عقوق الوالدين

الحمد لله معز من أطاعه ومذل من عصاه لا إله إلا هو الذي وفق أهل طاعته للعمل بما يرضاه وحقق على أهل معصيته ما قدره وقضاه
أحمده سبحانه على حلو نعمه ومر بلواه وأشهد أن لا إله ألا الله وحده لا شريك له ولا رب لنا سواه ولا نعبد إلا إياه وهو الذي في السماء أله وفي الأرض إله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي كمل به عقد النبوة فطوبى لمن والاه وتولاه اللهم صلي على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا في الله حق جهاده وكان هداهم تبعاً لهداه وسلم تسليماً كثيرا
أما بعد:
فيا عباد الله اتقوا الله حق التقوى فبالتقوى كل شيء يقوى {ومن يتقي الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا}ثم أعلموا أن الدنيا لا تخلوا من بليه ولا تصفوا من رزية ولا تعدم من المكدرات

فيا لهف نفس تعذبت من نفسها يا له من كسر لا يجبر وجرح نازف لا يندمل وعذاب ملازم لا يحتمل وحسرة تفتت القلب فتا وتنحت الفؤاد نحتا حزن يتجدد كل زمان ولوعة تعصف في القلب في كل أوان ونكتة سوداء في القلب لا تمحوها الأيام وليس من ذاق كمن سمع وليس الخبر كالعيان لقد عظم الخطب وأشتد الأمر وزاد العذاب وتعددت ألوان التعذيب أتدرون من من. إنَّها من بعض الأبناء كم من كلمة من الأبناء جارحة قرًّحت محاجر الآباء ليهطل الدمع الغزير الذي لا حد له بل ربَّ إشارة خفيفة أو حركة جلية من الأبناء أوقدت في القلب جمرة ثم استدرَّت من الآباء دمعة وصدق الله يوم أخبرنا أن بعض الأبناء فتنة والبعض منهم عدوا ولسان حال الآباء مادام في الروح جروح الأحزان تنطق وتنوح والآلام تنزف وتفوح
أحقاً أيها الأبناء أحقاً يصدر منكم هذا العذاب أحقاً يا فلذات الأكباد أما سمعتم نداء الآباء وهم يقولون لكم أنت زينةً في الرخاء وعدَّةً في البلاء وعليكم تتعلق الآمال وبكم تتوارث الأجيال أنتم حشاشة الكبد وحبة القلب وثمرة الفؤاد وريحانة العمر لا تحلوا الحياة إلا بكم ولا يطيب العيش إلا معكم وضحكاتكم تزيل الهموم و ابتساماتكم تبدد الغموم ورضاكم يذهب الأكدار ولكن ما الذًّي جرى لكم أقسة قلوبكم هل تغير الزمان هل رددتم الحق هل قبلتم الباطل والظلم

إن دام هذا يا مسلمون ولم يحدث له غِيرٌ لم يبك بيت ولم يفرح بمولود هذه صور من عذاب الأبناء لآبائهم ذرفت منها العيون وسالت منها الدموع إليكم موجزها :
إنها دمعات ساخنة أم كبيره رمى بها ولدها قرب النفايات وتركها وحدها ودمعة أم أخرى ضربها ولدها وطردها من بيتها ودمعة أم زاد مرضها بسبب ولدها وفي دار المسنين كانت نهايتها ودمعة أبٍ ضعيف قتله ولده بالرصاصة فأصبح كالميتة حينما لاقت حتفها ودمعة أب ضربه ولده لأنه أمره بالصلاة في وقتها هذه الدموع موجز من تفاصيلها تنكأ جراح في قلوب الوالدين تسبل دموع وعبرات آه لام عاشت تفاصيل أخبارها وآه لأب تألم بدقة أحداثها (وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17)
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18)
وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19)


لا إله إلا الله ما أقسى الجحود وأسوأ النكران آباء يبذلون ويمنحون وأبناء يحرمون وآباء يضحكون بما يقدرون وبما لا يقدرون وأبناء يبخلون بما يملكون ويمنعون آباء أحاسيسهم مرهفة ومشاعرهم فياضة وعواطفهم متوقدة وأيديهم بالخير ممتدة وأبناء قلوبهم أقسى من الحجر وألفاظهم أحر من الجمر وألسنتهم أحد من السيف وأخلاقهم أغلظ من الحديد يقلبون الحسنة بالسيئة