دروس تربوية نبوية -------------------------------------------------------------------------------- د. صالح بن علي أبو عرَّاد الشهري من مواليد عام 1379هـ بتُنومة بني شِهر في المنطقة الجنوبية من المملكة العربية السعودية . ** حصل على بكالوريوس التربية في العلوم ؛ تخصص ( أحياء ) عام 1402هـ من قسم ( علوم الحياة ) بكلية التربية التابعة ( آنذاك ) لفرع جامعة الملك سعود في أبها . * حصل على شهادة الماجستير في التربية من كلية التربية بجامعة ( أوهايو OHIO ) في مدينة ( أثنز Athens ) الأمريكية بتاريخ 1 / 8 / 1408هـ الموافق 19 مارس 1988م . * حصل على شهادة الدكتوراه في ( أصول التربية الإسلامية ) من قسم التربية الإسلامية و المقارنة بكلية التربية في جامعة أم القرى بمكة المكرمة في 2 / 5 / 1421هـ الموافق 2 / 8 / 2000م . * يعمل أستاذا مُساعداً للتربية الإسلامية في قسم التربية وعلم النفس بكلية المعلمين في أبها منذ العام 1421هـ . * عمل عميداً لكلية المعلمين في أبها في الفترة من 1413هـ وحتى 1416هـ . * قام برئاسة قسم التربية وعلم النفس بالكلية لعدة سنوات ولمرتين . * يقوم بإدارة مركز البحوث التربوية في الكلية منذ عام 1421هـ إضافةً إلى التدريس بالقسم . * يراس هيئة تحرير مجلة " حولية كلية المعلمين في أبها " ؛ وهي مجلةٌ مُحَكَّمة يصدرها المركز منذ العام الدراسي 1421هـ ، وقد صدر منها إلى الآن تسعة أعداد . * شارك في كثيرٍ من الندوات والمؤتمرات واللقاءات التربوية داخلياً وخارجياً بأبحاثٍ علميةٍ . * له العديد من الأبحاث والدراسات التربوية العلمية المنشورة في بعض المجلات العلمية في الداخل والخارج . * يهتم بالبحث في التربية الإسلامية عامةً ، والتوجيه الإسلامي للعلوم التربوية ، والتربية النبوية ، وقضايا الفكر التربوي الإسلامي . * كاتب صحفي منذ ما يزيد على ثلاثةٍ وعشرين عاماً ؛ وله مشاركات في عددٌ من الأعمدة الصحفية في بعض الصحف المحلية مثل : ( المدينة ، والندوة ، وعُكاظ )؛ إضافةً إلى المُشاركات الإعلامية ، والمقالات التربوية ، والدعوية ، والاجتماعية ، والتوعوية ؛ إلى جانب بعض التحقيقات المصورة التي يُشارك بها في الصحف والملاحق المحلية ، و المجلات داخل البلاد و خارجها . كما أن له الكثير من المساهمات و المشاركات الإعلامية الإذاعيةً ، والتلفزيونيةً . * له أكثر من خمسة عشر مؤلفاً في التربية الإسلامية ، والتربية العامة ، والثقافة الإسلامية ، والرسائل التوعوية والدعوية ، ومنها : 1-كتاب المبادىء العامة للتربية ( بالاشتراك ) وهو كتابٌ مُقرر . 2- كتاب دروس تربوية نبوية .ط ( 3 ) . 3- كتاب الآداب النبوية التربوية ، ج ( 1 ) . 4- كتيب سُـنن الفطرة و آثارها التربوية . 5- كتيب رسائل تربوية للأسرة المسلمة . 6- كتيب المُعلم ..خصائصه وصفاته الخُلقية ( رؤية إسلامية ) ( بالاشتراك ). 7 - بحث بعنوان من وسائل وأساليب التربية النبوية ضمن مطبوعات كتيب المجلة العربية ، العدد ( 69 ) ، شهر رمضان 1423هـ . 8 - كتاب مقدمة في التربية الإسلامية. وهو كتابٌ مُقرر . 9 - كتاب بعنوان ( من آثار ومنافع العبادات الإسلامية في التربية الجسمية ) - غير مطبوع . 10- كتاب بعنوان ( قراءات في التوجيه الإسلامي للعلوم التربوية ) -غير مطبوع . 11 -مجموعة مطويات تربوية توعوية في موضوعاتٍ مختلفة . 12-له العديد من المشاركات المقالية على شبكة الإنترنت في بعض المواقع مثل : صيد الفوائد ، وشبكة الجواهر الثمينة . ************************************************** *********************** قرأت له كتاب دروس تربوية نبوية وهو كتاب قيم أعدت قراءته قريبا وأتمنى أن يوفقنا الله لنقل تلك الدروس تباعا ففيها من الفوائد ما نحتاجه جميعا -والله الموفق اسم الكتاب : دروس تربوية نبوية . المؤلف : د . صالح بن علي أبو عرّاد تاريخ الصدور : 1426هـ - 2005م . الناشر : دار الزمان للنشر والتوزيع بالمدينة المنورة . الطبعة الثالثة ===== اشتمل الكتاب الذي يقع في ( 221 ) صفحة من الحجم العادي ، على التالي : = تقريظ بقلم فضيلة الشيخ الدكتور / عبد الرحيم الطحان . = تقديم بقلم فضيلة الداعية الشيخ الدكتور / عائض بن عبد الله القرني . = مُقدمة للطبعة الثالثة . = عرضٍ مفصّلٍ لأربعين حديثًا نبويًا مع الدروس التربوية المُستخلصة والمستنبطة من كل حديثٍ . = قراءةٍ نقديةٍ لمادة الكتاب العلمية . الكتاب عبارةٌ عن باقةٍ مُباركةٍ من أحاديث النبي محمدٍ التي بلغ عددها ( 40 ) حديثًا تم عزوها إلى مصادرها مع محاولةٍ لاستخلاص واستنباط بعض ما فيها من الدروس والمضامين التربوية التي تزخر بها هذه الأحاديث المُباركة كمصدرٍ رئيسٍ من مصادر التربية الإسلامية . الكتاب يأتي كغيره من الكتب التربوية الإسلامية التي تُعد خطوةً على طريق التوجيه الإسلامي للعلوم التربوية ، ويتميز بتركيزه على ما يمكن تسميته بالتربية الأخلاقية التي تُعد جماع العملية التربوية بشقيها المعرفي والتطبيقي في ميدان العلاقات المختلفة كالعلاقة التي تربط الإنسان بخالقه العظيم جل في عُلاه ، أو العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان ، أو العلاقة بينه وبين غيره من الكائنات والمخلوقات الأُخرى من حوله . ويتناول الكتاب في مُجمله عرضًا لبعض الآداب والفضائل والسلوكيات التربوية الإسلامية التي يجب أن تقوم التربية بإكسابها لجميع أفراد المجتمع من خلال استلهام القيم التربوية الأصيلة من مصادر تُراثنا الإسلامي التربوي الخالد . وفي نهاية الكتاب تأتي القراء النقدية للعشرين درسًا الأولى وقد كتبها أحد كبار أساتذة التربية المختصين في التربية الإسلامية ، وهو سعادة الأستاذ الدكتور / حسن إبراهيم عبد العال الأستاذ بجامعة طنطا في جمهورية مصر العربية ، وقد اشتملت على أبعادٍ ثلاثة هي : بُعد المنهج في الكتاب ، وبُعد المضمون والمحتوى ، ثم نظرةٌ ناقدة . هذا وقد اشتمل الكتاب في نهايته على قائمةٍ بالمصادر والمراجع التي رجع إليها المؤلف والتي لا شك أنها أثرت المادة العلمية للكتاب الذي يُعد بدوره إضافةً نافعةً وجديدةً للمكتبة التربوية الإسلامية . ((منقول)
أمانة الكلمة
عند المُبدع المُسلم
بقلم الدكتور / صالح بن علي أبو عرَّاد
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين في أبها
إهـــــداء :
= إلى الذين يؤمنون بالله تعالى رباً ،وبالإسلام ديناً ، وبمُحمدٍ r نبياً ورسولاً .
= إلى من يؤمنون برسالة الإنسان المُسلم المُبدع في كل مجالٍ من مجالات الحياة ، وكل فنٍ من فنون الإبداع ، وكل ميدانٍ من ميادين العلم والمعرفة .
= إلى من يحكمون على مُجريات الأمور بعقولهم الواعية ، ويُحاربون الهوى في نفوسهم الضعيفة .
= إلى من قالوا خيراً فغنموا ، أو سكتوا عن شرٍ فسلموا .
= إلى من يؤمنون ويُصدِّقون بقوله تعالى : } وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً {.
أقول : الحمد لله القائل : } مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ { ( سورة قّ : الآية 18 ) . والصلاة والسلام على نبينا ومعلمنا وقائدنا وقدوتنا محمدٍ بن عبد لله الذي صحّ عنه أنه قال : " وهل يكُبُّ الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلاَّ حصائدُ ألسنتهم " ( رواه الترمذي ، الحديث رقم 2616 ، ص 590 ) . أما بعد ؛
فأٌقدِّم - مستعيناً بالله وحده - هذه الكلمات الموجزات حول أمانة الكلمة عند المُبدع المسلم قائلاً :
من العجيب أن نكون محاسبين عندما نسكت ، ولكن الأعجب من ذلك أن نكون محاسبين عندما نتكلم ؛ وما ذلك إلا لأن " الكلمة بما أودع الله فيها من الأسرار والتأثير ، وبما هيأ الله لها من القبول في نفوس البشر ، ذاتُ فعلٍ عظيمٍ وخطير ، قد يبلغ حد السحر ، فتسحر أعين الناس ، وتموه الواقع ، ولاسيما حين تتجلى في معارض التأثير والخصومة ؛ إذ تصور الحق باطلاً والباطل حقاً ، أو تُجعَلُ مطيةً يبلُغُ بها الدعيُّ ، حين يعجز عن ركوبها العيي " ( 1 : 11 ) .
من هنا فإن تعاليم وهدي ديننا الإسلامي الحنيف ، وتعاليم وتوجيهات تربيته الإسلامية توجب علينا أن نُحاسب أنفسنا قبل أن نُحاسب ، وأن نُراقب الله تعالى في كل قولٍ أو عملٍ أو نية ، وأن يكون هدينا في ذلك قوله تعالى : } قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ { ( سورة الأنعام : 162 ) .
ولهذا فقد حث ديننا الإسلامي الحنيف ، ودعت تربيته الإسلامية السامية إلى أن يلتزم الإنسان المُسلم في قوله - على وجه الخصوص - بالهدي الرشيد والقول السديد الذي قال فيه تعالى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً { ( سورة الأحزاب : الآية رقم 70 ) . وأن يحذر من سيء القول وفاحش الكلام تحقيقاً لقوله تعالى : } لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ { ( سورة النساء : من الآية 148 ) .
وما ذلك إلا لعظيم شأن الكلمة التي يقول فيها أحد الكُتّاب : " ستظل الكلمة شمساً تضيء أو ناراً تُحرق .. وهي مصدر هوايةٍ أو غواية ، وأداة هدمٍ أو بناء ، وينبوع سعادةٍ أو شقاء ، ونذير حربٍ أو بشير سلام ، وريح إيمانٍ أو وسوسة شيطان ، ودعوة فضيلةٍ أو إغراءٌ برذيلة " ( 6 : 72 ) .
وإذا كانت الكلمة المنطوقة أو المكتوبة تمثل أهم أدوات الإبداع ، فإن مهمة المبدعُ أياً كان نمط إبداعه أو مجاله أو ميدانه ، أن يجعل من محاولاته الإبداعية وبيانه اللفظي أو الكتابي سحراً حلالاً يدعو إلى الفضيلة ، ويُحذِّر من الرذيلة ، ولاسيما أن " كل أداءٍ [ أو عملٍ أدبيٍ ] تقبله الأذواق السليمة ، ولا ينعكس أثره السيئ على الأخلاق ، ولا يُثير الغرائز الحيوانية ؛ يُعدُ من الأدب المقبول ، وإن لم يكن في خدمة الدين المُباشرة والمُنقطعة " ( 2 : 17 ) .
وما ذلك إلا لأن أمانة الكلمة تفرض على المبدع المسلم أن يكون إبداعه نظيفاً طاهراً زكياً ، لأنه ينطلق من نفسٍ سويةٍ زكيةٍ ، ويُعبِِّر عن مشاعر حيةٍ فياضةٍ زاخرةٍ بكل معاني الحب الصادق ، ويلتقي مع عناصر الفطرة السليمة السوية التي قال فيها الحق تبارك وتعالى :} فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا { ( سورة الروم : من الآية 30 ) .
من هنا فإن على المبدع في أي فنٍ أدبيٍ أن يحمل هم تبليغ الآخرين بالحق ، مع الاحتفاظ بكل مقومات إبداعه الإيجابية الكفيلة بتقويم السلوك الخاطئ ، ومُعالجة الأخطاء المُشاهدة ؛ فإن لم يكن ذلك ممكناً فلا أقل من أن يحذر الإساءة إلى المُتلقي الذي أرعاه سمعه ، وبخاصةٍ أننا مُحاسبون عن كل ما نقوله أو نتلفظ به . وفي هذا الشأن يقول الدكتور / سعد أبو الرضا : " إن الأدب بلاغٌ مثل الرسالة يصدع بها الرسول ، فيجب أداء البلاغ بطريقةٍ لا تتجاوز عقيدةً ولا تُغفلُ سلوكاً إسلامياً " [ نقلاً عن 3 : 33 ] .
وإذا كانت الكلمة كما يقول أحد الباحثين " أمانةٌ قبل أن تكون بياناً ، ولذلك كانت جهاداً كما كانت جمالاً " ( 1 : 11 ) ؛ فقد علّمنا معلم الناس الخير من خلال الكلمة أن نحرص من منطلق الإيمان على المنطق السديد والقول الرشيد ؛ فإن لم يكن ذلك كذلك ، فلا أقل من الصمت مصداقاً لما صحَّ عن أبي هريرة t عن النبي r أنه قال : " .. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت " ( رواه البخاري ، الحديث رقم 6163 ، ص 1069 ) .
وهنا يبرز أثر التربية الإسلامية في هذا الشأن حيث إن النبي الكريم - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم - حثنا في هديه التربوي العظيم على تجنب السيئ من القول ، فإن لم يكن ذلك مُمكناً ؛ فلا أقل من الستر وتجنب المُجاهرة بالمعاصي ؛ وهو ما يؤكده الحديث الصحيح عن سالم بن عبد الله قال : سمعتُ أبا هريرة t يقول : سمعتُ رسول الله r يقول :
" كل أُمتي معافىً إلا المُجاهرين " ( رواه البخاري ، الحديث رقم 6069 ، ص 1059 ) .
والمعنى أن الدين الإسلامي وتربيته الإسلامية تُحمِّل المبدع المسلم شاعراً كان أو قاصاً أو كاتباً أو باحثاً أو مٌترجماً أو ناقداً أو دارساً أو غير ذلك " مسئولية الكلمة التي يكتبها أو ينطقها ، لما لها من أثرٍ في نفوس وتوجهات المُتلقين " ( 5 : 75 ) ؛ فلا كفر ولا فسوق ولا كذب ولا اختلاق ، ولا تبذُل ولا انحلال ، ولا إسفاف ولا مجون ، ولا فضائح ولا شذوذ ، ولا انشغال بما لا فائدة منه ولا نفع فيه ؛ لأن أمانة الكلمة تفرض على المبدع المسلم أن " يُنزِّه قلمه ولسانه عن أن يخرج على الناس بعمل أدبيٍ ليس من ورائه غايةٌ جادةٌ أو هدفٌ مُثمر ؛ لأنه يحرص على ألاّ يضيع جهده وجُهد قارئيه عبثاً دون فائدة . لذلك فهو لا يكتب إلا بعد أن يسأل نفسه عدة أسئلة :
لماذا أكتب ؟ وماذا أكتب ؟ وكيف أكتب ؟ ولمن أكتب ؟ " ( 5 : 77 ) .
وفي هذا المعنى يقول الشاعر العربي المُسلم الذي - لا شك أنه - استشعر أمانة ومسؤولية الكلمة :
ومـا من كــاتبٍ إلا سيفــنى
ويُبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيءٍ
يسُـرك في القيامـة أن تــراه
إن أمانة الكلمة عند المُبدع المسلم تفرض عليه أن يعتز أولاً بهويته المُسلمة المُتميزة في نظرتها للكون وللإنسان وللحياة ، وأن يحذر ثانياً - كل الحذر - من الانجراف المقصود أو غير المقصود مع تلك التيارات والمذاهب الفكرية الوافدة من الشرق أو الغرب ، البعيدة كل البعد عن مقومات الإبداع الأصيل الجميل الجليل الذي يسمو بالإنسان فكراً وروحاً وسلوكاً .
وكم هو مؤسفٌ ومؤلمٌ أن يتخلى بعض المبدعين المسلمين عن هويتهم الإسلامية ، ومبادئهم الكريمة ، وأخلاقهم الفاضلة انسياقاً وراء هوى النفوس الأمّارة بالسوء ، أو انجرافاً مع بريق التيارات المُنحرفة ، أو انبهاراً ساذجاً بما يُسمى ( النظريات الفنية ، أو المذاهب الإبداعية ، أو المدارس المعاصرة ) التي انخدع بها البعض من أبناء الإسلام في عصرنا ؛ فكانت النتيجة المؤلمة مُتمثلةً في " صدور بعض أدبائنا عن نظرات غريبةٍ ، بعيدةٍ عن الأخلاق والعفة في علاقة الرجل بالمرأة ، وتبنيهم نظرات الكشف والعُري ، وتضخيم جانب الجنس على حساب العواطف الأُخرى ، مُتابعين بعض فلاسفة أوروبا وشعراء الجنس فيها ، مخالفين في ذلك قيمنا وأعرافنا وطبيعة أُمتنا " ( 4 : 66 ) .
إن أمانة الكلمة عند المبدع المسلم تعني الفهم الحقيقي لطبيعة تلك الكلمة ؛ فالكلمة الطيبة تختلف - بلا شك - في طبيعتها عن الكلمة الخبيثة ؛ وإذا كان الله - جل في عُلاه - قد حسم ذلك الأمر في كتابه العزيز بقوله تعالى في بيان طبيعة الكلمة الطيبة : } أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ { ( سورة إبراهيم : الآية 24 ) ، وقوله تعالى في بيان طبيعة الكلمة الخبيثة : } وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ { ( سورة إبراهيم : الآية 26 ) ؛ فإنه - جل جلاله - يُبيِّن الغاية من ذلك بقوله سبحانه : } وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ { ( سورة إبراهيم : من الآية 25 ) .
وهنا يحضرني قولٌ جميلٌ ، ومُبدعٌ ، ومُنـصفٌ في هذا المعنى لأحد الكُتّاب جـاء فيه قوله :
" هذا الفهم لطبيعة الكلمة وقيمتها ، لا يعني الحجر على التعبير ، أو التضييق على أرباب البيان ، فالدين متينٌ لا يضيقُ بحاجات الإنسان الفطرية ، وميله الطبيعي إلى اللهو البريء .. والدين كما أن فيه ( العزائم ) فيه ( الرُخص ) . ومساحات التعبير مُشرعةٌ وواسعةٌ كما هو المُباح الفقهي بالنسبة للمُحرم الفقهي " ( 1 : 11 ) .
وختامًا أقول : أما و قد علِمنا أن من الخطأ السكوت عندما ينبغي الكلام ، وأنه لا ينبغي أن نتكلم حينما يكون الصمت أنفع ، فإن النفوس المؤمنة بالله تعالى ، المتشبعة بهدي القرآن الكريم والسنة المطهرة ، والألسن الصادقة المُبدعة التي تخشى الله تعالى وتتقيه ، تحيا بين هذا وذاك حياةًً عمليةًً شاملةً ، وتتمثل أمانة الكلمة في كل شأنٍ من شؤون هذه الحياة ، وكل جزئيةٍ من جزئياتها ؛ ولاسيما في ( أزمنة الفتنة ) التي نحتاج فيها أن نُبدع في معرفة متى يكون الكلام ، ومتى يكون الإمساك عنه ، وأن ندير الدفة في شتى فنون الإبداع بمهارةٍ وحكمة .. فهل لنا أن نفعل ذلك ؟؟!!
إن أمانة الكلمة - أيها الأحباب - مسؤوليتنا جميعاً ، وهي تفرض علينا أن نستشعر بحق عِظم هذه الأمانة التي تستوجب أن يتواءم سلوك المثقف والمُبدع المُسلم وواقعه التربوي العملي ، مع الفكر والثقافة التي يدعو إليها ويؤمن بها في قوله وعمله وفكره .
وختاماً / أسأل الله العلي القدير أن يوفقني وإياكم لجميل القول ، وصالح العمل ، وأن يكتب لنا التوفيق والسدّاد ، والهداية والرشاد ، والحمد لله رب العباد .
المراجــع :
- القرآن الكريم .
- محمد بن إسماعيل البخاري . ( 1417هـ / 1997م ) . صحيح البخاري . الرياض : دار السلام .
- محمد بن عيسى بن سورة الترمذي . ( د . ت ) . سُنن الترمذي . تعليق العلامة المُحدِّث / محمد ناصر الدين الألباني . الرياض : مكتبة المعارف للنشر والتوزيع .
الهوامش :
1- أحمد آل مريع . ( 1425هـ ) . المُباح اللفظي .. المُباح الفقهي . المجلة الثقافية . العدد ( 59 ) . السنة ( 2 ) . صحيفة الجزيرة . الرياض : مؤسسة الجزيرة الصحفية . الإثنين.28 ربيع الأول 1425هـ .
2- حسن بن فهد الهويمل . ( 1426هـ ) . النص الهادف تربيةٌ وتـهذيب . صحيفة الجزيرة . العدد ( 11954 ) . الثلاثاء 14 جمادى الأولى 1426هـ الموافق 21 يونيو 2005م .
3- محمد أحمد حمدون . ( 1407هـ / 1986م ) . نحو نظريةٍ للأدب الإسلامي . ضمن إصدارات المنهل رقم ( 7 ) . جدة .
4- محمد عادل الهاشمي . ( 1407هـ / 1987م ) . في الأدب الإسلامي تجارب .. ومواقف . دمشق : دار القلم .
5- محمود شاكر سعيد . ( 1413هـ ) . في الأدب الإسلامي . الرياض : دار المعراج الدولية للنشر .
6- نجيب الكيلاني . ( 1407هـ / 1987م ) . آفاق الأدب الإسلامي . ط ( 2 ). بيروت : مؤسسة الرسالة
((منقول وجزى الله الكاتب خير الجزاء))
أمانة الكلمة
عند المُبدع المُسلم
بقلم الدكتور / صالح بن علي أبو عرَّاد
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين في أبها
إهـــــداء :
= إلى الذين يؤمنون بالله تعالى رباً ،وبالإسلام ديناً ، وبمُحمدٍ r نبياً ورسولاً .
= إلى من يؤمنون برسالة الإنسان المُسلم المُبدع في كل مجالٍ من مجالات الحياة ، وكل فنٍ من فنون الإبداع ، وكل ميدانٍ من ميادين العلم والمعرفة .
= إلى من يحكمون على مُجريات الأمور بعقولهم الواعية ، ويُحاربون الهوى في نفوسهم الضعيفة .
= إلى من قالوا خيراً فغنموا ، أو سكتوا عن شرٍ فسلموا .
= إلى من يؤمنون ويُصدِّقون بقوله تعالى : } وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً {.
أقول : الحمد لله القائل : } مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ { ( سورة قّ : الآية 18 ) . والصلاة والسلام على نبينا ومعلمنا وقائدنا وقدوتنا محمدٍ بن عبد لله الذي صحّ عنه أنه قال : " وهل يكُبُّ الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلاَّ حصائدُ ألسنتهم " ( رواه الترمذي ، الحديث رقم 2616 ، ص 590 ) . أما بعد ؛
فأٌقدِّم - مستعيناً بالله وحده - هذه الكلمات الموجزات حول أمانة الكلمة عند المُبدع المسلم قائلاً :
من العجيب أن نكون محاسبين عندما نسكت ، ولكن الأعجب من ذلك أن نكون محاسبين عندما نتكلم ؛ وما ذلك إلا لأن " الكلمة بما أودع الله فيها من الأسرار والتأثير ، وبما هيأ الله لها من القبول في نفوس البشر ، ذاتُ فعلٍ عظيمٍ وخطير ، قد يبلغ حد السحر ، فتسحر أعين الناس ، وتموه الواقع ، ولاسيما حين تتجلى في معارض التأثير والخصومة ؛ إذ تصور الحق باطلاً والباطل حقاً ، أو تُجعَلُ مطيةً يبلُغُ بها الدعيُّ ، حين يعجز عن ركوبها العيي " ( 1 : 11 ) .
من هنا فإن تعاليم وهدي ديننا الإسلامي الحنيف ، وتعاليم وتوجيهات تربيته الإسلامية توجب علينا أن نُحاسب أنفسنا قبل أن نُحاسب ، وأن نُراقب الله تعالى في كل قولٍ أو عملٍ أو نية ، وأن يكون هدينا في ذلك قوله تعالى : } قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ { ( سورة الأنعام : 162 ) .
ولهذا فقد حث ديننا الإسلامي الحنيف ، ودعت تربيته الإسلامية السامية إلى أن يلتزم الإنسان المُسلم في قوله - على وجه الخصوص - بالهدي الرشيد والقول السديد الذي قال فيه تعالى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً { ( سورة الأحزاب : الآية رقم 70 ) . وأن يحذر من سيء القول وفاحش الكلام تحقيقاً لقوله تعالى : } لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ { ( سورة النساء : من الآية 148 ) .
وما ذلك إلا لعظيم شأن الكلمة التي يقول فيها أحد الكُتّاب : " ستظل الكلمة شمساً تضيء أو ناراً تُحرق .. وهي مصدر هوايةٍ أو غواية ، وأداة هدمٍ أو بناء ، وينبوع سعادةٍ أو شقاء ، ونذير حربٍ أو بشير سلام ، وريح إيمانٍ أو وسوسة شيطان ، ودعوة فضيلةٍ أو إغراءٌ برذيلة " ( 6 : 72 ) .
وإذا كانت الكلمة المنطوقة أو المكتوبة تمثل أهم أدوات الإبداع ، فإن مهمة المبدعُ أياً كان نمط إبداعه أو مجاله أو ميدانه ، أن يجعل من محاولاته الإبداعية وبيانه اللفظي أو الكتابي سحراً حلالاً يدعو إلى الفضيلة ، ويُحذِّر من الرذيلة ، ولاسيما أن " كل أداءٍ [ أو عملٍ أدبيٍ ] تقبله الأذواق السليمة ، ولا ينعكس أثره السيئ على الأخلاق ، ولا يُثير الغرائز الحيوانية ؛ يُعدُ من الأدب المقبول ، وإن لم يكن في خدمة الدين المُباشرة والمُنقطعة " ( 2 : 17 ) .
وما ذلك إلا لأن أمانة الكلمة تفرض على المبدع المسلم أن يكون إبداعه نظيفاً طاهراً زكياً ، لأنه ينطلق من نفسٍ سويةٍ زكيةٍ ، ويُعبِِّر عن مشاعر حيةٍ فياضةٍ زاخرةٍ بكل معاني الحب الصادق ، ويلتقي مع عناصر الفطرة السليمة السوية التي قال فيها الحق تبارك وتعالى :} فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا { ( سورة الروم : من الآية 30 ) .
من هنا فإن على المبدع في أي فنٍ أدبيٍ أن يحمل هم تبليغ الآخرين بالحق ، مع الاحتفاظ بكل مقومات إبداعه الإيجابية الكفيلة بتقويم السلوك الخاطئ ، ومُعالجة الأخطاء المُشاهدة ؛ فإن لم يكن ذلك ممكناً فلا أقل من أن يحذر الإساءة إلى المُتلقي الذي أرعاه سمعه ، وبخاصةٍ أننا مُحاسبون عن كل ما نقوله أو نتلفظ به . وفي هذا الشأن يقول الدكتور / سعد أبو الرضا : " إن الأدب بلاغٌ مثل الرسالة يصدع بها الرسول ، فيجب أداء البلاغ بطريقةٍ لا تتجاوز عقيدةً ولا تُغفلُ سلوكاً إسلامياً " [ نقلاً عن 3 : 33 ] .
وإذا كانت الكلمة كما يقول أحد الباحثين " أمانةٌ قبل أن تكون بياناً ، ولذلك كانت جهاداً كما كانت جمالاً " ( 1 : 11 ) ؛ فقد علّمنا معلم الناس الخير من خلال الكلمة أن نحرص من منطلق الإيمان على المنطق السديد والقول الرشيد ؛ فإن لم يكن ذلك كذلك ، فلا أقل من الصمت مصداقاً لما صحَّ عن أبي هريرة t عن النبي r أنه قال : " .. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت " ( رواه البخاري ، الحديث رقم 6163 ، ص 1069 ) .
وهنا يبرز أثر التربية الإسلامية في هذا الشأن حيث إن النبي الكريم - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم - حثنا في هديه التربوي العظيم على تجنب السيئ من القول ، فإن لم يكن ذلك مُمكناً ؛ فلا أقل من الستر وتجنب المُجاهرة بالمعاصي ؛ وهو ما يؤكده الحديث الصحيح عن سالم بن عبد الله قال : سمعتُ أبا هريرة t يقول : سمعتُ رسول الله r يقول :
" كل أُمتي معافىً إلا المُجاهرين " ( رواه البخاري ، الحديث رقم 6069 ، ص 1059 ) .
والمعنى أن الدين الإسلامي وتربيته الإسلامية تُحمِّل المبدع المسلم شاعراً كان أو قاصاً أو كاتباً أو باحثاً أو مٌترجماً أو ناقداً أو دارساً أو غير ذلك " مسئولية الكلمة التي يكتبها أو ينطقها ، لما لها من أثرٍ في نفوس وتوجهات المُتلقين " ( 5 : 75 ) ؛ فلا كفر ولا فسوق ولا كذب ولا اختلاق ، ولا تبذُل ولا انحلال ، ولا إسفاف ولا مجون ، ولا فضائح ولا شذوذ ، ولا انشغال بما لا فائدة منه ولا نفع فيه ؛ لأن أمانة الكلمة تفرض على المبدع المسلم أن " يُنزِّه قلمه ولسانه عن أن يخرج على الناس بعمل أدبيٍ ليس من ورائه غايةٌ جادةٌ أو هدفٌ مُثمر ؛ لأنه يحرص على ألاّ يضيع جهده وجُهد قارئيه عبثاً دون فائدة . لذلك فهو لا يكتب إلا بعد أن يسأل نفسه عدة أسئلة :
لماذا أكتب ؟ وماذا أكتب ؟ وكيف أكتب ؟ ولمن أكتب ؟ " ( 5 : 77 ) .
وفي هذا المعنى يقول الشاعر العربي المُسلم الذي - لا شك أنه - استشعر أمانة ومسؤولية الكلمة :
ومـا من كــاتبٍ إلا سيفــنى
ويُبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيءٍ
يسُـرك في القيامـة أن تــراه
إن أمانة الكلمة عند المُبدع المسلم تفرض عليه أن يعتز أولاً بهويته المُسلمة المُتميزة في نظرتها للكون وللإنسان وللحياة ، وأن يحذر ثانياً - كل الحذر - من الانجراف المقصود أو غير المقصود مع تلك التيارات والمذاهب الفكرية الوافدة من الشرق أو الغرب ، البعيدة كل البعد عن مقومات الإبداع الأصيل الجميل الجليل الذي يسمو بالإنسان فكراً وروحاً وسلوكاً .
وكم هو مؤسفٌ ومؤلمٌ أن يتخلى بعض المبدعين المسلمين عن هويتهم الإسلامية ، ومبادئهم الكريمة ، وأخلاقهم الفاضلة انسياقاً وراء هوى النفوس الأمّارة بالسوء ، أو انجرافاً مع بريق التيارات المُنحرفة ، أو انبهاراً ساذجاً بما يُسمى ( النظريات الفنية ، أو المذاهب الإبداعية ، أو المدارس المعاصرة ) التي انخدع بها البعض من أبناء الإسلام في عصرنا ؛ فكانت النتيجة المؤلمة مُتمثلةً في " صدور بعض أدبائنا عن نظرات غريبةٍ ، بعيدةٍ عن الأخلاق والعفة في علاقة الرجل بالمرأة ، وتبنيهم نظرات الكشف والعُري ، وتضخيم جانب الجنس على حساب العواطف الأُخرى ، مُتابعين بعض فلاسفة أوروبا وشعراء الجنس فيها ، مخالفين في ذلك قيمنا وأعرافنا وطبيعة أُمتنا " ( 4 : 66 ) .
إن أمانة الكلمة عند المبدع المسلم تعني الفهم الحقيقي لطبيعة تلك الكلمة ؛ فالكلمة الطيبة تختلف - بلا شك - في طبيعتها عن الكلمة الخبيثة ؛ وإذا كان الله - جل في عُلاه - قد حسم ذلك الأمر في كتابه العزيز بقوله تعالى في بيان طبيعة الكلمة الطيبة : } أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ { ( سورة إبراهيم : الآية 24 ) ، وقوله تعالى في بيان طبيعة الكلمة الخبيثة : } وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ { ( سورة إبراهيم : الآية 26 ) ؛ فإنه - جل جلاله - يُبيِّن الغاية من ذلك بقوله سبحانه : } وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ { ( سورة إبراهيم : من الآية 25 ) .
وهنا يحضرني قولٌ جميلٌ ، ومُبدعٌ ، ومُنـصفٌ في هذا المعنى لأحد الكُتّاب جـاء فيه قوله :
" هذا الفهم لطبيعة الكلمة وقيمتها ، لا يعني الحجر على التعبير ، أو التضييق على أرباب البيان ، فالدين متينٌ لا يضيقُ بحاجات الإنسان الفطرية ، وميله الطبيعي إلى اللهو البريء .. والدين كما أن فيه ( العزائم ) فيه ( الرُخص ) . ومساحات التعبير مُشرعةٌ وواسعةٌ كما هو المُباح الفقهي بالنسبة للمُحرم الفقهي " ( 1 : 11 ) .
وختامًا أقول : أما و قد علِمنا أن من الخطأ السكوت عندما ينبغي الكلام ، وأنه لا ينبغي أن نتكلم حينما يكون الصمت أنفع ، فإن النفوس المؤمنة بالله تعالى ، المتشبعة بهدي القرآن الكريم والسنة المطهرة ، والألسن الصادقة المُبدعة التي تخشى الله تعالى وتتقيه ، تحيا بين هذا وذاك حياةًً عمليةًً شاملةً ، وتتمثل أمانة الكلمة في كل شأنٍ من شؤون هذه الحياة ، وكل جزئيةٍ من جزئياتها ؛ ولاسيما في ( أزمنة الفتنة ) التي نحتاج فيها أن نُبدع في معرفة متى يكون الكلام ، ومتى يكون الإمساك عنه ، وأن ندير الدفة في شتى فنون الإبداع بمهارةٍ وحكمة .. فهل لنا أن نفعل ذلك ؟؟!!
إن أمانة الكلمة - أيها الأحباب - مسؤوليتنا جميعاً ، وهي تفرض علينا أن نستشعر بحق عِظم هذه الأمانة التي تستوجب أن يتواءم سلوك المثقف والمُبدع المُسلم وواقعه التربوي العملي ، مع الفكر والثقافة التي يدعو إليها ويؤمن بها في قوله وعمله وفكره .
وختاماً / أسأل الله العلي القدير أن يوفقني وإياكم لجميل القول ، وصالح العمل ، وأن يكتب لنا التوفيق والسدّاد ، والهداية والرشاد ، والحمد لله رب العباد .
المراجــع :
- القرآن الكريم .
- محمد بن إسماعيل البخاري . ( 1417هـ / 1997م ) . صحيح البخاري . الرياض : دار السلام .
- محمد بن عيسى بن سورة الترمذي . ( د . ت ) . سُنن الترمذي . تعليق العلامة المُحدِّث / محمد ناصر الدين الألباني . الرياض : مكتبة المعارف للنشر والتوزيع .
الهوامش :
1- أحمد آل مريع . ( 1425هـ ) . المُباح اللفظي .. المُباح الفقهي . المجلة الثقافية . العدد ( 59 ) . السنة ( 2 ) . صحيفة الجزيرة . الرياض : مؤسسة الجزيرة الصحفية . الإثنين.28 ربيع الأول 1425هـ .
2- حسن بن فهد الهويمل . ( 1426هـ ) . النص الهادف تربيةٌ وتـهذيب . صحيفة الجزيرة . العدد ( 11954 ) . الثلاثاء 14 جمادى الأولى 1426هـ الموافق 21 يونيو 2005م .
3- محمد أحمد حمدون . ( 1407هـ / 1986م ) . نحو نظريةٍ للأدب الإسلامي . ضمن إصدارات المنهل رقم ( 7 ) . جدة .
4- محمد عادل الهاشمي . ( 1407هـ / 1987م ) . في الأدب الإسلامي تجارب .. ومواقف . دمشق : دار القلم .
5- محمود شاكر سعيد . ( 1413هـ ) . في الأدب الإسلامي . الرياض : دار المعراج الدولية للنشر .
6- نجيب الكيلاني . ( 1407هـ / 1987م ) . آفاق الأدب الإسلامي . ط ( 2 ). بيروت : مؤسسة الرسالة
((منقول وجزى الله الكاتب خير الجزاء))
9/13/2019, 11:30 من طرف Sanae
» المهندسين خ
7/1/2015, 04:18 من طرف زائر
» المهندسين خ
7/1/2015, 04:13 من طرف زائر
» تليفونات برنامج صبايا الخير بقناة النهار
6/27/2015, 09:30 من طرف زائر
» طلب مساعده عاجل
6/21/2015, 14:28 من طرف fatim fatima
» اغاثه
6/17/2015, 10:03 من طرف زائر
» موضوع مهم جدا وأرجو ألا تغفلوا عنه وأرجو ابتواصل
6/17/2015, 09:59 من طرف زائر
» موضوع مهم جدا وأرجو ألا تغفلوا عنه وأرجو ابتواصل
6/17/2015, 09:56 من طرف زائر