نهايه حمار

يقال أن الحمير كانت تتحدث قديماً كما يتحدث البشر .. وأن ربط ألسنتها يعود إلى حادثة قديمة جداً، حيث يحكى أن حماراً متغطرساً كان يحب الرعي بعيداً عن أسرته، حيث يختص نفسه بالمراعى الجيدة تاركا لهم خشاش الأرض .. فجأة تناهت إلى أنفه رائحة ذئب .. بدأ يستنشق بعمق..كان الهواء يحمل رائحة ذئب بالفعل ، لكن الحمار المغرور خدع نفسه بالقول : أبداً انه ليس ذئباً.. ثم تابع الرعي ( بحميره) .. كانت رائحة الذئب تزداد ، ويزداد معها الخوف ، لكنه تظاهر بالشجاعة واللامبالاة ، مبررا لنفسه بالقول : لماذا سيأتي الذئب إلى هنا؟ ولماذا يأكلني؟ أنا لست مثل بقية الحمير .. فجأة تناهى إلى سمعه صوت ذئب ، ولأنه غير راض بمجيء الذئب، فقد تابع قضم العشب وهو يقول لنفسه بغباء هادئ : اطمئن ، فهذا ليس صوت ذئب .. إنها مجرد تهيؤات.. فالذئب مشغول ولاشك بحمار آخر ؟! .. فجأة ظهر الذئب على قمة الجبل المقابل فسيطر الرعب على قلبه لكنه قال (بتناحه ) : أتمنى أن يكون ما أراه ليس ذئباً ، وان كل خوفي لا معنى له.. ازداد خوفه عندما رأى الذئب يعدو خلف الأشجار، ولكن لأنه غير راغب في مجيء الذئب، خدع نفسه مرة أخرى بالقول : إن شاء الله لا يكون ذئباً ..أما بقي للذئب مكان آخر حتى يأتي إلى هنا ؟ .. لم تعد عيناي سليمتين، لهذا فإنني ظننت أن خيال الأشجار ذئب.. اقترب الذئب أكثر، و عندما صارت المسافة بينهما خمسين خطوة ، كرر نفس الكذب على نفسه قائلا ً: جعل الله بقدرته هذا المخلوق الذي أراه ليس ذئباً..لعله جمل أو فيل، بل يمكن ألا يكون شيئاً البتة.. اقترب الذئب مكشراً عن أنيابه، وعندما بقي بينهما عدة خطوات، قال الحمار : أنا أعرف أن هذا القادم ليس ذئباً، ولكن لا ضرر في أن أقدم تنازلاً بسيطاً بان أبتعد قليلاً عن المكان .. بدأ المسير .. ثم نظر خلفه فوجد الذئب يتبعه وهنا بدأ بالدعاء والتوسل : يا رب لا تجعل هذا الذي يتبعني ذئباً حتى ولو كان كذلك ؟! .. بدأ يعدو، وركض الذئب خلفه.. ركض الحمار بكل ما تقوى عليه قوائمه، وهو يقول في داخله : إنه ليس ذئباً حتى لو كان كذلك.. اللهم لا تجعله ذئباً.. وعندما شعر بأنفاس الذئب الساخنة تحت ذيله، قال لنفسه: أراهن انه ليس ذئباً.. لا يمكن أن يكون المخلوق الذي أشعر بأنفاسه تحت قدميّ ذئباً.. لماذا يأكلني الذئب ، أنا لست حمارا عادياً .. وعندما لامس فم الذئب الرطب ما بين قدميه انهار الحمار تماماً.. التفت خلفه، فوجد الذئب يهم بالقفز عليه.. تجمد تحت تأثير نظرات الذئب الحادة فما عاد يستطيع أن يخطو ، حاول أن يناور، أن يقاوم ..ان يقدم مزيدا من التنازلات ، لكن الذئب كان جائعاً وشرساً .. فأغمض عينيه كي لا يرى الذئب، وبدأ بالتمتمة : إنه ليس ذئباً بمشيئة الله..غرز الذئب أنيابه الحادة في ظهره، وقضم قطعة كبيرة هوى معها الحمار على الأرض.. نهشه الذئب من رقبته وعندئذ بدأ يصرخ : إنه ذئب انه ذئب .. ومن شدة خوفه انعقد لسانه و نسي اللغة.. سمعت الحمير كلها صراخ الحمار و هو يتمزق بين أنياب الذئب.. وهكذا يقال إن الحمير نسيت الكلام منذ ذلك اليوم، وبدأت تعبر عن أفكارها وآلامها وخوفها بواسطة النهيق ! .
·مخرج :
هذه قصة للكاتب التركي الساخر (عزيز نيسين) نقلتها لكم بشيء من التصرف .. القصة خيالية كما رأيتم ، وأي تشابه بين أحداثها أو شخصياتها الرئيسية وبين الواقع المشاهد في بعض الدول العربية ، هو من قبيل الصدفة