خرق في السفينة وسبيل النجاة
**** مبشرات ****
إن القائم بهذه الشعيرة والذي حمل على عاتقه الهمّ الأعظم، ألا وهو همُّ الدين ومرضاة رب العالمين فأقول إنه ، قد انتظم في سلك الفالحين، وسلك طريق الأنبياء والمرسلين، واعلم أخي المسلم أن الله لم يأمرنا بما فيه مضرة محضة، وإن كان ظاهر هذه الشعيرة غير هذه الحقيقة، فمن كان همته ورغبته متعلقة بالعرش، ويرغب في مرضات ربه، فليعلم أن الراحة الأبدية في جنات الخُلد، لا في هذه الدنيا فإليك هذه المبشرات والمحفزات لعل الله أن ينفع بها:
* التشبه بالرسل، والقيام بدعوتهم، والسير في طريقهم.
* النجاة من العذاب الدنيوي والأخروي، وحينما يحل العذاب بقوم ظالمين، فإن الله ينجّي الذين ينهون عن السوء. كما قال تعالى ( فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيناَ الذَّيِنَ يَنهَونَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذنَا الذَّيِنَ ظَلَمُواْ بِعَذَابِ بَئِس بِمَا كَانُواْ يَفسُقُونَ )الأعراف:165
* الخروج من عهدة التكليف، ولذا قال الذين حذروا المعتدين في السبت من بني إسرائيل، لما قيل لهم ( لِمَ تَعِظُونَ قَوماً اللهُ مُهلِكُهُم أَو مُعَذِّبُهُم عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعذِرةً إِلَى رَبِّكُم ) الأعراف:164 . فالساكتة عن الحق مؤاخذة، ومتوعدة بالعقوبة، كما أنها شيطان أخرس.
* إقامة حجة الله على خلقه قال الله تعالى ( رُّسُلاً مّثبَشِّرينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةُ بَعدَ الرُّسُلِ ) النساء:165 .
* أداء بعض حق الله عليك من شكر النعم التي أسداها لك، من صحة البدن، وسلامة الأعضاء، يقول النبي ( يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة..... وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن المنكر صدقة ) رواه مسلم .
* هذا بالإضافة إلى الكثير من الفضائل والفوائد التي لا يحصى عددها إلا الله، والتي تعود بالنفع للفرد والمجتمع كرجاء استقامة الأفراد، ورفع العقوبات العامة عن المجتمع.
مصادر البحث/
* لقاء جريدة الجزيرة مع معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف
* خطبة للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله
* مطوية / كيف تأمرين بالمعروف وتنهين عن المنكر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب أمرنا الله به وهو فرض على كل مسلم ومسلمة كلن حسب استطاعته
قال الله تعالى ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) آل عمران: 110
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم ... وبزيادة (.... وليس وراء ذلك من الإيمان مثقال ذرة ) حديث صحيح - مجموع الفتاوى / 2/110 .
إن الواجب على من رأى منكرا أن ينهى عنه ولكن باللطف واللين حتى يحصل المطلوب لأن العنف والشدة لا يولد إلا نفورا وكراهية لمن يأمر بذلك أيها الاخوة إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقتصر على فئة واحدة من الناس بل هو فرض كفاية على الناس جميعا ولقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من رأى منكم منكرا فليغيره بيده وهذا لمن له سلطان وقدرة فإن لم يستطع فبلسانه وهذا هو النهي عن المنكر وهو مقدور عليه ولله الحمد ولكن لابد أن يكون باللطف واللين الذي يحصل به المقصود فإن لم يستطع فبقلبه يكره المنكر ويكره الإقامة عليه .
وقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم مثلاً بهذا الحديث ( مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر، فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها فكان الذين في البحر أسفلها يصعدون فيستقون الماء فيصبون على الذين في أعلاها، فقال الذين في أعلاها: لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا، فقال الذين في أسفلها: فإنا ننقبها في أسفلها فنستقي، فإن أخذوا على أيديهم فمنعوهم نجوا جميعا، وإن تركوهم غرقوا جميعا ) صحيح الترمذي / 2173 .
وبهذا المثل بين لنا صلى الله عليه وسلم بأن كل المسلمين في سفينة واحدة ويجب أن يحرص الكل على سلامة السفينة من أي عطب أو خلل فأن غرقت السفينة غرق الكل وبذلك يتبين أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو سبيل لنجاة الأمة من تفشي الأمور والأخلاق التي تصيب المجتمع بالعطب لأن التصرف الفردي لو تم تجاهله يصبح تصرف جماعي وبعد ذلك ينتشر كانتشار النار في الهشيم لذا يجب الأخذ منذ البداية بتعاهد أفراد المجتمع على بعضهم البعض بالتنا صح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنه مطلب حياة ضروري .
قال ابن القيم: ( وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك وحدوده تضاع ودينه يترك وسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم يرغب عنها وهو بارد القلب ساكت اللسان! شيطان أخرس، كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق، وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياستهم فلا مبالاة بما جرى على الدين! وخيارهم المتحزن المتلمظ، ولو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله بذل وتبذل وجد واجتهد، واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه. وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله، ومقت الله لهم قد بلوا في الدنيا بأعظم بلية تكون وهم لا يشعرون، وهو موت القلوب، فإن القلب كلما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله أقوى وانتصاره للدين أكمل. وقد ذكر الإمام أحمد رحمه الله وغيره أثرا: أن الله سبحانه أوحى إلى ملك من الملائكة أن اخسف بقرية كذا وكذا، فقال: يارب كيف وفيهم فلان العابد! فقال: به فابدأ فإنه لم يتمعر وجهه في يوما قط )
ونأتي لشروط وضوابط الأمر بامعروف والنهي عن المنكر
1 - الإخلاص:
الإخلاص هو إفراد الله سبحانه بالقصد في الطاعة والإخلاص هو روح كل عمل، والأعمال التي يستعظمها الناس لا وزن لها عند الله عز وجل إذا فقدت هذه الروح قال تعالى ( وَمَا أُمِرواْ إِلا لِيَعبُدواْ اللهَ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ) البينة:5
فلينتبه لهذا الشرط الذي عليه مدار قبول العمل وبالتالي النفع به.
2 - العلم:
من أهم ما يحسن بالآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر أن تتحلى به صفة العلم، فإن العلم زينة لها، ووسيلة صحيحة للعمل، ومرافق دائم في مجال الدعوة والأمر والنهي.
قال تعالى ( قُل هَل يَستَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعلَمُونَ ) الزمر:9 إن جهالة من يأمر وينهي فيما يدعو إليه أو ينهى عنه، قد يوقعه في حماقات كثيرة، وإشكالات عديدة، بل ربما حدثت بسبب ذلك مفاسد متعددة، أو تعطلت مصالح راجحة.
3 - القدوة الحسنة:
من السمات الحسنة المؤثرة التي ينبغي أن يتحلى بها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، أن يكون قدوة حسنة للآخرين؛ لأن التأثير بالاقتداء والتقليد له قيمة كبيرة في نفوس المدعوين ، ولذلك كان رسول الله أسوة حسنة، وقدوة صالحة ليحتذي الناس بأقواله وأفعاله ، فمن أسرته نفسه، وأصبح عبد لهواها، فلا يمكن أن يُنكر على الآخرين.
4 - الرحمة بمن يفعل المنكر والخوف عليه من عذاب الله:
ينبغي أن يستشعر الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر هذه الصفة وهذا الأدب، وأن ينظر إلى الواقع في المنكر نظرة الرحمة، والشفقة، والرغبة في الإحسان إليه؛ لكونه يتنازع مع الشيطان ومع هواه ومع نفسه الأمّارة بالسوء ولذا ينبغي عدم إعانة هؤلاء الأعداء عليها، بل الوقوف معها وفي صفّها حتى يتخلص من هذا الداء الذي ألمّ بها فقد جاء في الحديث عن النبي أنه قال ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) رواه البخاري
5 - الرفق:
وهو لين الجانب بالقول والفعل، والأخذ بالأسهل وهو ضد العنف.
وقد سلك نبينا محمد جانب الرفق في عملية التغيير والبناء مع كل مدعويه، وأولئك الذين كان يحتسب عليهم سواء كانوا من اليهود، أم من المشركين، أم من المسلمين.
ولقد حث النبي الكريم المسلمين عامة ويدخل في ذلك الدعاة والمحتسبون من باب أولى بالرفق في جميع أمورهم، ومن ذلك جاء في الحديث أن النبي قال ( إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لايعطي على العنف، وما لا يعطي سواه ) رواه مسلم . وقال عليه الصلاة والسلام ( من يحرم الرفق يحرم الخير ) رواه مسلم .
6 - الصبر:
قال ابن القيم: ( الصبر خلق فاضل من أخلاق النفس، يمتنع به من فعل ما لا يحسن ولا يجمل، وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها، وقوام أمرها ).
وإذا كان الصبر ضرورياً لكل مسلم، فإنه لمن يأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر أشد ضرورة؛ لأنه يعمل في ميدان اصلاح نفسه، وفي ميدان اصلاح غيره، فإن المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم خير من ذلكم المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم.
ولقد أدرك هذه الحقيقة - التحلي بالصبر - لقمان الحكيم حينما أوصى ابنه بوصايا متعددة ضمّنها التحلي بالصبر. قال تعالى ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأمُر بِالمَعرُوفِ وَانهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصبِر عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُورِ ) لقمان:7.
**** تنبيهات ****
إن الناظر في هذه الصفات، وهذه المهام يجد أن أمامه عقبة لا يستطيع أن يتجوزها، فأقول له: أربع على نفسك، وضع يدك على قلبك، فالأمر يسير لمن يسره الله عليه، ومع معرفة ما يأتي من التنبيهات يهون الأمر بإذن الله.
1 - إن استكمال هذه الصفات أمر عزيز، ولا شك في ذلك ولو كان كل واحد ينتظر استكمال هذه الصفات لطال الزمان، ولتعطل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن حسبك بالواجب من هذه الصفات كالإخلاص والعلم والقدرة على التغيير، وما يبقى من هذه الفضائل يأتي مع الصبر والدعاء والممارسة، وهذا أمر مجرب.
2 - إن الإنكار في جميع الأماكن في بداية الأمر يبدو صعباً، ولا يستطيعه كل واحد، ولا شك أن الإنكار في بعض الأماكن أسهل من البعض الآخر، فالإنكار في البيت ليس كالإنكار في الأماكن العامة ولا بد من الصبر والدعاء.
3 - إن الآمر والناهي لابد وأن يتعرض لبعض المواقف، التي ربما تجعله يرجع عن القيام بهذا الواجب، فأقول لا بد وأن تعرف أن طريق الأنبياء المرسلين ليس طريقاً ممهداً بالورود والرياحين، وأن الجنة محفوفة بالمكاره والمخاطر، ولنا في نبينا عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة.
4 - إن الصحبة الصالحة من أهم الأمور المعينة على القيام بهذه الشعيرة العظيمة، فليحذر المسلم من مصاحبة ضعاف الهمة والخاملين، فإنك إن صحبتهم فلن تفلح أبداً
يقول الشاعر:
قد هيؤك لأمر لو فطنت له *** فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
**** مراتب التغيير ****
إن من رحمة الله سبحانه وتعالى أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها، وهذه قاعدة متينة من قواعد هذا الدين العظيم، ولنتصور لو كان الأمر بالإنكار لكل الناس باليد لحصل من الشر والبلاء والتطاحن بين الخلق ما لا يحصى شره إلا الله وحده... ولهذا قال النبي ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم . فهذا توجيه نبوي بإنكار المنكرات ولكن كلٌ على حسبه كما يلي:
المرتبة الأولى: الإنكار باليد وهو مشروط بالقدرة، وعدم ترتب مفسدة أكبر من جرّائه، وليس لكل أحد الإنكار باليد، فإذا رأيت أنك لا تتمكن من تغييره بيدك إما لعدم قدرتك على ذلك، أو خشيتك ترتب مفسدة أكبر من المصلحة المرجوة، فإنك تنتقل بعد ذلك إلى
المرتبة الثانية: وهو الإنكار باللسان وإنما تنتقل إلى هذه المرتبة إذا عجزت عن التي قبلها، وهذه المرتبة أيسر ولا شك، والذي ينبغي في هذه المرتبة هو التغيير بحسب قول الله تعالى ( ادعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ ) النحل:125فإذا عجزت عن الإنكار باللسان فإنك تنتقل إلى:
المرتبة الثالثة: الإنكار بالقلب وهي أدناها ولا شك، ولا رخصة لأحد في تركه أبداً، وضابطة هو الإيمان بأن هذا منك، وكراهته والاستمرار في كرهه وبغضه، فإذا لم يكن الإنكار بالقلب فهذا دليل على عدم الإيمان، ودليل على موت القلب والعياذ بالله؛ لأن الإنكار بالقلب هو آخر حدود الإيمان.
>>> يتبع
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب أمرنا الله به وهو فرض على كل مسلم ومسلمة كلن حسب استطاعته
قال الله تعالى ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) آل عمران: 110
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم ... وبزيادة (.... وليس وراء ذلك من الإيمان مثقال ذرة ) حديث صحيح - مجموع الفتاوى / 2/110 .
إن الواجب على من رأى منكرا أن ينهى عنه ولكن باللطف واللين حتى يحصل المطلوب لأن العنف والشدة لا يولد إلا نفورا وكراهية لمن يأمر بذلك أيها الاخوة إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقتصر على فئة واحدة من الناس بل هو فرض كفاية على الناس جميعا ولقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من رأى منكم منكرا فليغيره بيده وهذا لمن له سلطان وقدرة فإن لم يستطع فبلسانه وهذا هو النهي عن المنكر وهو مقدور عليه ولله الحمد ولكن لابد أن يكون باللطف واللين الذي يحصل به المقصود فإن لم يستطع فبقلبه يكره المنكر ويكره الإقامة عليه .
وقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم مثلاً بهذا الحديث ( مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر، فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها فكان الذين في البحر أسفلها يصعدون فيستقون الماء فيصبون على الذين في أعلاها، فقال الذين في أعلاها: لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا، فقال الذين في أسفلها: فإنا ننقبها في أسفلها فنستقي، فإن أخذوا على أيديهم فمنعوهم نجوا جميعا، وإن تركوهم غرقوا جميعا ) صحيح الترمذي / 2173 .
وبهذا المثل بين لنا صلى الله عليه وسلم بأن كل المسلمين في سفينة واحدة ويجب أن يحرص الكل على سلامة السفينة من أي عطب أو خلل فأن غرقت السفينة غرق الكل وبذلك يتبين أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو سبيل لنجاة الأمة من تفشي الأمور والأخلاق التي تصيب المجتمع بالعطب لأن التصرف الفردي لو تم تجاهله يصبح تصرف جماعي وبعد ذلك ينتشر كانتشار النار في الهشيم لذا يجب الأخذ منذ البداية بتعاهد أفراد المجتمع على بعضهم البعض بالتنا صح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنه مطلب حياة ضروري .
قال ابن القيم: ( وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك وحدوده تضاع ودينه يترك وسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم يرغب عنها وهو بارد القلب ساكت اللسان! شيطان أخرس، كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق، وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياستهم فلا مبالاة بما جرى على الدين! وخيارهم المتحزن المتلمظ، ولو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله بذل وتبذل وجد واجتهد، واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه. وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله، ومقت الله لهم قد بلوا في الدنيا بأعظم بلية تكون وهم لا يشعرون، وهو موت القلوب، فإن القلب كلما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله أقوى وانتصاره للدين أكمل. وقد ذكر الإمام أحمد رحمه الله وغيره أثرا: أن الله سبحانه أوحى إلى ملك من الملائكة أن اخسف بقرية كذا وكذا، فقال: يارب كيف وفيهم فلان العابد! فقال: به فابدأ فإنه لم يتمعر وجهه في يوما قط )
ونأتي لشروط وضوابط الأمر بامعروف والنهي عن المنكر
1 - الإخلاص:
الإخلاص هو إفراد الله سبحانه بالقصد في الطاعة والإخلاص هو روح كل عمل، والأعمال التي يستعظمها الناس لا وزن لها عند الله عز وجل إذا فقدت هذه الروح قال تعالى ( وَمَا أُمِرواْ إِلا لِيَعبُدواْ اللهَ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ) البينة:5
فلينتبه لهذا الشرط الذي عليه مدار قبول العمل وبالتالي النفع به.
2 - العلم:
من أهم ما يحسن بالآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر أن تتحلى به صفة العلم، فإن العلم زينة لها، ووسيلة صحيحة للعمل، ومرافق دائم في مجال الدعوة والأمر والنهي.
قال تعالى ( قُل هَل يَستَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعلَمُونَ ) الزمر:9 إن جهالة من يأمر وينهي فيما يدعو إليه أو ينهى عنه، قد يوقعه في حماقات كثيرة، وإشكالات عديدة، بل ربما حدثت بسبب ذلك مفاسد متعددة، أو تعطلت مصالح راجحة.
3 - القدوة الحسنة:
من السمات الحسنة المؤثرة التي ينبغي أن يتحلى بها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، أن يكون قدوة حسنة للآخرين؛ لأن التأثير بالاقتداء والتقليد له قيمة كبيرة في نفوس المدعوين ، ولذلك كان رسول الله أسوة حسنة، وقدوة صالحة ليحتذي الناس بأقواله وأفعاله ، فمن أسرته نفسه، وأصبح عبد لهواها، فلا يمكن أن يُنكر على الآخرين.
4 - الرحمة بمن يفعل المنكر والخوف عليه من عذاب الله:
ينبغي أن يستشعر الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر هذه الصفة وهذا الأدب، وأن ينظر إلى الواقع في المنكر نظرة الرحمة، والشفقة، والرغبة في الإحسان إليه؛ لكونه يتنازع مع الشيطان ومع هواه ومع نفسه الأمّارة بالسوء ولذا ينبغي عدم إعانة هؤلاء الأعداء عليها، بل الوقوف معها وفي صفّها حتى يتخلص من هذا الداء الذي ألمّ بها فقد جاء في الحديث عن النبي أنه قال ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) رواه البخاري
5 - الرفق:
وهو لين الجانب بالقول والفعل، والأخذ بالأسهل وهو ضد العنف.
وقد سلك نبينا محمد جانب الرفق في عملية التغيير والبناء مع كل مدعويه، وأولئك الذين كان يحتسب عليهم سواء كانوا من اليهود، أم من المشركين، أم من المسلمين.
ولقد حث النبي الكريم المسلمين عامة ويدخل في ذلك الدعاة والمحتسبون من باب أولى بالرفق في جميع أمورهم، ومن ذلك جاء في الحديث أن النبي قال ( إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لايعطي على العنف، وما لا يعطي سواه ) رواه مسلم . وقال عليه الصلاة والسلام ( من يحرم الرفق يحرم الخير ) رواه مسلم .
6 - الصبر:
قال ابن القيم: ( الصبر خلق فاضل من أخلاق النفس، يمتنع به من فعل ما لا يحسن ولا يجمل، وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها، وقوام أمرها ).
وإذا كان الصبر ضرورياً لكل مسلم، فإنه لمن يأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر أشد ضرورة؛ لأنه يعمل في ميدان اصلاح نفسه، وفي ميدان اصلاح غيره، فإن المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم خير من ذلكم المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم.
ولقد أدرك هذه الحقيقة - التحلي بالصبر - لقمان الحكيم حينما أوصى ابنه بوصايا متعددة ضمّنها التحلي بالصبر. قال تعالى ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأمُر بِالمَعرُوفِ وَانهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصبِر عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُورِ ) لقمان:7.
**** تنبيهات ****
إن الناظر في هذه الصفات، وهذه المهام يجد أن أمامه عقبة لا يستطيع أن يتجوزها، فأقول له: أربع على نفسك، وضع يدك على قلبك، فالأمر يسير لمن يسره الله عليه، ومع معرفة ما يأتي من التنبيهات يهون الأمر بإذن الله.
1 - إن استكمال هذه الصفات أمر عزيز، ولا شك في ذلك ولو كان كل واحد ينتظر استكمال هذه الصفات لطال الزمان، ولتعطل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن حسبك بالواجب من هذه الصفات كالإخلاص والعلم والقدرة على التغيير، وما يبقى من هذه الفضائل يأتي مع الصبر والدعاء والممارسة، وهذا أمر مجرب.
2 - إن الإنكار في جميع الأماكن في بداية الأمر يبدو صعباً، ولا يستطيعه كل واحد، ولا شك أن الإنكار في بعض الأماكن أسهل من البعض الآخر، فالإنكار في البيت ليس كالإنكار في الأماكن العامة ولا بد من الصبر والدعاء.
3 - إن الآمر والناهي لابد وأن يتعرض لبعض المواقف، التي ربما تجعله يرجع عن القيام بهذا الواجب، فأقول لا بد وأن تعرف أن طريق الأنبياء المرسلين ليس طريقاً ممهداً بالورود والرياحين، وأن الجنة محفوفة بالمكاره والمخاطر، ولنا في نبينا عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة.
4 - إن الصحبة الصالحة من أهم الأمور المعينة على القيام بهذه الشعيرة العظيمة، فليحذر المسلم من مصاحبة ضعاف الهمة والخاملين، فإنك إن صحبتهم فلن تفلح أبداً
يقول الشاعر:
قد هيؤك لأمر لو فطنت له *** فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
**** مراتب التغيير ****
إن من رحمة الله سبحانه وتعالى أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها، وهذه قاعدة متينة من قواعد هذا الدين العظيم، ولنتصور لو كان الأمر بالإنكار لكل الناس باليد لحصل من الشر والبلاء والتطاحن بين الخلق ما لا يحصى شره إلا الله وحده... ولهذا قال النبي ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم . فهذا توجيه نبوي بإنكار المنكرات ولكن كلٌ على حسبه كما يلي:
المرتبة الأولى: الإنكار باليد وهو مشروط بالقدرة، وعدم ترتب مفسدة أكبر من جرّائه، وليس لكل أحد الإنكار باليد، فإذا رأيت أنك لا تتمكن من تغييره بيدك إما لعدم قدرتك على ذلك، أو خشيتك ترتب مفسدة أكبر من المصلحة المرجوة، فإنك تنتقل بعد ذلك إلى
المرتبة الثانية: وهو الإنكار باللسان وإنما تنتقل إلى هذه المرتبة إذا عجزت عن التي قبلها، وهذه المرتبة أيسر ولا شك، والذي ينبغي في هذه المرتبة هو التغيير بحسب قول الله تعالى ( ادعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ ) النحل:125فإذا عجزت عن الإنكار باللسان فإنك تنتقل إلى:
المرتبة الثالثة: الإنكار بالقلب وهي أدناها ولا شك، ولا رخصة لأحد في تركه أبداً، وضابطة هو الإيمان بأن هذا منك، وكراهته والاستمرار في كرهه وبغضه، فإذا لم يكن الإنكار بالقلب فهذا دليل على عدم الإيمان، ودليل على موت القلب والعياذ بالله؛ لأن الإنكار بالقلب هو آخر حدود الإيمان.
>>> يتبع
**** مبشرات ****
إن القائم بهذه الشعيرة والذي حمل على عاتقه الهمّ الأعظم، ألا وهو همُّ الدين ومرضاة رب العالمين فأقول إنه ، قد انتظم في سلك الفالحين، وسلك طريق الأنبياء والمرسلين، واعلم أخي المسلم أن الله لم يأمرنا بما فيه مضرة محضة، وإن كان ظاهر هذه الشعيرة غير هذه الحقيقة، فمن كان همته ورغبته متعلقة بالعرش، ويرغب في مرضات ربه، فليعلم أن الراحة الأبدية في جنات الخُلد، لا في هذه الدنيا فإليك هذه المبشرات والمحفزات لعل الله أن ينفع بها:
* التشبه بالرسل، والقيام بدعوتهم، والسير في طريقهم.
* النجاة من العذاب الدنيوي والأخروي، وحينما يحل العذاب بقوم ظالمين، فإن الله ينجّي الذين ينهون عن السوء. كما قال تعالى ( فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيناَ الذَّيِنَ يَنهَونَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذنَا الذَّيِنَ ظَلَمُواْ بِعَذَابِ بَئِس بِمَا كَانُواْ يَفسُقُونَ )الأعراف:165
* الخروج من عهدة التكليف، ولذا قال الذين حذروا المعتدين في السبت من بني إسرائيل، لما قيل لهم ( لِمَ تَعِظُونَ قَوماً اللهُ مُهلِكُهُم أَو مُعَذِّبُهُم عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعذِرةً إِلَى رَبِّكُم ) الأعراف:164 . فالساكتة عن الحق مؤاخذة، ومتوعدة بالعقوبة، كما أنها شيطان أخرس.
* إقامة حجة الله على خلقه قال الله تعالى ( رُّسُلاً مّثبَشِّرينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةُ بَعدَ الرُّسُلِ ) النساء:165 .
* أداء بعض حق الله عليك من شكر النعم التي أسداها لك، من صحة البدن، وسلامة الأعضاء، يقول النبي ( يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة..... وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن المنكر صدقة ) رواه مسلم .
* هذا بالإضافة إلى الكثير من الفضائل والفوائد التي لا يحصى عددها إلا الله، والتي تعود بالنفع للفرد والمجتمع كرجاء استقامة الأفراد، ورفع العقوبات العامة عن المجتمع.
مصادر البحث/
* لقاء جريدة الجزيرة مع معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف
* خطبة للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله
* مطوية / كيف تأمرين بالمعروف وتنهين عن المنكر
9/13/2019, 11:30 من طرف Sanae
» المهندسين خ
7/1/2015, 04:18 من طرف زائر
» المهندسين خ
7/1/2015, 04:13 من طرف زائر
» تليفونات برنامج صبايا الخير بقناة النهار
6/27/2015, 09:30 من طرف زائر
» طلب مساعده عاجل
6/21/2015, 14:28 من طرف fatim fatima
» اغاثه
6/17/2015, 10:03 من طرف زائر
» موضوع مهم جدا وأرجو ألا تغفلوا عنه وأرجو ابتواصل
6/17/2015, 09:59 من طرف زائر
» موضوع مهم جدا وأرجو ألا تغفلوا عنه وأرجو ابتواصل
6/17/2015, 09:56 من طرف زائر