المغزي من هذه الإجراءات المعقدة ليس لها وصف سوي احتراف السرقة وتهريب الأموال عبر شركات القانون التي لا توجد عليها أي علامات استفهام في أوروبا وهي تضم في مساهماتها عدة بنوك للإمعان في التضليل ويفوق نشاطها المتداخل أسلوب »المافيا«. نحن إذن أمام شبكة عنكبوتية حسب الملفات التي بذلنا جهدا في ترجمتها بدأت منذ أن كان جمال مبارك يعمل في بنك »أوف أمريكا« بلندن ومنحه هذا العمل خبرة واسعة في كيفية استثمار الأموال، وإبعادالشبهات عن أصحابها بإقامة سياج من السرية والتعتيم لكن هذا لم يمنع من ظهور اسما علاء وجمال نجلي الرئيس، الي جانب أسماء أخري لامعة في نشاط المال والأعمال مثل إبراهيم كامل ومحمد البردعي ممثل بنك مصر.
امتد نشاط البيزنس الواسع عن طريق تداخل الاستثمارات من عرب وأجانب في تلك الشبكة فقد كشفت الأوراق عن شراكة مع رنا زين العابدين التي تنتمي الي أسرة الرئيس التونسي السابق، وهذه السيدة لديها جنسية قبرصية. وعلي رأس هؤلاء الأردني وليد كابا الذي يحمل الجنسية البريطانية وهو اللغز المحير.
البداية كانت تأسيس نواة الشبكة وهي شركة »بوليون« للاستثمارات المالية وأدارها وليد كابا صديق جمال الذي تعرف عليه في لندن أثناء عمل الأخير في بنك »أوف أمريكا« ثم تداخلت بوليون مع شركة أخري خارج نطاق الرقابة »أوف شور« إحداها يطلق عليها »بان ورلد« للاستثمارات وهكذا تتم عمليات التداخل والتشابك بغرض التضليل.
إن تلال المعلومات والوثائق لم تتوقف عند كشف المزيد من الثروات المنهوبة التي جري استثمارها في مجالات مختلفة في أوروبا، فقد دخلت مساهمات نجلي الرئيس وإبراهيم كامل في أنشطة فنية وموسيقية وأنشئت مجموعة من الشركات لهذا الغرض بتاريخ 2005/7/5 مع مستثمرين من جنسيات مختلفة بولندية وأخري برتغالية مثل »أولڤيرا« ويونانية مثل »لوڤاج جورجيت« وتتواصل التفاصيل الي تأسيس شركة »إيچيبت تراس« وتعني »مصر الثقة« وهي إحدي شركات صناديق الاستثمار والمال ففي أوراق إجراءات تأسيس الشركة لا يوجد ما يوحي بأن جمال مبارك شريك أو يملك أي حصص فيها، وهذه الشركة تأسست في 2001/10/23 برقم 67534/526/32 لوكسمبرج. وأعضاء مجلس المديرين فيها إبراهيم كامل و»مايكل بيكيت« ممثل نادي لندن الدولي، و»مايكل ثابت« وحافظ الغندور، ثم جمال مبارك، الذي ظهر اسمه لأول مرة. ويضم مجلس الإدارة شاكر ألبرت خياط وأحمد منير البردعي عن بنك مصر، ومصر أمريكا الدولي.
هذه الأسماء برمتها ظهرت علي الأوراق في 14 يناير 2005 وهذه الشركة أنشئت في جزر الكاريبي، والأسهم المملوكة لها تخص شركة أخري يملكها جمال مبارك اسمها »حورس« للاستثمارات في الأوراق المالية، ودخلت هذه الشركة في مساهمات لدي »هيرمس« في مصر.
إذا كان هذا عن جمال مبارك، فإن الأمر لا يختلف كثيراً بالنسبة لشقيقه علاء. فهو لم يكن بعيدا عن النشاط العنكبوتي، فكشفت الأوراق الموجودة بحوزتنا أن ظهور علاء كان مقروناً بأنه مدير بالشركة إلي جانب آخرين سعيد شماسي سوري، ووليد كابا وسقراطوس سولوميدس »قبرصي«. وعزت جارا وبكري السعدي كويتي. وكان ذلك منذ عام 1996 وكانت تتم عمليات بيع وهمية بأسماء صورية حتي لا يتم معرفة الأصحاب الحقيقيين لأصحاب الأسهم وهو نوع من عمليات »غسيل الأموال«.
ففي الاجتماع السنوي الذي عقد في لوكسمبرج بتاريخ 1997/8/3، الساعة الرابعة مساء، كما هو مدون في المحضر. »أشار إلي أن الهدف الاستثماري للشركة هو تحقيق الاستثمارات في الأجل المتوسط والطويل. نحو رأس المال من خلال توجيه الاستثمارات في أسهم الشركات المدرجة في البورصة المصرية. ويهدف ذلك للاستفادة من التقييمات المنخفضة للاستفادة منها علي المدي القصير بتحقيق أرباح عالية متاحة حالياً في السوق المصري«.
إن هذا الأسلوب، لا يمكن له أن يتحقق إلا بمعرفة تامة بأسرار السوق، أتيحت لنجلي الرئيس السابق، لتحقيق أكبر قدر من الأرباح علي حساب نشاط البورصة. واستفاد من ذلك إبراهيم كامل وآخرون، متورطون في الشبكة العنكبوتية التي خرجت في صورة شركات، من رحم إجراءات قانونية متقنة وقادرة علي الإفلات.
لم تتوقف مساهمات جمال وعلاء مبارك عند الأسلوب الغامض في شراء الشركات والأسهم، وإعادة استثمارها، بشراء المصانع والعقارات، فهناك مساهمات للشقيقين علاء وجمال في »هيرمس« المتخصصة في الاستثمارات المالية، والمتشعب نشاطها في أوروبا خاصة قبرص. وكذلك »هيرمس« المصرية التي تدخل استثماراتها في أنشطة متعددة بداية من توريد الأغذية والخدمات الجوية، وليس نهاية بالدخول في صفقات البترول.
وللوصول إلي جوانب أخري من الحقيقة التي ظلت غامضة طيلة بقاء مبارك في الحكم، وتنامي نفوذ نجله الذي كان مثيراً للجدل، فهناك ضرورة تبدو مهمة للغاية، للبحث في تفاصيل قصة النشأة الاقتصادية لنجل الرئيس، والمقصود بها بداياته في البيزنس.
جمال الذي كان يتم إعداده لتولي عرش الحكم في مصر، كان قد أنهي علاقته بالعمل في بنك »أوف أمريكا« منذ عام 1990، ومنذ ذلك التاريخ دخل جمال سوق المال، وكان كنزاً ثميناً للعديد من أصدقائه في أوروبا، وداخل مصر، فالجميع كان يتطلع لتوثيق العلاقة معه، فهي وحدها كافية لأن تفتح الخزائن داخل البنوك دون ضمانات وتحقيق أكبر قدر من المنافع.
أسس جمال شركة »ميد إنفنست« عام 1996 مع اثنين من أصدقائه، وكانت هي البداية في الانطلاق داخل أسواق المال والأعمال، كما أن الشركة كانت النواة الأولي التي زرعها نجل الرئيس في حقل الأعمال الذي لا حدود له فمن منشأته الأولي دخل مع صديقه »وليد كابا« مساهماً في الشركة اللغز »بوليون«، التي توسع نشاطها علي خلفية دخول جمال مبارك صاحب العلاقات والاتصالات الدولية، من خلال سفرياته المتعددة إلي بعض الدول الكبري، والتي كان يحصل فيها علي موافقات بصفقات ضمنت له تعظيم ثرواته وأسهمه في »بونيون«، كما أن الشركة ذاتها اتسع نشاطها بشراكة بقية أسرة مبارك الحاكمة في مصر، التي ارتبطت بدورها في شراكات أخري مع عدد من الأسر الحاكمة في دول الخليج، خاصة السعودية وقطر.
فدخلت »بونيون« كمساهم رئيسي في شركة »ماك« القطرية، العاملة في نشاط الاستثمار العقاري والمقاولات في عدد من الدول الخليجية والقاهرة ومدريد ولندن، وساهمت »بونيون« أيضاً - التي يشارك فيها جمال وعلاء مبارك - في شركات مصرية بأكواد سرية غير معلوم أصحابها مثل شركات منصور والمغربي وبالم هيلز بالإضافة إلي الكثير من المساهمات الأخري.
إن طريقة خروج تلك الأموال واستثمارها في شركات متداخلة، يفتح الباب علي مصراعيه بأن ما كان يجري في مصر ليس شأناً سياسياً، يحاول جمال صناعته ولكنه استثمار للوجود في دائرة صنع القرار لتحقيق الكثير من المآرب وتوسيع الأنشطة المتعددة، وإبعاد دخول عائداتها من الأموال إلي مصر.
لكن من أين لجمال وعلاء وبقية أسرة الرئيس السابق تلك المليارات المرعبة في أرقامها؟
قطعاً ستظل الإجابة تائهة إلي أن تتحرك الجهات الحكومية والقضائية للتحقيق والمبادرة بالمطالبة بإعادة هذه الأموال.
إن الوصول إلي تفاصيل الخريطة المتشابكة، وتحديد ملامحها بدقة، يحتاج لتدخل أجهزة مختصة بالتحري أو تكليف شركات تمارس هذا النشاط في البلدان الأوروبية، فما تحتويه الملفات من وقائع، دفعنا للبحث عن المزيد وإجراء اتصالات بالعديد من المصادر وثيقة الإطلاع علي ما يجري من أساليب في أسواق المال الغربية، خاصة دولتي اليونان وقبرص، وأفادت تلك المصادر بأن العمليات القذرة لتهريب الأموال، يحيط بها العديد من الأساليب المبتكرة، التي تتورط فيها شخصيات أخري غير علاء وجمال مبارك، هذه الشخصيات لها باع طويل في العلاقات مع العصابات الدولية المنظمة »المافيا«، سواء عن طريق عقد صفقات تجارة السلاح والحصول علي العمولات الضخمة، وليس بالضرورة أن تكون تلك التجارة لصالح مصر، فربما تكون لصالح منظمات وجماعات انفصالية، فحصيلة أرقام هذا النوع من النشاط القذر بلغ أرقاماً ضخمة، واللجوء أحياناً لتلك العصابات بغرض تهريب الأموال والعملات الصعبة، يتم في الغالب بالحصول علي نسبة 40٪ من حجم المبالغ، أم أن هناك شخصيات أخري تلعب دوراً كنوع من المجاملات عن طريق العلاقات بحكومات معظمها عربية، يتيح فرصة دخول الأموال وإعادة تصديرها وتحويلها عن طريق البنوك وربما تكون حالة خروج هذه الأموال الخاصة بعدد من رجال البيزنس في مصر تنطبق عليها الحالة الأخيرة.
لكن في النهاية ليس أمامنا سوي القول.. بأن مصر كانت محكومة من عصابة احترفت النهب واتبعت أساليب العصابات الدولية، في تهريب ما جري نهبه بصورة تبدو غامضة، لكن كل المؤشرات تذهب إلي أنها عمولات عن تخليص مصالح، أو إتاوات مفروضة علي رجال البيزنس في الأنشطة الثقيلة وهي جميعها أموال قذرة.
9/13/2019, 11:30 من طرف Sanae
» المهندسين خ
7/1/2015, 04:18 من طرف زائر
» المهندسين خ
7/1/2015, 04:13 من طرف زائر
» تليفونات برنامج صبايا الخير بقناة النهار
6/27/2015, 09:30 من طرف زائر
» طلب مساعده عاجل
6/21/2015, 14:28 من طرف fatim fatima
» اغاثه
6/17/2015, 10:03 من طرف زائر
» موضوع مهم جدا وأرجو ألا تغفلوا عنه وأرجو ابتواصل
6/17/2015, 09:59 من طرف زائر
» موضوع مهم جدا وأرجو ألا تغفلوا عنه وأرجو ابتواصل
6/17/2015, 09:56 من طرف زائر