تائب فى بيت الله الحرام

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد.. فهذه قصة حقيقية لتائب قابلته في بيت الله الحرام أبكاني كثيراً وأبكى كل من قابله وعرف قصته من المعتكفين...
تبدأ القصة بشاب يمني يصلي بجواري وقد تعدى الثلاثين من عمره ، على وجهه علامات الانكسار وبينما نحن في الصلاة إذ به ينهمر في البكاء ، وبعد انتهاء الصلاة قال لي : أتسمح لي في أن أبقى في هذا المكان باقي العشر من رمضان لأني معتكف ، ولا أجد مكان 0 فقلت له: تفضل . ما أسمك؟ قال : مراد . قلت من أي البلاد أنت؟ قال : من اليمن ، وبينما أنا أحدثه لفت نظري وجود أكثر من وشم على يديه ووجود علامات في وجهه ورأسه نتيجة طعنات سابقة بأسلحة بيضاء. فسألته ما هذا الوشم الذي على يديك؟ قال: كنت ضائع وفعلت كل شيء حرام حتى هداني الله. قلت له أخبرني ما قصتك ؟ قال : لقد كنت أتعاطى المخدرات ، وأتعارك مع الجميع ، لا أعرف إلا أشر الناس ، أفعل كل شيء وأي شيء دون مبالاة بأحد ، أسخر من أصحاب اللحية ، اقضي أيام في الحبس بين الحين والآخر ....
وفي أحد الأيام تعثرت قدمي في صفيح فأصبت بجرح شديد مما أدى إلى قطع أوتار قدمي ، وبعد عمليات أصبحت أسير عليها ولكني أعرج ، هذا الحادث بين لي كم أنا ضعيف فبعد أن كنت قويا فتيا أصبحت ضيفاً أعرجاً.. فقررت الذهاب للعمرة في رمضان وبالفعل حجزت قبله بمدة ، ولكن صحبة السوء وما أدراك ما صحبة السوء تشاكل معي أحدهم وظل يستفزني حتى تعاركنا وأصابني بإصابات شديدة في جسدي ورأسي ، وذهبنا للشرطة وبعد أيام قرروا الإفراج عني..
وهنا الصدمة الكبرى يأتي أبي ويطلب من النيابة ألا تفرج عني للعقوق حاولت أن أخبره أني مظلوم هذه المرة وأني مسافر بعد كم يوم للحرم فلم يسمع لي وتمسك بطلب حبسي...فتذكرت ما فعلته به فلطالما نصحني فنهرته ،وأمرني بالصلاة فما أجبته حتى أني لم أتذكر أني في يوم أطعته كنت أرفع صوتي عليه باستمرار.. يارب كم أنا سيء ولكن هذه المرة أنا صادق. فظلت أصلي في حبسي وأبكي ببن يدي ربي يارب أنت أحن علي من أبي ففرج عني.. أنت تعلم صدقي ..
حتى استدعتني النيابة وأنا أعلم أني لن أخرج من حبسي إلا إذا تنازل أبي فهذا قانون عندنا في اليمن ودخلت على الوكيل وكان يعرفني فقلت له: أنا صادق هذه المرة فأنا بعد غد معاد سفري إلى العمرة ، وكان الغريب أنه أذن لي في الخروج بعدما ضمنني أحد الحضور ، فلم أصدق نفسي كيف خرجت؟ فعلمت أن ربي قد أجاب دعوتي فحمدته .. ثم اتصلت بصهري (زوج أختي) فلم يصدق أني خرجت فقلت له :أنا على باب الحبس أخبر أبي إما أن يسامحني وإما أن أرجع إلى الحبس ولا أخرج حتى يرضى، فقال لي : أذهب له أنت . وبالفعل ذهبت إليه وانتظرت أمام الباب بالساعات حتى أتى. ثم قال لي كيف خرجت فقلت له : أنا ذاهب بعد غد إلى بيت الله الحرام فإن شئت سامحتني وإن شئت رجعت إلى الحبس ولن أخرج حتى ترضى وظللت أبكي فلما رأى بكائي وتغير وجهي أخذني بين ذراعيه وبكى فضممته بقوة وكأني لم أضمه من قبل ، ضممت أبي نعم ضممته وسامحني.... ثم بكى مراد وبكيت معه .
ثم قلت له : صف لي شعورك عندما رأيت الكعبة لأول مرة.
قال : والله أول ما اقتربت من أبواب البيت الحرام لم أكن أصدق أن الله أتى بي إلى هنا وأني سأرى الكعبة ولما رأيتها انتابني شعور غريب وظللت أبكي.. لقد كنت ميتاً فأحياني الله .
قلت له: أخبرني بما تشعر الآن وأنت معتكف في بيت الله الحرام بعد ما كنت كذا وكذا ..
قال : أشعر بسعادة غريبة لدرجة أن نفسي أمسك بميكروفون وأمر على المقاهي والنوادي والمراقص أدعوا الناس إلى الله وأخبرهم عن الله وحلاوة القرب من الله .
ولقد رأيت مراد طوال فترة الأعتكاف منكسراً وعالي الهمة وحسن الخلق و خدوم ومحب للجميع حتى أنه تأثر كثيراً عندما أنتهى الاعتكاف وكلما أتى أحد ليودعه يبكي بكاءًً شديداً ويطلب منه أن يدعوا له بالثبات . وأنا أيضاً أسألكم بالله أن تدعوا له ولي بالثبات ، ولكل ضال بالهداية.