تكريم الله للانسان ,وتوعد ابليس باهانة نفس وكرامة الانسان امام ربه ونفسه والمحيطين به
[center]بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تكريم الله للانسان
(ولقد كرَّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً)
(سخّر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخّرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون)
الأمانة التي عجز الكون كله عن حملها، تمكن الإنسان من حملها
(إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً * ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفوراً رحيماً)
تكريم الانسان هو موضوع يشكل زاويةً مهمةً في رأي الإسلام ونظرته إلى الإنسان
فالخطوة الأولى في طريق تربية الإنسان ورفع مستواه في جميع حقول التكامل،
هي في جعله يشعر بكرامته، ويهتم بشؤون نفسه،
وإلا فسوف لا يولي لنفسه أي اهتمام، ولا يبذل لإصلاح وضعه أي نشاط، مهملاً حاضره ومستقبله وحتى ماضيه، فتُفقد في هذه الحالة إمكانية إقناعه بالسعي والعمل،
وإمكانية التأثير عليه في دعوته لتحسين أموره وأوضاعه، والتحرك نحو الأفضل.
و يبقى خاملاً جامداً لا مبالياً، مفضلاً استمراره في وضعه، على تحمل عناء الحركة وأعباء السعي والنشاط.
نحن لا ننكر أن حبّ الإنسان لنفسه، غريزة ثابتة فيه، تفرض عليه الدفاع عنها والسعي لجلب الخير لها. ولكن نقول إن هذه الغريزة تبقى نشيطة حسب مستوى الوعي البشري، فتعمل للخير الذي تجده متناسباً معها، وتصدّ ما تعتبره منافياً لها.
فحبّ النفس هو القوّة الدافعة للإنسان، ولكن الشعور بالكرامة فقط يحدد مقام الإنسان،
ويرسم الخطوط العريضة لسيره، وتعيين أهدافه السامية، ويميز الخصوم وطريقة الدفاع.
إن الإنسان في رأي الإسلام خليفة الله على الأرض، عالم بالأسماء كلها، مسجود له من جميع ملائكة الله.
( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا)
ومفهوم الخليفة، يوضح تمام الوضوح، استقلال البشر وحريته في التصرّف على الأرض.
أما السبل المرسومة له والخطوط المكتوبة عليه، فهي النصائح التي قررها الله لخليفته الإنسان.
التعليم هذا والتأكيد، يعكسان في الذهن إمكانيات الإنسان الهائلة، وتمكنه من معرفة جميع الموجودات والقوة المتفاعلة في دائرة خلافته، والتي جعلت تحت تصرفه في حياته.
وسجود الملائكة، وهم نخبة الموجودات، تأكيد صريح لخضوع كافة الموجودات للإنسان وإطاعتها له،
فالاستقلال بالتصرف، والإمكانات الكبيرة، وخضوع عامة الموجودات،
فتكريم الله له بالخلافة على الارض وتهييئه لها بالعقل والعلم والارادة والتكليف
وتكريمه تعالى للانسان في خلقه في احسن تقويم وتصويره بأحسن الصور
وسجود الملائكة له اكراما
وتسخير ما في الكون له فيه تعريف وتكريم ويدل هذا على ان
الإنسان في نظر الإسلام مخلوق متميز مكرم ، ميزه الله ، وكرمه ، وفضله على كثير من خلقه ،
وأن الإنسان هو واسطة العقد في هذا العالم ، وإن صغر حجمه بالنسبة إلى المكان ، أو قصر عمره بالنسبة إلى الزمان
ومن تكريم الإسلام للإنسان أنه اعترف بكيانه كله جسماً ، ونفساً ، وعقلاً ، وقلباً ، ووجداناً ، وإرادةً ، لهذا أمره بالسعي في الأرض ، والمشي في مناكبها ، والأكل من طيباتها ، والاستمتاع بزينة الله التي اخرج لعباده ، وحثه على النظافة ، والتجمل ، والاعتدال ، ونهاه عن المسكرات ، والمفتِّرات ، وكل ما يضره تناوله وفاءً بحق جسده .
وأمره بعبادة الله وحده ، والتقرب إليه بأنواع الطاعات من صلاة وصيام ، وصدقة ، وزكاة ، وحج ، وعمرة ، وذكر ، ودعاء ، وإنابة ، وتوكل ، وخوف ، ورجاء ، وبر ، وإحسان ، وغير ذلك من أنواع العبادات وفاءً بحق نفسه وأمره بالنظر والتفكر في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وفي مصير الأمم وسنن الله في المجتمعات ، كما أمره بطلب العلم والتماس الحكمة ، وأنكر عليه الجمود وتقليد الآباء والكبراء كل ذلك وفاءً بحق عقله .
ولفته إلى جمال الكون بأرضه وسمائه ، ونباته وحيوانه ، وما زانه الله به من الحسن والبهجة
ليشبع حاسة الجمالية في نفسه ، وليشعره في أعماقه بعظمة ربه ، الذي أحسن كل شيء خلقه ، وذلك رعاية لجانب الوجدان والعاطفة فيه ، لقد اعترف به ، بكيانه كله ، جسماً ونفساً وعقلاً وعاطفة .
حق الحياة ، وحق الكرامة الإنسانية ، وحق التفكير ، وحق التدين ، وحق الاعتقاد ، وحق التعبير ، وحق التعلم ، وحق التملك ، وحق الكفاية ، وحق الأمن من الخوف .
حفظ الإسلام حق الحياة ، وحماه بالتربية والتوجيه وبالتشريع والقضاء ، وبكل المؤيدات النفسية والفكرية والاجتماعية ، وعد الحياة هبة من الله تعالى لا يجوز لأحد كائناً من كان أن يسلبها منه
ومن دلائل تكريم الله للإنسان أنه فتح له باب التقرب إليه أنى شاء ، ومتى شاء ،
يدعوه فيجده أقرب إليه من حبل الوريد ، دون وسيط أو شفيع
لا شك أن العبد العاقل يتأمل فيما بين يديه وفيما خلفه، فيعرف أن الذي أوجده واكرمه هو ربه،
وأن الرب له حق على عباده هذا الحق هو أن يتوجهوا إليه بقلوبهم، وأن يرفعوا إليه أكف الضراعة، وأن يسألوه حاجاتهم، وأن يتواضعوا لعظمته، وأن يعرفوا فضله عليهم، وأن يعترفوا بإنعامه.
هذا الحق الذي خلقهم لأجله هو عبادته التي أمر بها، وذكر أنها الحكمة من إيجادهم في قوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
أي: ما خلقهم ليتكثر بهم من قلة، ولا ليتعزز بهم من ذلة، فإنه الغني وهم الفقراء، ولكن خلقهم لعبادته، وأمرهم بتوحيده وطاعته.
فعل بهم الأول وهو خلقهم؛ ليفعلوا الثاني وهو العبادة، ومع ذلك فإنهم لا بد وأن يستعينوا به على أمورهم، يستعينوا به على ما خلقوا له وما أمروا به، ولذلك لما قال الله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ قال بعدها: وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ أي أنا لا نستغني عن إعانتك في كل شيء حتى في أمور العبادة، فإذا أردنا أن نتعبد لله تعالى، ونتقرب إليه بما يدل على العبودية وبما يدل على التذلل له والخضوع والتمسكن بين يديه؛
عرفنا أنه هو الذي يعين على ذلك وهو الذي يوفق على ذلك، ويسدد من أراد ذلك فنستعين بالله
فالله تعالى هو المستعان على كل شيء من أمور الدنيا ومن أمور الآخرة.
وإذا كان كذلك فإن العبد يشعر أولا بحاجته إلى الله تعالى وعدم استغنائه عن ربه طرفة عين،
فيسأل الله تعالى، ويعترف بعلمه فالله تعالى عليم بذات الصدور في السر والعلانية
و يشعر بأنه عبد مملوك متصرَّف فيه لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، بل الذي يملك ذلك هو الله وحده، فهو الإله الذي خلقه وأوجده، وهو الذي خلق الخلق وسخر لهم وأنعم عليهم، فلا يستطيعون أن يتصرفوا لأنفسهم بل هو الذي يتصرف لهم كما يشاء. يهدي من يشاء ويضل من يشاء
كما في قول الله تعالى: ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
أرسل الله الرسل برسالة الفطرة (الاسلام) لتذكير الانسان بانه مكرم من رب العالمين , والاسلام جاءت رسالته للمساواة وعدم التمييز بين البشر فمن أعظم صفات الإنسانية وحقوق الإنسان التي نادى بها وعمل لأجلها محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هي حق المساواة بين البشر فكان لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى , والناس كلهم سواسية كأسنان المشط قال تعالى :
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " ( سورة الحجرات 13 )
فساوى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الغني والفقير ، وبين السيد والعبد في المسجد وفي الجلوس معه ، وكانوا أمامه متكافئين في الدماء والأموال والحقوق .
(( عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يد المسلمين على من سواهم تتكافأ دماؤهم وأموالهم ويجير على المسلمين أدناهم ويرد على المسلمين أقصاهم )) [2]
وهو صلى الله عليه وسلم أول من ألغى التمييز العرقي وخاصة مع الزنوج أكثر المستضعفين في الأرض .
(( عن ابن عون قال : كلموا محمداً في رجل يعني يحدثه فقال لو كان رجلاً من الزنج لكان عندي وعبد الله بن محمد في هذا سواء )) [3]
وبين (صلى الله عليه وسلم) للناس أنهم متساوون أمام الله بأشكالهم وأموالهم فلا يميز الإنسان الجميل عن القبيح لأنه هو الذي خلقهم جميعاً بصورهم المختلفة ولا يميز الغني عن الفقير لأن الملك بيده كله يهب منه لمن يشاء وهو مالك الملك ولكن ينظر الله إلى القلوب البشرية وما تحتوي من حب وخير أو كره وشر لأن لكل إنسان نفس تعرف الفجور والتقوى وبيده تزكيتها أو الوضع من شأنها وكذلك ينظر الله إلى عمل كل إنسان حيث ترك له حرية اختيار ما يحب من أعمال لإعمار الكون وعبادة الله سبحانه وتعالى وفي ذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :
(( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم , ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم )) [4]
وقال تعالى :
" مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ " ( سورة فاطر 10)
وكانت القاعدة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تفاضل البشر عن بعضهم فقط بالعلم والإيمان ثم بالهجرة والسبق في الإسلام أو كبر السن .
(( عن أبي مسعود الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله , فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة , فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة , فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً , ولا يؤمن الرجلُ الرجلَ في سلطانه , ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه )) . [4]
سلماً تعني هنا إسلاماً أو سناً والتكرمة ما يخص به صاحب المنزل من فراش ونحوه للجلوس ونحوه.
ولضرورة وجود الإمام في أي مجتمع بشري لا بد من تحديد ميزات هذا الإمام وصفاته ومن هو الأفضل لقيادة الأمة لما فيه الخير والصلاح فميز رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الإمام بهذه الصفات لما تتطلبه هذه الإمامة من تلك العلوم وذلك الاحترام للكبير وللمهاجرين في سبيل الله الذين ضحوا بأموالهم وأنفسهم وأقاموا في بلاد الغربة لا يعلمون ما يؤول إليه مصيرهم في الاستقرار والعيش الكريم وتشجيعاً منه للتسابق والإسراع في دخول الإسلام .
وحتى بيـن الأولاد لم يرض رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلا بالعدل والمساواة فيما بينهم. فها هو أحدهم ينحل ابنه شيئاً ولم ينحل كل أولاده فيأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم برد ما نحل حكمة منه وعدلاً وحفاظاً على الود والمحبة بين الأولاد وعدم التناحر والتباغض .
(( عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : تصدق علي أبي ببعض ماله , فقالت أمي عمرة بنت رواحة : لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فانطلق بي أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي , فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفعلت هذا بولدك كلهم . قال : لا , قال : اتقوا الله واعدلوا في أولادكم . فرجع أبي فرد تلك الصدقة )) . [5و4و6]
ومن أجل هذا الحق نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن التكبر والبطر بين البشر .
(( عن محمد بن زياد قال : سمعت أبا هريرة رضي الله عنه _ ورأى رجلاً يجر إزاره, فجعل يضرب الأرض برجله , وهو أمير على البحرين _ وهو يقول : جاء الأمير جاء الأميـر , قال رسـول الله (صلى الله عليه وسلم) : إن الله لا ينظر إلى من يجر إزاره بطراً )) [4و5]
(( عن أبي هريرة(رضي الله عنه) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهـم ولهم عذاب أليم : شيخ زان , وملك كذاب , وعائل مستكبر )) . [4]
وأعظم مثلاً في حياته (صلى الله عليه وسلم) أمر مسجد الضرار الذي بناه أهله بغية التفريق بين المؤمنين وظلم الناس ، ولما علم بذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمر بهدمه وحرقه رغم أنه كان مسجداً في ظاهره لعبادة الله تعالى .
(( فلما نزل بذى أوان , أتاه خبر المسجد , فدعا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مالك بن الدخشم , أخا بنى سالم بن عوف , ومعن بن عدى , أو أخاه عاصم بن عدى, أخا بني العجلان , فقال : انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله , فاهدماه وحرقاه . ونزل فيهم من القرآن ما نزل : " والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين" ... إلى آخر القصة )) [7]
فالناس جميعاً متكافئون في الحقوق والواجبات ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى وكذلك إن أكرمهم عند الله أتقاهم أي أن صفة التقوى هي التي تميز فقط بين البشر فما هي بالتحديد هذه الصفة ؟ ومن هم المتقون ؟ وهل تضر صفة التقوى بالبشر أم تنفعهم بالدنيا والآخرة ؟ ! والآية الكريمة التالية توجز لنا الأجوبة الشافية عن هذه الأسئلة :
" لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ " ( سورة البقرة 177)
فالمتقون هم الذين تتوفر فيهم كل هذه الصفات مجتمعة وسنعددها بالترتيب :
- الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين .
- إيتاء المال رغم حبه لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب
( أي لعتق رقاب العبيد وتحريرهم ) .
- إقامة الصلاة .
_ إيتاء الزكاة .
- الوفاء بالعهد .
- الصبر في البأساء والضراء وحين البأس .
- الصدق .
ويكرر الله تعالى صفة الصدق بآية أخرى مقرونة بالذي جاء بالصدق فيقول :
" وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ " ( سورة الزمر 33 )
وهذه الآية تحدد أكثر صفة المتقين فالمتقي يجب أن يكون صادقاً مع نفسه ومع الناس والله وهذه الصفة لا تتنافى مع كل الصفات التي ذكرناها سابقاً بل تشملها جميعاً وتركز على عدم الكذب على الله وتغيير كلامه الذي نزل على الرسل جميعاً والتصديق به والآية التالية وردت قبل الآية السابقة مباشرة وترفدها بالمعنى :
" فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِين ”
( سورة الزمر 32 )
وحتى لو وجدت كل صفات التقوى هذه بين البشر نجدها عندهم بدرجات مختلفة فمثلاً يتصدق إنسان بنصف ماله وآخر بربعه ويصبر مقاتل كثيراً في الحرب بينما يصبر آخر قليلاً ثم يستسلم وهكذا يوجد تقي وأتقى وأكرمكم عند الله أتقاكم .
ويوضح الله تعالى آياته ويفصلها من لدنه فيقول عن صفات التقوى وتفاضل البشر بها :
" أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ18/32أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ19/32وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ "
( سورة السجدة 18-20 )
" أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ " ( سورة الزمر 9 )
" لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ " ( سورة الحشر 20 )
" قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " ( سورة المائدة 100 )
" مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ " ( سورة آل عمران 179 )
" لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ " ( سورة الأنفال 37 )
" وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ " ( سورة يس 59 )
" أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " ( سورة التوبة 19 )
" لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا " ( سورة النساء 95 )
" وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ "
( سورة غافر 58 )
" وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ "
( سورة النحل 76)
" ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ " ( سورة النحل 75 )
" وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ " ( سورة الحديد 10 )
أي أن الله تعالى يميز من يسارع إلى الخيرات ويقدمهم عنده على الذين يلحقون بهم ليكون ذلك حافزاً للمؤمنين بالإسراع في فعل الخيرات قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة كما قال تعالى :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ " ( سورة البقرة 254 )
وبهذا نرى أن المساواة بين الأولاد والرعية واجبة في الإسلام وحق من حقوقه للإنسان ولكل فرد حرية الدخول من باب التقوى والارتقاء إلى أعلى درجاتها إذا رغبوا بإكرام الله تعالى لهم الذي خصهم به في قوله الكريم :
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " ( سورة الحجرات 13 )
فالاسلام جعل الانسان أشرف مخلوق على ظهر الأرض قال تعالى :ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا نفضيلا .) الاسراء -70
فالآية لفتت الانتباه الى مايكفل تمتع الانسان بالكرامة :تسخير البر والبحر :كدليل على تسخير الكون للإنسان وعدم اخضاعه لأى مخلوق آخر…!!
توفير الرزق بين جنبات الأرض يحفظ للإنسان كرامته ويبعده عن دائرة العوز والحاجة الى الرزق والتى تؤدى الى فقدان الكرامة عند ترك الانسان جائعا محتاجا الى من هم يملكون طعامه ..!!
التفضيل على الكثير من المخلوقات : يؤسس لكرامة البشرية بعدم اخضاع الانسان لسيطرة غيره ومنحه الكثير من المميزات التى تجعله الأفضل والأقدر على الامساك بزمام الحياة على سطح الأرض ..!!
آية أخرى تقول (هو الذى خلق لكم ما فى الارض جميعا ) سورة البقرة -29
هذه الآية تجعل تسخير الكون للإنسان –البشرية –منة من الله تعالى ودليل على التكريم الإلهى له لأنه أصبح هو الذى يملك حق الاستفادة والسيطرة على ماخلقه الله له ..ولو كان الإنسان لا يملك هذه المقدرة لتعرضت كرامته للسحق إذ يوجد من المخلوقات ما يفوقه قوة وحجما عشرات بل آلاف المرات على ظهر الأرض ..!!
قواعد شرعية سلوكية …لضمان كرامة الانسان .!
ما سبق من دلائل التكريم الإلهى للإنسان ..أدلة مادية …هناك أيضا قواعد سلوكية كفلتها الشريعة الاسلامية للحفاظ على كرامة الانسان ..وتوفير المناخ الإجتماعى لنموها وازدهارها …من ذلك مايلى :
حق الانسان فى إختيار عقيدته :لا اكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى ) البقرة 256
وكم من المجازر اغرقت الأرض لأن هناك فلسفات سيطرت على الأرض بقوة السلاح ورفضت منح الانسان هذا الحق …واقرب المجازر ماجرى فى وسط أوربا وعلى أرضها من مذابح لمسلمى البوسنة والهرسك على يد الصرب الارثوذكس …!!
حق الانسان فى جو أسرى مترابط نظيف : وهذا يحفظ كرامة الانسان جنينا ثم وليدا ثم طفلا فشابا وصولا الى فرد نافع فى المجتمع …والمتامل فى نفسيات أطفال الاسر المفككة أو الشوارع المكتظة يدرك أن كرامة الطفل تنشأ من أب يرعى حق الله فى اسرته وزوجة تعرف حدود مسئوليتها نحو الزوج والأبناء (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم واهليكم نارا وقودها الناس والحجارة )
حق اليتيم والضعيف والمحروم فى الحصول على تعامل انسانى يحفظ له كرامته ويكون عامل بناء ايجابى لشخصيته وذلك باستثارة مشاعر الحب والعطاء فى قلوب أفراد المجتمع حتى لا تتحول حاجته الفطرية الى الاب أو الأم الى خطر يهدد احساسه بالكرامة الانسانية (فاما اليتيم فلا تقهر واما السائل فلا تنهر )الضحى 9- 10
يقول عليه الصلاة والسلام أبغونى الضعفاء ..فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم )-رواه ابو داوود بإسناد حسن
***حق الفتاة فى اختيار زوجها :, حق الزوجة فى المعاملة الحسنة من زوجها ,حقها فى فض الارتباط الزوجى إذا أضر بحياتها الانسانية …كل ذلك يبنى فى الشخصية النسائية الكرامة وينمى الاحساس بالمسئولية أمام الله تعالى ..لان لاشيء يعدل الكرامة فى ايجاد نفسية سوية تتحمل المسئولية فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا )سورة النساء 34- والطاعة هنا ما وافق شرع الله تعالى .
***حق كبار السن فى البر والوفاء والاعتراف بالجميل ….هذا الحق لا يكفله الاسلام فقط ,ولا يدعو اليه وحسب ..بل إنه يجعله من اولويات العقيدة ومتطلبات الحصول على رضا الله تعالى .
والآباء والأمهات لا يجعلهم العقوق فاقدى السعادة والرغبة فى مواصلة الحياة فحسب بل إنه يؤدى قبل ذلك الى احساسهم بنوع مر من الذل والإحتياج لفلذات اكبادهم الذين اقتاتوا من دمائهم فيما سبق …!!
وحين يضع الاسلام بر الوالدين تاليا لعبادة الله وتوحيده فهذا يعنى التشديد على ضمان كرامة الأهل فى ستهم المتقدم ..وكأن الاسلام يحتفى بكرامة الاسلام جنينا فيأبى له المنشأ الملوث والقذر ويستقبله بكل صور الكرامة والعزة …وكذلك يكفل له بكل قوة أن يظل متمتعا بتلك الكرامة حتى مع آخر انفاسه على ظهر الارض …!!
ومن العجيب حقا أن الاسلام لا يترك للمسلمين خيارا فى بر آبائهم بل يأتى الخطاب الإلهى واضحا صريحا (ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله فى عامين ) يعقب هذه التوصية أمر شديد الوقع (أن اشكر لى ولوالديك )وحين ننظر الى واو العطف التى تجعل شكر الوالدين تاليا لشكر الله وكأنه ملحق به ودليل على وجوده الفعلى وكأن السؤال يصبح :كيف ستصدق أيها الانسان فى شكر الله تعالى إن لم تشكر لوالديك أيضا
ثم يكون التذكير بالعودة الى الله تعالى للحساب ونيل الجزاء (الى المصير )..سورة لقمان -14
وهكذا نرى ان الاسلام زرع فى النفس البشرية بذرة الكرامة والعزة وحرص على ان لا تكون بعض مراحل الطريق الانسانى - طفولة , قوامة ,إعاقة ,كهولة ,يُتم ,فقر ,فقدان - سببا فى التخلى عن الكرامة أو تحجيمها أو تحويرها لمزيد من السيطرة الظالمة أو التسلط المتعجرف
حفظ الاسلام لكرامة البشرية
كرامة الإنسان في الإسلام، وهو موضوع يشكل زاويةً مهمةً في رأي الإسلام ونظرته إلى الإنسان، لا بد أن نعرض عرضاً موجزاً نتائج هذا المبدأ، وتأثيره البالغ في تحقيق الهدف من الرسالة. فالخطوة الأولى في طريق تربية الإنسان ورفع مستواه في جميع حقول التكامل، هي في جعله يشعر بكرامته، ويهتم بشؤون نفسه، وإلا فسوف لا يولي لنفسه أي اهتمام، ولا يبذل لإصلاح وضعه أي نشاط، مهملاً حاضره ومستقبله وحتى ماضيه، فتُفقد في هذه الحالة إمكانية إقناعه بالسعي والعمل، وإمكانية التأثير عليه في دعوته لتحسين أموره وأوضاعه، والتحرك نحو الأفضل. ويبقى خاملاً جامداً لا مبالياً، مفضلاً استمراره في وضعه، على تحمل عناء الحركة وأعباء السعي والنشاط.
نحن لا ننكر أن حبّ الإنسان لنفسه، غريزة ثابتة فيه، تفرض عليه الدفاع عنها والسعي لجلب الخير لها. ولكن نقول إن هذه الغريزة تبقى نشيطة حسب مستوى الوعي البشري، فتعمل للخير الذي تجده متناسباً معها، وتصدّ ما تعتبره منافياً لها.
فحبّ النفس هو القوّة الدافعة للإنسان، ولكن الشعور بالكرامة فقط يحدد مقام الإنسان، ويرسم الخطوط العريضة لسيره، وتعيين أهدافه السامية، ويميز الخصوم وطريقة الدفاع.
ولا ننكر أيضاً، إمكان رفع مستوى الحياة الإنسانية بطريقة الضغط، وبفرض السعي والعمل، ولكننا نعتقد أن هذه الطريقة، ليست هي المفضّلة لتكامل الإنسان، بل فيها من النتائج السلبية والعقد النفسية، والنقص في النتائج وبقاء المسؤوليات على عاتق الأفراد دون الجماعات، ما يفرض الإعراض عن هذا الأسلوب. فلنترك هذا البحث الذي هو من اختصاص علماء النفس التربويين، ولندخل في دراستنا عن: الإسلام وكرامة الإنسان.
الإنسان خليفة الله على الأرض:
إن الإنسان في رأي الإسلام خليفة الله على الأرض، عالم بالأسماء كلها، مسجود له من جميع ملائكة الله.
{وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبِّح بحمدك ونقدِّس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون * وعلّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين * قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علّمتنا إنك أنت العليم الحكيم * قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون * وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا}[البقرة/30-34].
ومفهوم الخليفة، يوضح تمام الوضوح، استقلال البشر وحريته في التصرّف على الأرض. أما السبل المرسومة له والخطوط المكتوبة عليه، فهي النصائح التي قررها الله لخليفته الإنسان.
وتعليم الأسماء لآدم، الأسماء التي يعود إليها ضمير ; المختص بذوي العقول، وتأكيد الله لملائكته بعد اعترافهم بالعجز أنه يعلم غيب السماوات والأرض.
التعليم هذا والتأكيد، يعكسان في الذهن إمكانيات الإنسان الهائلة، وتمكنه من معرفة جميع الموجودات والقوة المتفاعلة في دائرة خلافته، والتي جعلت تحت تصرفه في حياته الرسالية.
وسجود الملائكة، وهم نخبة الموجودات، تأكيد صريح لخضوع كافة الموجودات للإنسان وإطاعتها له، وهذا المعنى سيبدو بوضوح أكثر فيما بعد.
فالاستقلال بالتصرف، والإمكانات الكبيرة، وخضوع عامة الموجودات، صفات ثلاث نفهمها من الآيات المذكورة، في عبارات هي أقصى حدود التكريم.
الإنسان وحرية التصرف:
وأعتقد أن شعور الملائكة باستقلال البشر في التصرف على الأرض، ومعرفتهم أن هذا الاستقلال لا يتم إلا إذا كان البشر يملكون الإحساس بالشرور ولديهم القدرة على ممارستها بعد أن تتمكن في داخل نفوسهم، هذا الشعور، هو الذي يجعل الملائكة يقولون إن الإنسان سوف يفسد في الأرض ويسفك الدماء. ومع ذلك، نرى أن هذا الخطر لا يقلل من مقام الإنسان وكرامته، بل يبرزه كشرط أساسي لاستقلال الإنسان وحريته في التصرف.
وإبليس في رأي القرآن هو الوحيد الذي أبى السجود لآدم، واستكبر عليه، فكان نصيبه الطرد من مقام ملكوت الله، وجزاؤه العذاب يوم البعث.
{فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين * قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين * قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين * قال فاخرج منها فإنك رجيم * وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين * قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم * قال فبعزتك لأغوينّهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين * قال فالحق والحق أقول * لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين}[ص/73-85].
وإبليس هذا الذي أصبح شيطاناً رجيماً بعد امتناعه عن السجود لآدم، هو من يقود جنود الشر في حياة الإنسان، ويجعل الصراع محتدماً في العالم كله، وفي نفس الإنسان. والمنتصرون في المعركة، المخلصون من عباد الله، هم ثمار الكون الذين من أجلهم خلق وأصبح ميداناً لخلافتهم.
والإنسان صنع على يد الله، وفيه روح الله.
{وإذ قال ربك * إني خالق بشراً من طين * فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين * فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلاّ إبليس استكبر وكان من الكافرين * قال يا أبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي}[ص/71-75].
فخلق الإنسان من جنس الأرض على يد الله، والنفخ فيه من روح الله، صورة واضحة عن الجوانب الوجودية الشاملة في الإنسان، والتي تمتدّ من الأرض إلى السماء، وهذا تعبير قوي أيضاً للكرامة التي يتمتع بها الإنسان.
وقد اعتبر الله الإنسان ذروةً في الخلق، وقمةً في الصنع {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون}[ التين/4-6].
{ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفةً في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقةً فخلقنا العلقة مضغةً فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين}[المؤمنون/12-14].
الإسلام ودعوة الإنسان إلى المعرفة:
جعل الله للإنسان من بين الموجودات كلها، ميزة كبيرة تمكّنه من أن يتخلق بأخلاق الله، ولهذا خلقه حراً يتمكن من العلم والمعرفة. ويحاول الإسلام في مواضيع عديدة في الكتاب والسنة التنبيه على هذه النقاط، ليرفع معنويات الإنسان ويشعره بمقامه المكرَّم، وبتفضيله على الكثير من الخلق: ;تخلقوا بأخلاق الله;.
{ولقد كرَّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً}[الإسراء/70].
ثم يعلن القرآن الكريم، بأن ما في الأرض وما حولها خلق للإنسان ومسخَّر له:{خلق لكم ما في الأرض جميعاً}[البقرة/29].
و{سخّر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخّرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون}[ النحل/12].
التعاليم الإسلامية تؤكد أن الله قريب جداً للإنسان، وهو أقرب إليه من أي شيء، فعلى الإنسان أن يشعر بهذا القرب ويقبل على الله لكي يجد قوّته واعتزازه.
{ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد}[ق/15].
{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}[البقرة/186].
{يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون}[الأنفال/24]. قلب المؤمن عرش الرحمن;.
والتأكيد على قرب الله من الإنسان يرفع كثيراً من معنوياته، ويسمو به عن الخوف والقلق والحزن، ويبعد عنه الكثير من الرذائل الخلقية، التي تنتج عن الضعف والخوف والطمع، كالكذب، والنفاق والحرص، ثم إن القرب لله يسهل الاكتساب منه والتخلق بأخلاقه.
وقد جعل الإنسان في الآيات القرآنية عدل الكون بأجمعه، في الدلالة على خالق العالم وعظمته ومعرفته، فاعتبر وحده عديل الآفاق، والحديث الشريف يجعل منه العالم الأكبر.
{سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق}[فصلت/53].
أتزعم أنك جـرم صغيـر وفيـك انطوى العالم الأكبر
وأنت الكتاب المبـين الذي بأحرفـه يظـهر المضـمر
والأمانة التي عجز الكون كله عن حملها، تمكن الإنسان من حملها:
{إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً * ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفوراً رحيماً}[الأحزاب/72-73].
ومهما كان تفسير الأمانة، ديناً أو معرفةً أو ولايةً أو شرف مسؤولية... مهما كان ذلك، فاختصاص حملها بالإنسان تكريم له وإشادة بمقامه العظيم.
مقام النبوّة:
وأخيراً، فمقام النبوّة مقام الرسالة الإلهية، مقام الخلّة، مقام التكلم مع الله، مقام الاصطفاء، مقام المحبة مع الله، مقام كلمة الله، مقامات خصصت بالعنصر البشري، وهي أشرف ما يصل إليه مخلوق على الإطلاق.
{لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم}[ آل عمران/164].
{ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليه ما يلبسون}[الأنعام/9].
وكثير غيرها من الآيات القرآنية الدالة على اصطفاء الله لرسله، وعلى ما ذكرنا من الوصف.
هذه نبذة موجزة عن تعريف الإنسان المشرّف، وتفسيره التكريمي عند الإسلام، فلندخل الآن في بعض التفاصيل والتعاليم الموضوعة لصيانة كرامة الإنسان في بعض جوانب وجوده أو جميعها.
ثم يدخل الإسلام في أسس تفاصيل وجود الإنسان، ويعتمد في تشريع أحكامه وسن قوانينه، على قاعدة تكريم الإنسان، ويعتبر هذا المبدأ هدفاً رئيسياً من أهداف الدين ومن غايات الرسالة.
وهذه نبذة من تلك التعاليم:
أ ـ فطرة الله:
الدين بصورة موجزة، هو فطرة الله التي فطر الناس عليها، والدين هو التعبير الواقعي والفعلي لهذه الفطرة، وإبرازها إبرازاً غير متأثر بالعوامل المختلفة الخارجة عن طبيعة الإنسان.
{فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيَّم ولكن أكثر الناس لا يعلمون}[الروم/30].
وهذا ما أكّده الحديث الشريف الوارد في تفسير الآية الكريمة: ;إن كل مولود يولد على الفطرة;.
فالدين بموجب هذه التعاليم، هو فطرة الإنسان، ولكن الإنسان نفسه لا يتمكن أن يعبر عنها، لأنه يتأثر بالعوامل التي تحيط به وينفعل بها، فشعوره بنفسه وتعبيره عن فطرته، يكسب لوناً خاصاً.
فالصحيح أن يعبر عن هذه الفطرة الإنسانية مقامٌ آخر، لا يتأثر بالعوامل الخارجة عن الإنسان.
مقام هو فوق كل عامل وخالق كل مؤثر.
مقام الله، الذي شرع الدين واعتبر الفطرة الإنسانية المخلوقة شريعته ورسالته.
ب ـ حفظ النفس والآخرين:
احترم الإسلام حياة الإنسان، واعتبر من أحياها كأنما أحيا الناس جميعاً، ومن قتلها متعمداً كأنه قتل الناس جميعاً وجزاؤه جهنم.
{من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً}[المائدة/32].
ويشمل قتل النفس حسب التعاليم الإسلامية، قتل الجنين أيضاً، ولم يسمح الإسلام بأن يتصرف الإنسان بنفسه بالانتحار، اعتباراً منه بأن حياته ملك له. وحرّم ذلك تحريماً قاطعاً، فقال تعالى:
{ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً}[النساء/29].
وجعل في قتل الخطأ ديةً لوليّ الدم، وقد أصبح اليوم قانوناً عاماً، مع العلم أنه من التشريعات الإسلامية. ويبالغ الإسلام في وجوب حفظ نفس الآخرين، ويهدد الذين يهملون شؤون فقرائهم وأيتامهم، بحيث يؤدي إلى موت أحدهم فقراً وعجزاً:
{وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}[البقرة/195].
{وما تنفقوا من خير يعرفّ إليكم وأنتم لا تظلمون}.
{وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذريةً ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً}[النساء/9].
وفي الحديث عن الإمام الصادق(ع) يقول: ;لأن أعول أهل بيت من المسلمين، فأكسي عريهم، وأشبع جياعهم، أحب عند الله من حجة وحجة إلى سبعين حجة;.
ج ـ التحرر الجوهري:
ونزَّه الإسلام مقام الإنسان، فحرّم عليه عبادة الأصنام، وعبادة البشر، وعبادة كل شخص أو شيء، واعتبر الإنسان أرفع من أن يعبد غير الله، ويخضع أمام محدود مثله. وفي كثير من التعاليم الإسلامية، نجد تحذيراً ومنعاً من طلب الحاجة من غير الله.
د ـ قدسيّة الكلمة:
ووردت تعاليم كثيرة تعتمد على تكريم ما يتلفظ به الإنسان باعتباره جزءاً منه، ولذا أوجب صيانة القول، وجعل تسديده مفتاحاً لجلب كلِّ خير ولدفع كل شر.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم}[الأحزاب/70-71].
وقد فُسِّر: تسديد القول في مواضع شتى من التعاليم أنه منع عن: الكذب والاغتياب والتهمة والنميمة والبذاءة والفحش واللهو وحتى اللغو في القول.
أما الشهادة، فقد أعطيت عناية خاصة في الإسلام، فقد وجب تحملها أو أداؤها، وبها تثبت الدعاوى وتستقر الحقوق وتتحقق العقوبات، ولكنها لا تقبل إلا من الإنسان العدل، واعتبرت شهادة الزور من المعاصي الكبيرة ويستحق مؤديها عقوبة كبرى في بعض الأمور الجزائية.
والعهد، وهو الالتزام اللفظي، محترم في الإسلام ;إن العهد كان مسؤولاً
والالتزامات اللفظية المتبادلة التي يعبر عنها بالعقود، أوجب الوفاء بها، ونهى عن التخلّف عنها.
{يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}[المائدة/1]
{وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً}[النساء/21].
وحتى الوعد اللفظي يعتبر محترماً، وقد عبر عنه الحديث الشريف;عدة المؤمن دينه;، والالتزامات اللفظية التي تدخل ضمن العقود، تصبح واجبة الوفاء، ويعبر عنها بالشروط.;المسلمون عند شروطهم، إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً.
والشروط هذه تعتبر وسيلة كافية لجعل العقود والمعاملات تنطبق على الحاجات المختلفة، وتؤدي المتطلبات المتزايدة من الالتزامات.
واللفظ يحترم في الإسلام إلى حدّ جعله سبيلاً للدخول في الدين، فيكفي الإدلاء بالشهادة لله بالوحدانية، ولمحمد بالرسالة، ليتحقق الانتماء إلى الإسلام، وقد نهى عن التنكر لمثل هذا الاعتراف:
{ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدينا}[النساء/94].
وقد جعل للكتابة ما للفظ في أكثر الأحيان، وأعتقد أن التأكيد الشديد الصادر عن الإسلام، حول محاسبة الإنسان على كل كلمة يتلفظ بها، وأن الله يسجلها بواسطة كرام كاتبين، هذا التأكيد يشكّل نوعاً من الصيانة والتكريم، فالألفاظ الصادرة عن المكرمين، هي التي يعتنى بها من دون سواها. فالاهتمام بتسجيل كلمات الإنسان، معناه الاهتمام بأمره والاعتراف بتكريمه.
{ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}[ق/18].
{وإن عليكم لحافظين * كراماً كاتبين * يعلمون ما تفعلون}[الإنفطار/10-11].
وبعد هذه التكريم يتوعد ابليس باذلال كيان الانسان و اهانة النفخة من روح الله التي في داخله:
وإبليس الذي أصبح شيطاناً رجيماً بعد امتناعه عن السجود لآدم، هو من يقود جنود الشر في حياة الإنسان، ويجعل الصراع محتدماً في العالم كله، وفي نفس الإنسان. والمنتصرون في المعركة، المخلصون من عباد الله، هم ثمار الكون الذين من أجلهم خلق وأصبح ميداناً لخلافتهم العديدة تفرقهم , و الكثير ممن استهواهم الشيطان وزين لهم طريق وعرا يتمثل في البعد عن الدعاء والسعي والعمل وطلب الخوارق والمعجزات في الشفاء والحلول
قلبوا الحقائق ، فحولوا الإنسان من سيد سخر له الكون إلى عبد ذليل يتخبط ضائعا بين الطرق
فاهم خطوات الشيطان
الاستدراج
يتتكلم الشيطان فى القران
{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ }ص82
قال إبليس: فبعزتك- يا رب- وعظمتك لأضلنَّ بني آدم أجمعين,
{قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً }الإسراء62
وقال إبليس جراءة على الله وكفرًا به: أرأيت هذا المخلوق الذي ميزته عليَّ؟ لئن أبقيتني حيًا إلى يوم القيامة لأستولينَّ على ذريته بالإغواء والإفساد، إلا المخلصين منهم في الإيمان، وهم قليل.
يستحيل ان يوسوس الشيطان للكبائر فجاءه لابد من التسلسل للوصول اليها بداية من الصغائر التى لاتكاد تذكر
والتى يستهين بها الكثير ثم الصعود الى الكبائر ثم الكفر بالتدرج حتى وان استمرت خطته اعوام وهذه خطة الشيطان منذ خلق البشر
الاستدراج للوصول الى الكفر بالله لانه يريد شركاء له فى النار فالانسان عندما يقع فى اغلب المعاصى والكبائر البعض يصاب بالياس الى ان يصل للكفر واحيانا يصل الى الانتحار
إن خطة الشيطان التي وضعها للإيقاع بنا في حبائله، وإلقائنا في جهنم يوم الحساب هي خطة ماكرة، وعلينا أن نعترف بأن الشيطان قد بلغ درجة من المكر والدهاء، فهو يجدد في وسائله و"يبدع" في حيله لجذب المسلم للمعاصي، وإلهائه عن الطاعات، فلا تدع الدهشة تجعلك تتعجب من الوصف السابق للشيطان؛ لأنه كذلك فعلاً، فهو لا يسلك نفس الطريق لنفس الشخص على مدار حياته.
فالشاب في أثناء دراسته تكون له طريقة في التفكير، وحين يتقدم في العمر يستخدم الشيطان وسيلة مختلفة للإيقاع به في المعاصي، وحين يتزوج يصير الهم الأول للشيطان أن يوقع بين الزوجين؛ لأن هذا يعد -بالنسبة للشيطان- نصرا كبيرا. فإبليس يحتفي بهذا كثيرا، ويسيطر على الفاشلين في حياتهم الزوجية سيطرة كبيرة، فمعظم الفاشلين في حياتهم الزوجية هم من خريجي مدرسة "إبليس" لعنه الله!.
ولإبليس مداخل خاصة للمرأة، تدور في معظمها حول استخدام جسدها في فتنة الرجال وإغرائهم؛ حيث يسول لها أن هذا الجمال الذي تتمتع به هو من نعم الله عز وجل، وأن الله جميل يحب الجمال، ووو... إلخ، كما يسول للرجال أن ينظروا إليها، واهما إياهم بأن هذه النظرة ليس عليها إثم... حتى يوقعهما فيما يغضب الله.
كما أن شيطان الشخص الأمي الذي لا يعرف القراءة والكتابة يختلف عن شيطان مهندس الكمبيوتر- مثلاً- في طريقة الدخول على الإنسان والوسوسة له، فلكلٍّ شيطانه، وكلها أمور تختلف من شخص لآخر، وهذا أمر بديهي ومتعارف عليه، ويدلل في الوقت نفسه على مكر الشيطان وخبثه.
ولا ييأس الشيطان عن إغواء الإنسان، فهو يعمل ليل نهار بلا كلل ولا ملل، ولا يحصل على إجازة، وفيما يعتبر البعض أن شهر رمضان (المبارك) إجازة سنوية للشيطان؛ فإن عددا من العلماء يرون أن التصفيد معنوي، وأن الشيطان يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره من الشهور، ليواجه المد الإيماني للمسلم المتمثل في حالة الإقبال على الله بفعل الطاعات، وترك المنكرات.
فيوسوس الشيطان للموظف المرتشي حين يقبل الرشوة -لأول مرة- بأنها ستكون مرة وحيدة ولن يكررها مرة أخرى، أو يزيف وعيه، ويجعله يرى العالم كله لا يتحدث إلا بـ"لغة الرشوة"، فيسهل له هذا الطريق نحو مزيد من الرشاوى، ويعدل من طريقته أحيانا أخرى بأن يسمي
[center]بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تكريم الله للانسان
(ولقد كرَّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً)
(سخّر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخّرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون)
الأمانة التي عجز الكون كله عن حملها، تمكن الإنسان من حملها
(إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً * ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفوراً رحيماً)
تكريم الانسان هو موضوع يشكل زاويةً مهمةً في رأي الإسلام ونظرته إلى الإنسان
فالخطوة الأولى في طريق تربية الإنسان ورفع مستواه في جميع حقول التكامل،
هي في جعله يشعر بكرامته، ويهتم بشؤون نفسه،
وإلا فسوف لا يولي لنفسه أي اهتمام، ولا يبذل لإصلاح وضعه أي نشاط، مهملاً حاضره ومستقبله وحتى ماضيه، فتُفقد في هذه الحالة إمكانية إقناعه بالسعي والعمل،
وإمكانية التأثير عليه في دعوته لتحسين أموره وأوضاعه، والتحرك نحو الأفضل.
و يبقى خاملاً جامداً لا مبالياً، مفضلاً استمراره في وضعه، على تحمل عناء الحركة وأعباء السعي والنشاط.
نحن لا ننكر أن حبّ الإنسان لنفسه، غريزة ثابتة فيه، تفرض عليه الدفاع عنها والسعي لجلب الخير لها. ولكن نقول إن هذه الغريزة تبقى نشيطة حسب مستوى الوعي البشري، فتعمل للخير الذي تجده متناسباً معها، وتصدّ ما تعتبره منافياً لها.
فحبّ النفس هو القوّة الدافعة للإنسان، ولكن الشعور بالكرامة فقط يحدد مقام الإنسان،
ويرسم الخطوط العريضة لسيره، وتعيين أهدافه السامية، ويميز الخصوم وطريقة الدفاع.
إن الإنسان في رأي الإسلام خليفة الله على الأرض، عالم بالأسماء كلها، مسجود له من جميع ملائكة الله.
( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا)
ومفهوم الخليفة، يوضح تمام الوضوح، استقلال البشر وحريته في التصرّف على الأرض.
أما السبل المرسومة له والخطوط المكتوبة عليه، فهي النصائح التي قررها الله لخليفته الإنسان.
التعليم هذا والتأكيد، يعكسان في الذهن إمكانيات الإنسان الهائلة، وتمكنه من معرفة جميع الموجودات والقوة المتفاعلة في دائرة خلافته، والتي جعلت تحت تصرفه في حياته.
وسجود الملائكة، وهم نخبة الموجودات، تأكيد صريح لخضوع كافة الموجودات للإنسان وإطاعتها له،
فالاستقلال بالتصرف، والإمكانات الكبيرة، وخضوع عامة الموجودات،
فتكريم الله له بالخلافة على الارض وتهييئه لها بالعقل والعلم والارادة والتكليف
وتكريمه تعالى للانسان في خلقه في احسن تقويم وتصويره بأحسن الصور
وسجود الملائكة له اكراما
وتسخير ما في الكون له فيه تعريف وتكريم ويدل هذا على ان
الإنسان في نظر الإسلام مخلوق متميز مكرم ، ميزه الله ، وكرمه ، وفضله على كثير من خلقه ،
وأن الإنسان هو واسطة العقد في هذا العالم ، وإن صغر حجمه بالنسبة إلى المكان ، أو قصر عمره بالنسبة إلى الزمان
ومن تكريم الإسلام للإنسان أنه اعترف بكيانه كله جسماً ، ونفساً ، وعقلاً ، وقلباً ، ووجداناً ، وإرادةً ، لهذا أمره بالسعي في الأرض ، والمشي في مناكبها ، والأكل من طيباتها ، والاستمتاع بزينة الله التي اخرج لعباده ، وحثه على النظافة ، والتجمل ، والاعتدال ، ونهاه عن المسكرات ، والمفتِّرات ، وكل ما يضره تناوله وفاءً بحق جسده .
وأمره بعبادة الله وحده ، والتقرب إليه بأنواع الطاعات من صلاة وصيام ، وصدقة ، وزكاة ، وحج ، وعمرة ، وذكر ، ودعاء ، وإنابة ، وتوكل ، وخوف ، ورجاء ، وبر ، وإحسان ، وغير ذلك من أنواع العبادات وفاءً بحق نفسه وأمره بالنظر والتفكر في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وفي مصير الأمم وسنن الله في المجتمعات ، كما أمره بطلب العلم والتماس الحكمة ، وأنكر عليه الجمود وتقليد الآباء والكبراء كل ذلك وفاءً بحق عقله .
ولفته إلى جمال الكون بأرضه وسمائه ، ونباته وحيوانه ، وما زانه الله به من الحسن والبهجة
ليشبع حاسة الجمالية في نفسه ، وليشعره في أعماقه بعظمة ربه ، الذي أحسن كل شيء خلقه ، وذلك رعاية لجانب الوجدان والعاطفة فيه ، لقد اعترف به ، بكيانه كله ، جسماً ونفساً وعقلاً وعاطفة .
حق الحياة ، وحق الكرامة الإنسانية ، وحق التفكير ، وحق التدين ، وحق الاعتقاد ، وحق التعبير ، وحق التعلم ، وحق التملك ، وحق الكفاية ، وحق الأمن من الخوف .
حفظ الإسلام حق الحياة ، وحماه بالتربية والتوجيه وبالتشريع والقضاء ، وبكل المؤيدات النفسية والفكرية والاجتماعية ، وعد الحياة هبة من الله تعالى لا يجوز لأحد كائناً من كان أن يسلبها منه
ومن دلائل تكريم الله للإنسان أنه فتح له باب التقرب إليه أنى شاء ، ومتى شاء ،
يدعوه فيجده أقرب إليه من حبل الوريد ، دون وسيط أو شفيع
لا شك أن العبد العاقل يتأمل فيما بين يديه وفيما خلفه، فيعرف أن الذي أوجده واكرمه هو ربه،
وأن الرب له حق على عباده هذا الحق هو أن يتوجهوا إليه بقلوبهم، وأن يرفعوا إليه أكف الضراعة، وأن يسألوه حاجاتهم، وأن يتواضعوا لعظمته، وأن يعرفوا فضله عليهم، وأن يعترفوا بإنعامه.
هذا الحق الذي خلقهم لأجله هو عبادته التي أمر بها، وذكر أنها الحكمة من إيجادهم في قوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
أي: ما خلقهم ليتكثر بهم من قلة، ولا ليتعزز بهم من ذلة، فإنه الغني وهم الفقراء، ولكن خلقهم لعبادته، وأمرهم بتوحيده وطاعته.
فعل بهم الأول وهو خلقهم؛ ليفعلوا الثاني وهو العبادة، ومع ذلك فإنهم لا بد وأن يستعينوا به على أمورهم، يستعينوا به على ما خلقوا له وما أمروا به، ولذلك لما قال الله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ قال بعدها: وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ أي أنا لا نستغني عن إعانتك في كل شيء حتى في أمور العبادة، فإذا أردنا أن نتعبد لله تعالى، ونتقرب إليه بما يدل على العبودية وبما يدل على التذلل له والخضوع والتمسكن بين يديه؛
عرفنا أنه هو الذي يعين على ذلك وهو الذي يوفق على ذلك، ويسدد من أراد ذلك فنستعين بالله
فالله تعالى هو المستعان على كل شيء من أمور الدنيا ومن أمور الآخرة.
وإذا كان كذلك فإن العبد يشعر أولا بحاجته إلى الله تعالى وعدم استغنائه عن ربه طرفة عين،
فيسأل الله تعالى، ويعترف بعلمه فالله تعالى عليم بذات الصدور في السر والعلانية
و يشعر بأنه عبد مملوك متصرَّف فيه لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، بل الذي يملك ذلك هو الله وحده، فهو الإله الذي خلقه وأوجده، وهو الذي خلق الخلق وسخر لهم وأنعم عليهم، فلا يستطيعون أن يتصرفوا لأنفسهم بل هو الذي يتصرف لهم كما يشاء. يهدي من يشاء ويضل من يشاء
كما في قول الله تعالى: ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
أرسل الله الرسل برسالة الفطرة (الاسلام) لتذكير الانسان بانه مكرم من رب العالمين , والاسلام جاءت رسالته للمساواة وعدم التمييز بين البشر فمن أعظم صفات الإنسانية وحقوق الإنسان التي نادى بها وعمل لأجلها محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هي حق المساواة بين البشر فكان لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى , والناس كلهم سواسية كأسنان المشط قال تعالى :
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " ( سورة الحجرات 13 )
فساوى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الغني والفقير ، وبين السيد والعبد في المسجد وفي الجلوس معه ، وكانوا أمامه متكافئين في الدماء والأموال والحقوق .
(( عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يد المسلمين على من سواهم تتكافأ دماؤهم وأموالهم ويجير على المسلمين أدناهم ويرد على المسلمين أقصاهم )) [2]
وهو صلى الله عليه وسلم أول من ألغى التمييز العرقي وخاصة مع الزنوج أكثر المستضعفين في الأرض .
(( عن ابن عون قال : كلموا محمداً في رجل يعني يحدثه فقال لو كان رجلاً من الزنج لكان عندي وعبد الله بن محمد في هذا سواء )) [3]
وبين (صلى الله عليه وسلم) للناس أنهم متساوون أمام الله بأشكالهم وأموالهم فلا يميز الإنسان الجميل عن القبيح لأنه هو الذي خلقهم جميعاً بصورهم المختلفة ولا يميز الغني عن الفقير لأن الملك بيده كله يهب منه لمن يشاء وهو مالك الملك ولكن ينظر الله إلى القلوب البشرية وما تحتوي من حب وخير أو كره وشر لأن لكل إنسان نفس تعرف الفجور والتقوى وبيده تزكيتها أو الوضع من شأنها وكذلك ينظر الله إلى عمل كل إنسان حيث ترك له حرية اختيار ما يحب من أعمال لإعمار الكون وعبادة الله سبحانه وتعالى وفي ذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :
(( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم , ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم )) [4]
وقال تعالى :
" مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ " ( سورة فاطر 10)
وكانت القاعدة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تفاضل البشر عن بعضهم فقط بالعلم والإيمان ثم بالهجرة والسبق في الإسلام أو كبر السن .
(( عن أبي مسعود الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله , فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة , فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة , فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً , ولا يؤمن الرجلُ الرجلَ في سلطانه , ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه )) . [4]
سلماً تعني هنا إسلاماً أو سناً والتكرمة ما يخص به صاحب المنزل من فراش ونحوه للجلوس ونحوه.
ولضرورة وجود الإمام في أي مجتمع بشري لا بد من تحديد ميزات هذا الإمام وصفاته ومن هو الأفضل لقيادة الأمة لما فيه الخير والصلاح فميز رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الإمام بهذه الصفات لما تتطلبه هذه الإمامة من تلك العلوم وذلك الاحترام للكبير وللمهاجرين في سبيل الله الذين ضحوا بأموالهم وأنفسهم وأقاموا في بلاد الغربة لا يعلمون ما يؤول إليه مصيرهم في الاستقرار والعيش الكريم وتشجيعاً منه للتسابق والإسراع في دخول الإسلام .
وحتى بيـن الأولاد لم يرض رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلا بالعدل والمساواة فيما بينهم. فها هو أحدهم ينحل ابنه شيئاً ولم ينحل كل أولاده فيأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم برد ما نحل حكمة منه وعدلاً وحفاظاً على الود والمحبة بين الأولاد وعدم التناحر والتباغض .
(( عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : تصدق علي أبي ببعض ماله , فقالت أمي عمرة بنت رواحة : لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فانطلق بي أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي , فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفعلت هذا بولدك كلهم . قال : لا , قال : اتقوا الله واعدلوا في أولادكم . فرجع أبي فرد تلك الصدقة )) . [5و4و6]
ومن أجل هذا الحق نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن التكبر والبطر بين البشر .
(( عن محمد بن زياد قال : سمعت أبا هريرة رضي الله عنه _ ورأى رجلاً يجر إزاره, فجعل يضرب الأرض برجله , وهو أمير على البحرين _ وهو يقول : جاء الأمير جاء الأميـر , قال رسـول الله (صلى الله عليه وسلم) : إن الله لا ينظر إلى من يجر إزاره بطراً )) [4و5]
(( عن أبي هريرة(رضي الله عنه) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهـم ولهم عذاب أليم : شيخ زان , وملك كذاب , وعائل مستكبر )) . [4]
وأعظم مثلاً في حياته (صلى الله عليه وسلم) أمر مسجد الضرار الذي بناه أهله بغية التفريق بين المؤمنين وظلم الناس ، ولما علم بذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمر بهدمه وحرقه رغم أنه كان مسجداً في ظاهره لعبادة الله تعالى .
(( فلما نزل بذى أوان , أتاه خبر المسجد , فدعا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مالك بن الدخشم , أخا بنى سالم بن عوف , ومعن بن عدى , أو أخاه عاصم بن عدى, أخا بني العجلان , فقال : انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله , فاهدماه وحرقاه . ونزل فيهم من القرآن ما نزل : " والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين" ... إلى آخر القصة )) [7]
فالناس جميعاً متكافئون في الحقوق والواجبات ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى وكذلك إن أكرمهم عند الله أتقاهم أي أن صفة التقوى هي التي تميز فقط بين البشر فما هي بالتحديد هذه الصفة ؟ ومن هم المتقون ؟ وهل تضر صفة التقوى بالبشر أم تنفعهم بالدنيا والآخرة ؟ ! والآية الكريمة التالية توجز لنا الأجوبة الشافية عن هذه الأسئلة :
" لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ " ( سورة البقرة 177)
فالمتقون هم الذين تتوفر فيهم كل هذه الصفات مجتمعة وسنعددها بالترتيب :
- الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين .
- إيتاء المال رغم حبه لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب
( أي لعتق رقاب العبيد وتحريرهم ) .
- إقامة الصلاة .
_ إيتاء الزكاة .
- الوفاء بالعهد .
- الصبر في البأساء والضراء وحين البأس .
- الصدق .
ويكرر الله تعالى صفة الصدق بآية أخرى مقرونة بالذي جاء بالصدق فيقول :
" وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ " ( سورة الزمر 33 )
وهذه الآية تحدد أكثر صفة المتقين فالمتقي يجب أن يكون صادقاً مع نفسه ومع الناس والله وهذه الصفة لا تتنافى مع كل الصفات التي ذكرناها سابقاً بل تشملها جميعاً وتركز على عدم الكذب على الله وتغيير كلامه الذي نزل على الرسل جميعاً والتصديق به والآية التالية وردت قبل الآية السابقة مباشرة وترفدها بالمعنى :
" فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِين ”
( سورة الزمر 32 )
وحتى لو وجدت كل صفات التقوى هذه بين البشر نجدها عندهم بدرجات مختلفة فمثلاً يتصدق إنسان بنصف ماله وآخر بربعه ويصبر مقاتل كثيراً في الحرب بينما يصبر آخر قليلاً ثم يستسلم وهكذا يوجد تقي وأتقى وأكرمكم عند الله أتقاكم .
ويوضح الله تعالى آياته ويفصلها من لدنه فيقول عن صفات التقوى وتفاضل البشر بها :
" أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ18/32أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ19/32وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ "
( سورة السجدة 18-20 )
" أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ " ( سورة الزمر 9 )
" لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ " ( سورة الحشر 20 )
" قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " ( سورة المائدة 100 )
" مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ " ( سورة آل عمران 179 )
" لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ " ( سورة الأنفال 37 )
" وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ " ( سورة يس 59 )
" أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " ( سورة التوبة 19 )
" لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا " ( سورة النساء 95 )
" وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ "
( سورة غافر 58 )
" وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ "
( سورة النحل 76)
" ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ " ( سورة النحل 75 )
" وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ " ( سورة الحديد 10 )
أي أن الله تعالى يميز من يسارع إلى الخيرات ويقدمهم عنده على الذين يلحقون بهم ليكون ذلك حافزاً للمؤمنين بالإسراع في فعل الخيرات قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة كما قال تعالى :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ " ( سورة البقرة 254 )
وبهذا نرى أن المساواة بين الأولاد والرعية واجبة في الإسلام وحق من حقوقه للإنسان ولكل فرد حرية الدخول من باب التقوى والارتقاء إلى أعلى درجاتها إذا رغبوا بإكرام الله تعالى لهم الذي خصهم به في قوله الكريم :
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " ( سورة الحجرات 13 )
فالاسلام جعل الانسان أشرف مخلوق على ظهر الأرض قال تعالى :ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا نفضيلا .) الاسراء -70
فالآية لفتت الانتباه الى مايكفل تمتع الانسان بالكرامة :تسخير البر والبحر :كدليل على تسخير الكون للإنسان وعدم اخضاعه لأى مخلوق آخر…!!
توفير الرزق بين جنبات الأرض يحفظ للإنسان كرامته ويبعده عن دائرة العوز والحاجة الى الرزق والتى تؤدى الى فقدان الكرامة عند ترك الانسان جائعا محتاجا الى من هم يملكون طعامه ..!!
التفضيل على الكثير من المخلوقات : يؤسس لكرامة البشرية بعدم اخضاع الانسان لسيطرة غيره ومنحه الكثير من المميزات التى تجعله الأفضل والأقدر على الامساك بزمام الحياة على سطح الأرض ..!!
آية أخرى تقول (هو الذى خلق لكم ما فى الارض جميعا ) سورة البقرة -29
هذه الآية تجعل تسخير الكون للإنسان –البشرية –منة من الله تعالى ودليل على التكريم الإلهى له لأنه أصبح هو الذى يملك حق الاستفادة والسيطرة على ماخلقه الله له ..ولو كان الإنسان لا يملك هذه المقدرة لتعرضت كرامته للسحق إذ يوجد من المخلوقات ما يفوقه قوة وحجما عشرات بل آلاف المرات على ظهر الأرض ..!!
قواعد شرعية سلوكية …لضمان كرامة الانسان .!
ما سبق من دلائل التكريم الإلهى للإنسان ..أدلة مادية …هناك أيضا قواعد سلوكية كفلتها الشريعة الاسلامية للحفاظ على كرامة الانسان ..وتوفير المناخ الإجتماعى لنموها وازدهارها …من ذلك مايلى :
حق الانسان فى إختيار عقيدته :لا اكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى ) البقرة 256
وكم من المجازر اغرقت الأرض لأن هناك فلسفات سيطرت على الأرض بقوة السلاح ورفضت منح الانسان هذا الحق …واقرب المجازر ماجرى فى وسط أوربا وعلى أرضها من مذابح لمسلمى البوسنة والهرسك على يد الصرب الارثوذكس …!!
حق الانسان فى جو أسرى مترابط نظيف : وهذا يحفظ كرامة الانسان جنينا ثم وليدا ثم طفلا فشابا وصولا الى فرد نافع فى المجتمع …والمتامل فى نفسيات أطفال الاسر المفككة أو الشوارع المكتظة يدرك أن كرامة الطفل تنشأ من أب يرعى حق الله فى اسرته وزوجة تعرف حدود مسئوليتها نحو الزوج والأبناء (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم واهليكم نارا وقودها الناس والحجارة )
حق اليتيم والضعيف والمحروم فى الحصول على تعامل انسانى يحفظ له كرامته ويكون عامل بناء ايجابى لشخصيته وذلك باستثارة مشاعر الحب والعطاء فى قلوب أفراد المجتمع حتى لا تتحول حاجته الفطرية الى الاب أو الأم الى خطر يهدد احساسه بالكرامة الانسانية (فاما اليتيم فلا تقهر واما السائل فلا تنهر )الضحى 9- 10
يقول عليه الصلاة والسلام أبغونى الضعفاء ..فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم )-رواه ابو داوود بإسناد حسن
***حق الفتاة فى اختيار زوجها :, حق الزوجة فى المعاملة الحسنة من زوجها ,حقها فى فض الارتباط الزوجى إذا أضر بحياتها الانسانية …كل ذلك يبنى فى الشخصية النسائية الكرامة وينمى الاحساس بالمسئولية أمام الله تعالى ..لان لاشيء يعدل الكرامة فى ايجاد نفسية سوية تتحمل المسئولية فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا )سورة النساء 34- والطاعة هنا ما وافق شرع الله تعالى .
***حق كبار السن فى البر والوفاء والاعتراف بالجميل ….هذا الحق لا يكفله الاسلام فقط ,ولا يدعو اليه وحسب ..بل إنه يجعله من اولويات العقيدة ومتطلبات الحصول على رضا الله تعالى .
والآباء والأمهات لا يجعلهم العقوق فاقدى السعادة والرغبة فى مواصلة الحياة فحسب بل إنه يؤدى قبل ذلك الى احساسهم بنوع مر من الذل والإحتياج لفلذات اكبادهم الذين اقتاتوا من دمائهم فيما سبق …!!
وحين يضع الاسلام بر الوالدين تاليا لعبادة الله وتوحيده فهذا يعنى التشديد على ضمان كرامة الأهل فى ستهم المتقدم ..وكأن الاسلام يحتفى بكرامة الاسلام جنينا فيأبى له المنشأ الملوث والقذر ويستقبله بكل صور الكرامة والعزة …وكذلك يكفل له بكل قوة أن يظل متمتعا بتلك الكرامة حتى مع آخر انفاسه على ظهر الارض …!!
ومن العجيب حقا أن الاسلام لا يترك للمسلمين خيارا فى بر آبائهم بل يأتى الخطاب الإلهى واضحا صريحا (ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله فى عامين ) يعقب هذه التوصية أمر شديد الوقع (أن اشكر لى ولوالديك )وحين ننظر الى واو العطف التى تجعل شكر الوالدين تاليا لشكر الله وكأنه ملحق به ودليل على وجوده الفعلى وكأن السؤال يصبح :كيف ستصدق أيها الانسان فى شكر الله تعالى إن لم تشكر لوالديك أيضا
ثم يكون التذكير بالعودة الى الله تعالى للحساب ونيل الجزاء (الى المصير )..سورة لقمان -14
وهكذا نرى ان الاسلام زرع فى النفس البشرية بذرة الكرامة والعزة وحرص على ان لا تكون بعض مراحل الطريق الانسانى - طفولة , قوامة ,إعاقة ,كهولة ,يُتم ,فقر ,فقدان - سببا فى التخلى عن الكرامة أو تحجيمها أو تحويرها لمزيد من السيطرة الظالمة أو التسلط المتعجرف
حفظ الاسلام لكرامة البشرية
كرامة الإنسان في الإسلام، وهو موضوع يشكل زاويةً مهمةً في رأي الإسلام ونظرته إلى الإنسان، لا بد أن نعرض عرضاً موجزاً نتائج هذا المبدأ، وتأثيره البالغ في تحقيق الهدف من الرسالة. فالخطوة الأولى في طريق تربية الإنسان ورفع مستواه في جميع حقول التكامل، هي في جعله يشعر بكرامته، ويهتم بشؤون نفسه، وإلا فسوف لا يولي لنفسه أي اهتمام، ولا يبذل لإصلاح وضعه أي نشاط، مهملاً حاضره ومستقبله وحتى ماضيه، فتُفقد في هذه الحالة إمكانية إقناعه بالسعي والعمل، وإمكانية التأثير عليه في دعوته لتحسين أموره وأوضاعه، والتحرك نحو الأفضل. ويبقى خاملاً جامداً لا مبالياً، مفضلاً استمراره في وضعه، على تحمل عناء الحركة وأعباء السعي والنشاط.
نحن لا ننكر أن حبّ الإنسان لنفسه، غريزة ثابتة فيه، تفرض عليه الدفاع عنها والسعي لجلب الخير لها. ولكن نقول إن هذه الغريزة تبقى نشيطة حسب مستوى الوعي البشري، فتعمل للخير الذي تجده متناسباً معها، وتصدّ ما تعتبره منافياً لها.
فحبّ النفس هو القوّة الدافعة للإنسان، ولكن الشعور بالكرامة فقط يحدد مقام الإنسان، ويرسم الخطوط العريضة لسيره، وتعيين أهدافه السامية، ويميز الخصوم وطريقة الدفاع.
ولا ننكر أيضاً، إمكان رفع مستوى الحياة الإنسانية بطريقة الضغط، وبفرض السعي والعمل، ولكننا نعتقد أن هذه الطريقة، ليست هي المفضّلة لتكامل الإنسان، بل فيها من النتائج السلبية والعقد النفسية، والنقص في النتائج وبقاء المسؤوليات على عاتق الأفراد دون الجماعات، ما يفرض الإعراض عن هذا الأسلوب. فلنترك هذا البحث الذي هو من اختصاص علماء النفس التربويين، ولندخل في دراستنا عن: الإسلام وكرامة الإنسان.
الإنسان خليفة الله على الأرض:
إن الإنسان في رأي الإسلام خليفة الله على الأرض، عالم بالأسماء كلها، مسجود له من جميع ملائكة الله.
{وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبِّح بحمدك ونقدِّس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون * وعلّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين * قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علّمتنا إنك أنت العليم الحكيم * قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون * وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا}[البقرة/30-34].
ومفهوم الخليفة، يوضح تمام الوضوح، استقلال البشر وحريته في التصرّف على الأرض. أما السبل المرسومة له والخطوط المكتوبة عليه، فهي النصائح التي قررها الله لخليفته الإنسان.
وتعليم الأسماء لآدم، الأسماء التي يعود إليها ضمير ; المختص بذوي العقول، وتأكيد الله لملائكته بعد اعترافهم بالعجز أنه يعلم غيب السماوات والأرض.
التعليم هذا والتأكيد، يعكسان في الذهن إمكانيات الإنسان الهائلة، وتمكنه من معرفة جميع الموجودات والقوة المتفاعلة في دائرة خلافته، والتي جعلت تحت تصرفه في حياته الرسالية.
وسجود الملائكة، وهم نخبة الموجودات، تأكيد صريح لخضوع كافة الموجودات للإنسان وإطاعتها له، وهذا المعنى سيبدو بوضوح أكثر فيما بعد.
فالاستقلال بالتصرف، والإمكانات الكبيرة، وخضوع عامة الموجودات، صفات ثلاث نفهمها من الآيات المذكورة، في عبارات هي أقصى حدود التكريم.
الإنسان وحرية التصرف:
وأعتقد أن شعور الملائكة باستقلال البشر في التصرف على الأرض، ومعرفتهم أن هذا الاستقلال لا يتم إلا إذا كان البشر يملكون الإحساس بالشرور ولديهم القدرة على ممارستها بعد أن تتمكن في داخل نفوسهم، هذا الشعور، هو الذي يجعل الملائكة يقولون إن الإنسان سوف يفسد في الأرض ويسفك الدماء. ومع ذلك، نرى أن هذا الخطر لا يقلل من مقام الإنسان وكرامته، بل يبرزه كشرط أساسي لاستقلال الإنسان وحريته في التصرف.
وإبليس في رأي القرآن هو الوحيد الذي أبى السجود لآدم، واستكبر عليه، فكان نصيبه الطرد من مقام ملكوت الله، وجزاؤه العذاب يوم البعث.
{فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين * قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين * قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين * قال فاخرج منها فإنك رجيم * وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين * قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم * قال فبعزتك لأغوينّهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين * قال فالحق والحق أقول * لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين}[ص/73-85].
وإبليس هذا الذي أصبح شيطاناً رجيماً بعد امتناعه عن السجود لآدم، هو من يقود جنود الشر في حياة الإنسان، ويجعل الصراع محتدماً في العالم كله، وفي نفس الإنسان. والمنتصرون في المعركة، المخلصون من عباد الله، هم ثمار الكون الذين من أجلهم خلق وأصبح ميداناً لخلافتهم.
والإنسان صنع على يد الله، وفيه روح الله.
{وإذ قال ربك * إني خالق بشراً من طين * فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين * فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلاّ إبليس استكبر وكان من الكافرين * قال يا أبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي}[ص/71-75].
فخلق الإنسان من جنس الأرض على يد الله، والنفخ فيه من روح الله، صورة واضحة عن الجوانب الوجودية الشاملة في الإنسان، والتي تمتدّ من الأرض إلى السماء، وهذا تعبير قوي أيضاً للكرامة التي يتمتع بها الإنسان.
وقد اعتبر الله الإنسان ذروةً في الخلق، وقمةً في الصنع {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون}[ التين/4-6].
{ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفةً في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقةً فخلقنا العلقة مضغةً فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين}[المؤمنون/12-14].
الإسلام ودعوة الإنسان إلى المعرفة:
جعل الله للإنسان من بين الموجودات كلها، ميزة كبيرة تمكّنه من أن يتخلق بأخلاق الله، ولهذا خلقه حراً يتمكن من العلم والمعرفة. ويحاول الإسلام في مواضيع عديدة في الكتاب والسنة التنبيه على هذه النقاط، ليرفع معنويات الإنسان ويشعره بمقامه المكرَّم، وبتفضيله على الكثير من الخلق: ;تخلقوا بأخلاق الله;.
{ولقد كرَّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً}[الإسراء/70].
ثم يعلن القرآن الكريم، بأن ما في الأرض وما حولها خلق للإنسان ومسخَّر له:{خلق لكم ما في الأرض جميعاً}[البقرة/29].
و{سخّر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخّرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون}[ النحل/12].
التعاليم الإسلامية تؤكد أن الله قريب جداً للإنسان، وهو أقرب إليه من أي شيء، فعلى الإنسان أن يشعر بهذا القرب ويقبل على الله لكي يجد قوّته واعتزازه.
{ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد}[ق/15].
{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}[البقرة/186].
{يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون}[الأنفال/24]. قلب المؤمن عرش الرحمن;.
والتأكيد على قرب الله من الإنسان يرفع كثيراً من معنوياته، ويسمو به عن الخوف والقلق والحزن، ويبعد عنه الكثير من الرذائل الخلقية، التي تنتج عن الضعف والخوف والطمع، كالكذب، والنفاق والحرص، ثم إن القرب لله يسهل الاكتساب منه والتخلق بأخلاقه.
وقد جعل الإنسان في الآيات القرآنية عدل الكون بأجمعه، في الدلالة على خالق العالم وعظمته ومعرفته، فاعتبر وحده عديل الآفاق، والحديث الشريف يجعل منه العالم الأكبر.
{سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق}[فصلت/53].
أتزعم أنك جـرم صغيـر وفيـك انطوى العالم الأكبر
وأنت الكتاب المبـين الذي بأحرفـه يظـهر المضـمر
والأمانة التي عجز الكون كله عن حملها، تمكن الإنسان من حملها:
{إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً * ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفوراً رحيماً}[الأحزاب/72-73].
ومهما كان تفسير الأمانة، ديناً أو معرفةً أو ولايةً أو شرف مسؤولية... مهما كان ذلك، فاختصاص حملها بالإنسان تكريم له وإشادة بمقامه العظيم.
مقام النبوّة:
وأخيراً، فمقام النبوّة مقام الرسالة الإلهية، مقام الخلّة، مقام التكلم مع الله، مقام الاصطفاء، مقام المحبة مع الله، مقام كلمة الله، مقامات خصصت بالعنصر البشري، وهي أشرف ما يصل إليه مخلوق على الإطلاق.
{لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم}[ آل عمران/164].
{ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليه ما يلبسون}[الأنعام/9].
وكثير غيرها من الآيات القرآنية الدالة على اصطفاء الله لرسله، وعلى ما ذكرنا من الوصف.
هذه نبذة موجزة عن تعريف الإنسان المشرّف، وتفسيره التكريمي عند الإسلام، فلندخل الآن في بعض التفاصيل والتعاليم الموضوعة لصيانة كرامة الإنسان في بعض جوانب وجوده أو جميعها.
ثم يدخل الإسلام في أسس تفاصيل وجود الإنسان، ويعتمد في تشريع أحكامه وسن قوانينه، على قاعدة تكريم الإنسان، ويعتبر هذا المبدأ هدفاً رئيسياً من أهداف الدين ومن غايات الرسالة.
وهذه نبذة من تلك التعاليم:
أ ـ فطرة الله:
الدين بصورة موجزة، هو فطرة الله التي فطر الناس عليها، والدين هو التعبير الواقعي والفعلي لهذه الفطرة، وإبرازها إبرازاً غير متأثر بالعوامل المختلفة الخارجة عن طبيعة الإنسان.
{فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيَّم ولكن أكثر الناس لا يعلمون}[الروم/30].
وهذا ما أكّده الحديث الشريف الوارد في تفسير الآية الكريمة: ;إن كل مولود يولد على الفطرة;.
فالدين بموجب هذه التعاليم، هو فطرة الإنسان، ولكن الإنسان نفسه لا يتمكن أن يعبر عنها، لأنه يتأثر بالعوامل التي تحيط به وينفعل بها، فشعوره بنفسه وتعبيره عن فطرته، يكسب لوناً خاصاً.
فالصحيح أن يعبر عن هذه الفطرة الإنسانية مقامٌ آخر، لا يتأثر بالعوامل الخارجة عن الإنسان.
مقام هو فوق كل عامل وخالق كل مؤثر.
مقام الله، الذي شرع الدين واعتبر الفطرة الإنسانية المخلوقة شريعته ورسالته.
ب ـ حفظ النفس والآخرين:
احترم الإسلام حياة الإنسان، واعتبر من أحياها كأنما أحيا الناس جميعاً، ومن قتلها متعمداً كأنه قتل الناس جميعاً وجزاؤه جهنم.
{من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً}[المائدة/32].
ويشمل قتل النفس حسب التعاليم الإسلامية، قتل الجنين أيضاً، ولم يسمح الإسلام بأن يتصرف الإنسان بنفسه بالانتحار، اعتباراً منه بأن حياته ملك له. وحرّم ذلك تحريماً قاطعاً، فقال تعالى:
{ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً}[النساء/29].
وجعل في قتل الخطأ ديةً لوليّ الدم، وقد أصبح اليوم قانوناً عاماً، مع العلم أنه من التشريعات الإسلامية. ويبالغ الإسلام في وجوب حفظ نفس الآخرين، ويهدد الذين يهملون شؤون فقرائهم وأيتامهم، بحيث يؤدي إلى موت أحدهم فقراً وعجزاً:
{وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}[البقرة/195].
{وما تنفقوا من خير يعرفّ إليكم وأنتم لا تظلمون}.
{وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذريةً ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً}[النساء/9].
وفي الحديث عن الإمام الصادق(ع) يقول: ;لأن أعول أهل بيت من المسلمين، فأكسي عريهم، وأشبع جياعهم، أحب عند الله من حجة وحجة إلى سبعين حجة;.
ج ـ التحرر الجوهري:
ونزَّه الإسلام مقام الإنسان، فحرّم عليه عبادة الأصنام، وعبادة البشر، وعبادة كل شخص أو شيء، واعتبر الإنسان أرفع من أن يعبد غير الله، ويخضع أمام محدود مثله. وفي كثير من التعاليم الإسلامية، نجد تحذيراً ومنعاً من طلب الحاجة من غير الله.
د ـ قدسيّة الكلمة:
ووردت تعاليم كثيرة تعتمد على تكريم ما يتلفظ به الإنسان باعتباره جزءاً منه، ولذا أوجب صيانة القول، وجعل تسديده مفتاحاً لجلب كلِّ خير ولدفع كل شر.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم}[الأحزاب/70-71].
وقد فُسِّر: تسديد القول في مواضع شتى من التعاليم أنه منع عن: الكذب والاغتياب والتهمة والنميمة والبذاءة والفحش واللهو وحتى اللغو في القول.
أما الشهادة، فقد أعطيت عناية خاصة في الإسلام، فقد وجب تحملها أو أداؤها، وبها تثبت الدعاوى وتستقر الحقوق وتتحقق العقوبات، ولكنها لا تقبل إلا من الإنسان العدل، واعتبرت شهادة الزور من المعاصي الكبيرة ويستحق مؤديها عقوبة كبرى في بعض الأمور الجزائية.
والعهد، وهو الالتزام اللفظي، محترم في الإسلام ;إن العهد كان مسؤولاً
والالتزامات اللفظية المتبادلة التي يعبر عنها بالعقود، أوجب الوفاء بها، ونهى عن التخلّف عنها.
{يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}[المائدة/1]
{وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً}[النساء/21].
وحتى الوعد اللفظي يعتبر محترماً، وقد عبر عنه الحديث الشريف;عدة المؤمن دينه;، والالتزامات اللفظية التي تدخل ضمن العقود، تصبح واجبة الوفاء، ويعبر عنها بالشروط.;المسلمون عند شروطهم، إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً.
والشروط هذه تعتبر وسيلة كافية لجعل العقود والمعاملات تنطبق على الحاجات المختلفة، وتؤدي المتطلبات المتزايدة من الالتزامات.
واللفظ يحترم في الإسلام إلى حدّ جعله سبيلاً للدخول في الدين، فيكفي الإدلاء بالشهادة لله بالوحدانية، ولمحمد بالرسالة، ليتحقق الانتماء إلى الإسلام، وقد نهى عن التنكر لمثل هذا الاعتراف:
{ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدينا}[النساء/94].
وقد جعل للكتابة ما للفظ في أكثر الأحيان، وأعتقد أن التأكيد الشديد الصادر عن الإسلام، حول محاسبة الإنسان على كل كلمة يتلفظ بها، وأن الله يسجلها بواسطة كرام كاتبين، هذا التأكيد يشكّل نوعاً من الصيانة والتكريم، فالألفاظ الصادرة عن المكرمين، هي التي يعتنى بها من دون سواها. فالاهتمام بتسجيل كلمات الإنسان، معناه الاهتمام بأمره والاعتراف بتكريمه.
{ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}[ق/18].
{وإن عليكم لحافظين * كراماً كاتبين * يعلمون ما تفعلون}[الإنفطار/10-11].
وبعد هذه التكريم يتوعد ابليس باذلال كيان الانسان و اهانة النفخة من روح الله التي في داخله:
وإبليس الذي أصبح شيطاناً رجيماً بعد امتناعه عن السجود لآدم، هو من يقود جنود الشر في حياة الإنسان، ويجعل الصراع محتدماً في العالم كله، وفي نفس الإنسان. والمنتصرون في المعركة، المخلصون من عباد الله، هم ثمار الكون الذين من أجلهم خلق وأصبح ميداناً لخلافتهم العديدة تفرقهم , و الكثير ممن استهواهم الشيطان وزين لهم طريق وعرا يتمثل في البعد عن الدعاء والسعي والعمل وطلب الخوارق والمعجزات في الشفاء والحلول
قلبوا الحقائق ، فحولوا الإنسان من سيد سخر له الكون إلى عبد ذليل يتخبط ضائعا بين الطرق
فاهم خطوات الشيطان
الاستدراج
يتتكلم الشيطان فى القران
{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ }ص82
قال إبليس: فبعزتك- يا رب- وعظمتك لأضلنَّ بني آدم أجمعين,
{قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً }الإسراء62
وقال إبليس جراءة على الله وكفرًا به: أرأيت هذا المخلوق الذي ميزته عليَّ؟ لئن أبقيتني حيًا إلى يوم القيامة لأستولينَّ على ذريته بالإغواء والإفساد، إلا المخلصين منهم في الإيمان، وهم قليل.
يستحيل ان يوسوس الشيطان للكبائر فجاءه لابد من التسلسل للوصول اليها بداية من الصغائر التى لاتكاد تذكر
والتى يستهين بها الكثير ثم الصعود الى الكبائر ثم الكفر بالتدرج حتى وان استمرت خطته اعوام وهذه خطة الشيطان منذ خلق البشر
الاستدراج للوصول الى الكفر بالله لانه يريد شركاء له فى النار فالانسان عندما يقع فى اغلب المعاصى والكبائر البعض يصاب بالياس الى ان يصل للكفر واحيانا يصل الى الانتحار
إن خطة الشيطان التي وضعها للإيقاع بنا في حبائله، وإلقائنا في جهنم يوم الحساب هي خطة ماكرة، وعلينا أن نعترف بأن الشيطان قد بلغ درجة من المكر والدهاء، فهو يجدد في وسائله و"يبدع" في حيله لجذب المسلم للمعاصي، وإلهائه عن الطاعات، فلا تدع الدهشة تجعلك تتعجب من الوصف السابق للشيطان؛ لأنه كذلك فعلاً، فهو لا يسلك نفس الطريق لنفس الشخص على مدار حياته.
فالشاب في أثناء دراسته تكون له طريقة في التفكير، وحين يتقدم في العمر يستخدم الشيطان وسيلة مختلفة للإيقاع به في المعاصي، وحين يتزوج يصير الهم الأول للشيطان أن يوقع بين الزوجين؛ لأن هذا يعد -بالنسبة للشيطان- نصرا كبيرا. فإبليس يحتفي بهذا كثيرا، ويسيطر على الفاشلين في حياتهم الزوجية سيطرة كبيرة، فمعظم الفاشلين في حياتهم الزوجية هم من خريجي مدرسة "إبليس" لعنه الله!.
ولإبليس مداخل خاصة للمرأة، تدور في معظمها حول استخدام جسدها في فتنة الرجال وإغرائهم؛ حيث يسول لها أن هذا الجمال الذي تتمتع به هو من نعم الله عز وجل، وأن الله جميل يحب الجمال، ووو... إلخ، كما يسول للرجال أن ينظروا إليها، واهما إياهم بأن هذه النظرة ليس عليها إثم... حتى يوقعهما فيما يغضب الله.
كما أن شيطان الشخص الأمي الذي لا يعرف القراءة والكتابة يختلف عن شيطان مهندس الكمبيوتر- مثلاً- في طريقة الدخول على الإنسان والوسوسة له، فلكلٍّ شيطانه، وكلها أمور تختلف من شخص لآخر، وهذا أمر بديهي ومتعارف عليه، ويدلل في الوقت نفسه على مكر الشيطان وخبثه.
ولا ييأس الشيطان عن إغواء الإنسان، فهو يعمل ليل نهار بلا كلل ولا ملل، ولا يحصل على إجازة، وفيما يعتبر البعض أن شهر رمضان (المبارك) إجازة سنوية للشيطان؛ فإن عددا من العلماء يرون أن التصفيد معنوي، وأن الشيطان يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره من الشهور، ليواجه المد الإيماني للمسلم المتمثل في حالة الإقبال على الله بفعل الطاعات، وترك المنكرات.
فيوسوس الشيطان للموظف المرتشي حين يقبل الرشوة -لأول مرة- بأنها ستكون مرة وحيدة ولن يكررها مرة أخرى، أو يزيف وعيه، ويجعله يرى العالم كله لا يتحدث إلا بـ"لغة الرشوة"، فيسهل له هذا الطريق نحو مزيد من الرشاوى، ويعدل من طريقته أحيانا أخرى بأن يسمي
9/13/2019, 11:30 من طرف Sanae
» المهندسين خ
7/1/2015, 04:18 من طرف زائر
» المهندسين خ
7/1/2015, 04:13 من طرف زائر
» تليفونات برنامج صبايا الخير بقناة النهار
6/27/2015, 09:30 من طرف زائر
» طلب مساعده عاجل
6/21/2015, 14:28 من طرف fatim fatima
» اغاثه
6/17/2015, 10:03 من طرف زائر
» موضوع مهم جدا وأرجو ألا تغفلوا عنه وأرجو ابتواصل
6/17/2015, 09:59 من طرف زائر
» موضوع مهم جدا وأرجو ألا تغفلوا عنه وأرجو ابتواصل
6/17/2015, 09:56 من طرف زائر