بقلم: د. حسين شحاتة
هناك أولويات إسلامية يجب الالتزام بها في جميع حياة المسلم، ولقد رتَّب الفقهاء هذه الأولويات على النحو التالي: الضروريات، فالحاجيات، فالتحسينات (الكماليات)، ولا يجوز شرعًا على المسلم أن يُنفق على الحاجيات قبل كفاية الضروريات، وكذلك لا يجوز له الإنفاق على التحسينات قبل كفاية الضروريات والحاجيات، وإن فعل يكون تصرفه غير رشيد ويأثم، كما لا يجوز له أن يستدين أو يتسول أو يقتر في الضروريات والحاجيات من أجل التحسينات، وإن فعل يكون سفيهًا، ويدخل في نطاق ما نهى الشرع عنه.
- لماذا اعتاد الناس على شراء الحلوى في ذكرى ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
لقد اعتاد المسلمون منذ العهد الفاطمي صُنع وشراء الحلوى ونحو ذلك في ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، ربما لا يدري معظمهم ما هو القصد أو الغاية من ذلك فأغلب الظن أنها توارثوها جيلاً بعد جيل، ولئن سألتهم ليقولن وجدنا آباءنا كذلك يفعلون، ومنهم مَن يقول لإدخال الفرح والسرور على الأطفال.
وهناك مبررات لا سندَ لها من الدين أو الشرع أو من حياة الصحابة ومن والاهم..
كما أن ليس له علاقة بالتأسي بقيم وخلق وسلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يدخل في نطاق الفرائض ولا الواجبات أو المندوبات أو المستحبات، ولكنها من العادات التي ليس لها دليل من الكتاب والسنة.
- حكم عادة حلوى ذكرى المولد الشريف في الفقه الإسلامي:
الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما حُرِّم بنص صريح من القرآن والسنة، كما أن الحلوى وما في حكمها لا يعتبر من الخبائث المحرمة في الشريعة الإسلامية، ودليل ذلك من القرآن الكريم هو قول الله تبارك وتعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (الأعراف: 32)، وقوله تبارك وتعالى: (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ) (طه: 81)، كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلوا واشربوا وتصدقوا من غير مخيلةٍ ولا سرف، فإن الله يحب أن يرى نعمته على عبده" (أخرجه أحمد والنسائي).
وتأسيسًا على ذلك لا يوجد دليل قطعي الدلالة على أن صناعة وشراء الحلوى في ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم حرام، ولكن الأولى توفير ثمنها لإطعام البائس الفقير.
- عادة حلوى ذكرى المولد الشريف في سلم الأولويات الإسلامية في وقت الأزمات:
د. حسين شحاتة |
فعلى سبيل المثال: ربة المنزل الفقيرة التي لا تجد ثمن الضروريات والحاجيات للمأكل والمشرب والملبس والمأوى... وثمن الدواء وتكاليف التعليم.. ونحو ذلك وتقوم بالاقتراض واستبدال التحسينات بالضروريات يكون في تصرفها هذا سفه وإن كانت تقوم بذلك من أجل التقليد والمباهاة والمظهرية فيكون هذا التصرف من الأمور المنهي عنها.
أما بخصوص ربة المنزل الغنية التي وسَّع الله عليها في الرزق وحققت كفايةً في الضروريات والحاجيات، فليس عليها من حرج في صنع أو شراء الحلوى ونحوه بشرط أن لا يكون في ذلك إسرافًا وتبذيرًا وترفًا ومظهريةً، منضبطةً في ذلك بقول الله تبارك وتعالى:
(والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكــان بيــــن ذلك قواما) (الفرقان: 67)، ملتزمةً بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول: "إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئًا" (رواه الطبراني)، ويعني ذلك أن ربة البيت المقتصدة غير المفسدة تُؤجر على ذلك.
وفي ظلِّ الأزمات الاقتصادية المعاصرة حيث لا يجد الفقير والمسكين الطعام والشراب والعلاج والملبس والمأوي يقوم الأغنياء بالإنفاق على الكماليات والترفيات، لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من بات شبعان وجاره جائع.. الحديث"، وقال صلى الله عليه وسلم: ".... إنما يشقى الفقراء بصنيع الأغنياء"، وفي هذا المقام نناشد الأغنياء الذين يشترون الحلوى أن ينفقوا ثمنها على شراء ضروريات الفقراء ففي ذلك ثواب عظيم لهم.
- عادة حلوى المولد في ضوء الاقتصاد الإسلامي:
من مقاصد الاقتصاد الإسلامي هو تحقيق الإشباع الروحي والمادي للإنسان لكي يحيى حياة كفاية وأمن واطمئنان ويقوى على عبادة الله عز وجل، ويجب أن يكون تصرف رب البيت رشيدًا فيما رزقه الله من الكسب الطيب؛ حيث يسأل عن ذلك يوم القيامة: يسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وتعتبر عادة الحلوى في ضوء الاقتصاد الإسلامي توجيهًا لجزء من موارد الأمة الإسلامية الأساسية، وهي الدقيق والسمن والسكر من صنع الضروريات والحاجيات للناس مثل الخبز وصنع الطعام، ونحو ذلك إلى صناعة التحسينات التي لا تتعلق بالعبادة، ويمكن الاستغناء عنها في ظل ظروف دولة مثل مصر؛ حيث تستورد أربعة أخماس رغيف العيش وتستورد الدقيق والسمن وكذلك السكر، وربما تقترض الدولة بالربا لكي توفر ذلك للناس، فهل يعتبر ذلك تصرفًا رشيدًا أن نهتم بالتحسينات وليس لدينا كفاية من الضروريات؟!.
وتأسيسًا على ذلك تؤثر صناعة الحلوى ونحوه على الضروريات والحاجيات، وبذلك تسبب إرهاقًا واضحًا على موازنة الدولة، وبالتالي على موازنة البيت.. كما أن هذه الصناعة لا تحقق التنمية الاقتصادية ولا تمثل إضافةً إلى الاستثمارات لتشغيل العاطلين، وأضعف الإيمان أنها في نظر الاقتصاد الإسلامي تصرف غير رشيد لموارد ضرورية للناس والأولى توجيه ثمنها لإطعام البائس الفقير أو لعلاج المريض الفقير أو لكسوة العريان الفقير.
- أثر عادة حلوى المولد على ميزانية البيت المسلم في ضوء الاقتصاد الإسلامي:
على مستوى البيت لفئة متوسطي الدخل والفقراء تمثل صناعة وشراء حلوى المولد هذه إرهاقًا وعبئًا على ميزانية البيت، كما تُسبب في بعض الأحيان عجزًا يؤدي إلى الاقتراض أو تأجيل بعض النفقات الضرورية التي يكون البيت في أشد الحاجة إليها، وكثيرًا ما يحدث خلل واضح في ميزانية البيت المسلم بسبب النفقات التحسينية ومنها ما ينفق على شراء الحلوى ونحوه.
وفي هذا المقام يجب على ربة البيت أن تلتزم بالقواعد والأحكام الشرعية عندما تدبر شئون بيتها ومنها:
- الاقتصاد في النفقات وإطعام الفقير والمسكين وعلاج المريض الفقير
- ترتيب النفقات وفقًا لسلم الأولويات الإسلامية: الضروريات فالحاجيات فالتحسينات
- تحريم الإنفاق المظهري والترفي والتقليد الأعمى؛ لأن في ذلك إرهاقًا لميزانية البيت
- أداء حقوق الغير في المال مثل الزكاة وصدقة الفطر والصدقات التطوعية والكفايات.
إن الالتزام بهذه الضوابط الشرعية يحقق لميزانية البيت المسلم الاستقرار وتجنبه الاقتراض إلا عند الضرورة يسوده السكينة والمودة والمحبة.
وعلى مستوى ميزانية البيت لفئة الأغنياء الذين بسط الله لهم الرزق نجد أن الله عز وجل لا يُحرِّم عليهم الطيبات، ولكن من باب الورع والتقوى والتكافل الاجتماعي يكون من الأفضل توجيه قيمة ما يُنفق على الحلوى إلى الفقراء والمساكين واليتامى والأرامل والمجاهدين في سبيل الله.
- نداء إلى الأغنياء في ذكرى المولد النبوي الشريف:
إن لكم إخوةً في الله من الفقراء والمساكين والمرضى وممن أثقلتهم الديون لا يجدون ما ينفقون على الضروريات مثل رغيف الخبز والدواء والكساء والمأوى، فوفروا لهم ما يحتاجون ولا سيما أن الدولة عاجزة عن توفير الحياة الكريمة لهم؛ بسبب ما تمر به من أزمةٍ ماليةٍ طاحنة ناجمة من تراكمات الظلم الاجتماعي في الحكم السابق.. تذكروا قول الرســول صلى الله عليه وسلم "ليس منا من بات شعبان وجاره جائع وهو يعلم "، وقال أيضًا: " ..... ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له " (رواه مسلم).
إن هناك يتامى لا يجدون ثمن الطعام والشراب والملبس أو نفقات المدرسة، ألا تحبون أن تدخلوا عليهم الفرح والبهجة والسرور .....وإن لكم إخوة في الدول الإسلامية يجاهدون في سبيل الله، ألا تحبون أن تنالوا ثواب المجاهدين كما قال صلى الله عليه وسلم: "مَن جهَّز غازيًا أو خلفه في أهله بخير فقد غزا".
أليس من الأورع والأثوب أن تحولوا ما ينفق على شراء أو صناعة الحلوى وغيره إلى الفقراء والمساكين والأرامل واليتامى والمجاهدين في سبيل الله حتى يكون لكم ثواب عظيم، ويكون ذلك في ميزان حسناتكم يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرًا..قًّا إنما يشقى الفقراء بصنيع الأغنياء.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
------------
* الأستاذ بجامعة الأزهر- خبير استشاري في المعاملات المالية الشرعية
9/13/2019, 11:30 من طرف Sanae
» المهندسين خ
7/1/2015, 04:18 من طرف زائر
» المهندسين خ
7/1/2015, 04:13 من طرف زائر
» تليفونات برنامج صبايا الخير بقناة النهار
6/27/2015, 09:30 من طرف زائر
» طلب مساعده عاجل
6/21/2015, 14:28 من طرف fatim fatima
» اغاثه
6/17/2015, 10:03 من طرف زائر
» موضوع مهم جدا وأرجو ألا تغفلوا عنه وأرجو ابتواصل
6/17/2015, 09:59 من طرف زائر
» موضوع مهم جدا وأرجو ألا تغفلوا عنه وأرجو ابتواصل
6/17/2015, 09:56 من طرف زائر