أولئك هم الراضون بقضاء الله وقدره {2}
عن الأصمعى قال: خرجت أنا و صديق لى إلى البادية، فضللنا الطريق، فإذا نحن بخيمة عن يمين الطريق فقصدناها فسلّمنا، فإذا امرأةٌ ترد علينا السلام، قالت : ما أنتم؟ قلنا : قوم ضالّون عن الطريق أتيناكم فأنسنا بكم، فقالت : يا هؤلاء ولّوا وجوهكم عنى حتى أقضى من حقكم ما أنتم له أهلٌ. ففعلنا فألقت لنا مسْحاً –أى خرقة- فقالت : اجلسوا عليه إلى أن يأتى ابني. ثم جعلتْ ترفع طرف الخيمة و تردها إلى أن رفعتها فقالت :
أسأل الله بركة المقبِل! أما البعير فبعير ابني، و أما الراكب فليس بابني. فوقف الراكب عليها فقال : يا أم عقيل أعظم الله أجرك فى عقيل قالت :ويحك ! مات ابني؟ قال : نعم قالت : و ما سبب موته ؟ قال : ازدحمت عليه الإبل فرمت به فى البئر فقالت : انزل فاقض ذِمام القوم. ودفعت إليه كبشاً فذبحه و أصلحه، وقرّب إلينا الطعام، فجعلنا نأكل و نتعجب من صَبرها! فلما فرغنا خرجتْ إلينا و قد تكوّرت فقالت : يا هؤلاء هل فيكم من أحدٍ يحسن من كتاب الله شيئا؟ قلت : نعم، قالت: اقرأ من كتاب الله آياتٍ أتعزّى بها، قلت : يقول الله عز و جل فى كتابه : { وبشر الصابرين* الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } (البقرة:155-157)، قالت: آلله إنها لفى كتاب الله هكذا ؟ قلت : آلله إنها لفى كتاب الله هكذا ! قالت : السلام عليكم ثم صفّت قدميها وصلت ركعات ثم قالت : { إنا لله و إنا إليه راجعون } عند الله أحتسب عقيلاً -تقول ذلك ثلاثاً-، اللهم إنى فعلت ما أمرتنى به، فأنجز لى ما وعدتني.
وعن البراء المازنى رحمه الله قال: مات فى الطاعون لصدقة بن عامر المازنى سبعة بنين فى يوم واحد، فدخل، فوجدهم قد سُجّوا جميعاً-أى كفّنوا-، فقال: اللهم، إنى مُسلِم مُسَلِّم.
وعن عقبة أنه مات له ابن يُقال له: يحيى ؛ فلما نزل فى قبره قال له رجل: والله! إن كان لسيّد الجيش فاحتسبه، فقال عقبة : وما يمنعنى أن أحتسبه وقد كان من زينة الحياة الدنيا، وهو اليوم من الباقيات الصالحات.
وعن عبد الرحمن بن عمر قال : دخلتُ على امرأةٍ من العرب بأعلى الأرض فى خباءٍ لها وبين يديها بنى لها قد نزل به الموت، فقامت إليه فأغمضته وعصّبته وسجّته، ثم قالت: يا ابن أخي، قلت:ما تشائين؟ قالت: ما أحقّ من ألبس النّعمة وأطيلت به النّظرة أن لا يدع التّوثق من نفسه قبل حلّ عقدته والحلول بعقوته والمحالة بينه وبين نفسه؟، قال: وما يقطر من عينها قطرةٌ صبراً واحتساباً، ثم نظرت إليه فقالت: واللّه ما كان مالك لبطنك ولا أمرُك لعرسك! ثم أنشدت تقول:
رحيب الذّراع بالتى لا تشينه ... وإن كانت الفحشاء ضاق بها ذرعا
وكان صلة بن أشيم فى غزوة ومعه ابن له فقال: أى بني، تقدم فقاتل حتى أحتسبك،فقاتل حتى قُتل، فاجتمعت النساء عند امرأته معاذة العدوية فقالت: مرحباً، إن كنتن جئتن لتهنئننى فمرحباً بكن؛ وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن
وذكر ابن حبّان فى الثقات عن عبد الله بن محمد قال : " خرجت إلى ساحل البحر مرابطاً، فلما انتهيت إلى الساحل إذا أنا بخيمة فيها رجل قد ذهب يداه ورجلاه، وثقل سمعه وبصره، وما له من جارحة تنفعه إلا لسانه وهو يقول : اللهم أوزعنى أن أحمدك حمداً أكافىء به شكر نعمتك التى أنعمت بها عليّ، وفضّلتنى على كثير ممن خلقتَ تفضيلاً، فقلت : والله لآتين هذا الرجل ولأسألنه أنّى له هذا الكلام!!، فأتيت الرجل فسلّمت عليه فقلت :سمعتك وأنت تقول اللهم أوزعنى أن أحمدك حمداً أكافىء به شكر نعمتك التى أنعمت بها على وفضّلتنى على كثير ممن خلقتَ تفضيلاً، فأى نعمة من نعم الله عليك تحمده عليها!؟، وأى فضيله تفضّل بها عليك تشكره عليها !!؟، قال : أوما ترى ما صنع ربي!! والله لو أرسل السماء على ناراً فأحرقتني، وأمر الجبال فدمّرتني، وأمر البحار فغرّقتني، وأمر الأرض فبلعتني، ما ازددت لربى إلا شكراً ؛ لما أنعم على من لسانى هذا، ولكن يا عبد الله إذ أتيتنى فإن لى إليك حاجة، قد ترانى على أى حالة أنا، أنا لست أقدر لنفسى على ضرّ ولا نفع، ولقد كان معى ابن لى يتعاهدنى فى وقت صلاتى فيوضّيني، وإذا جعت أطعمني، وإذا عطشت سقاني، ولقد فقدته منذ ثلاثة أيام، فتحسّسه لى رحمك الله .فقلت : والله ما مشى خلق فى حاجة خلق كان أعظم عند الله أجرا ممن يمشى فى حاجة مثلك . فمضيت فى طلب الغلام، فما مضيت غير بعيد حتى صرت بين كثبان من الرمل، فإذا أنا بالغلام قد افترسه سبعٌ وأكل لحمه، فاسترجعت وقلت : بأى شيء أخبر صاحبنا ؟ فبينما أنا مقبل نحوه إذ خطر على قلبى ذكر أيوب النبى -صلى الله عليه وسلم-، فلما أتيته سلّمت عليه، فرد على السلام، فقال : ألست بصاحبي؟، قلت : بلى، قال : ما فعلت فى حاجتي؟، فقلت : أنت أكرم على الله أم أيوب النبي؟، قال : بل أيوب النبى !!، قلت: هل علمت ما صنع به ربه؟ أليس قد ابتلاه بماله وآله وولده؟، قال : بلى، قلت :فكيف وجده؟، قال : وجده صابراً شاكراً حامداً!!، قلت : لم يرض منه ذلك حتى أوحش من أقربائه وأحبائه ؟، قال : نعم، قلت : فكيف وجده ربه ؟، قال : وجده صابراً شاكراً حامداً!!، قلت : فلم يرض منه بذلك حتى صيره عرضا لمارّ الطريق، هل علمت ذلك ؟، قال: نعم، قلت : فكيف وجده ربه ؟، قال : صابراً شاكراً حامداً!! ، أوجز رحمك الله !!قلت له : إن الغلام الذى أرسلتنى فى طلبه وجدته بين كثبان الرمل، وقد افترسه سبع فأكل لحمه ؛ فأعظم الله لك الأجر، وألهمك الصبر، فقال المبتلى : الحمد لله الذى لم يخلق من ذريتى خلقاً يعصيه فيعذبه بالنار . ثم استرجع وشهق شهقة فمات . فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون، عظمت مصيبتى فى رجل مثل هذا، إن تركتُه أكلته السباع، وإن قعدت لم أقدر له على ضر ولا نفع، فسجّيته بشملة كانت عليه، وقعدت عند رأسه باكيا، فبينما أنا قاعد إذ جاء أربعة رجال فقالوا : يا عبد الله، ما حالك ؟ وما قصتك ؟، فقصصت عليهم قصتى وقصته، فقالوا لي: اكشف لنا عن وجهه ؛ فعسى أن نعرفه. فكشفت عن وجهه، فانكبّ القوم عليه يقبلون عينيه مرة ويديه أخرى –أى ما بقى من يديه-، ويقولون : بأبى عين طالما غضت عن محارم الله، وبأبى جسم طالما كنت ساجدا والناس نيام، فقلت : من هذا يرحمكم الله ؟ فقالوا : هذا أبو قلابه الجرمى صاحب ابن عباس رضى الله عنه، لقد كان شديد الحب لله وللنبى -صلى الله عليه وسلم- . فغسّلناه وكفنّاه بأثواب كانت معنا، وصلينا عليه ودفناه، فانصرف القوم وانصرفتُ إلى رباطي، فلما أن جن على الليل وضعت رأسي، فرأيته فيما يرى النائم فى روضة من رياض الجنة وعليه حلتان من حلل الجنة، وهو يتلو الوحى : { سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } ( الرعد : 24 )، فقلت : ألست بصاحبى ؟، قال: بلى، قلت : أنّى لك هذا ؟، قال : إن لله درجات لا تنال إلا بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، مع خشية الله عز وجل فى السر والعلانية .
كان ذلك طرفاً من أخبار من سبقنا، ولم يخلُ هذا العصر من نماذج مشرقة ومواقف مبهرةٍ من المعاصرين، والخير فى أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- كالمطر لا يُدرى أوله خير أم آخره.
فهذه أم فهد التى فقدت أطفالها الأربعة جملةً واحدة، وأمام ناظريها، فى حريق اندلع وأحرق بيتها، فما وهنت ولا ضعفت، بل كانت أنموذجاً رائعاً يُحتذى به فى الرضا والتسليم، حتى إنها تجاوزت محنتها سريعاً وأشغلت نفسها بتعلّم العلم الشرعى وتعليمه، ولم تمرّ الأيّام والليالى حتى عوَضها الله عن مصابها بطفلة جميلة كانت لها قرّة عين.
وهذا الداعية عبدالله بانعمة ، والذى أُصيب فى شبابه بكسرٍ فى الرقبة مما أحدث له شللاً رباعياً، وكانت هذه الحادثة سبباً فى هدايته وعودته إلى الله، وطالما تنقّل فى أرجاء المعمورة ليدعو إخوانه الشباب ويُذكّرهم بنعم الله عليهم وما يتطلّبه ذلك من شكره وذكره وحسن عبادته، وفى كلامه عذوبة ومشاعر صادقة أثّرت فى العديد من الناس وكانت سبباً فى توبتهم وأوبتهم.
وتروى الأخبار قصّة امرأة من غزّة، ذهبت إلى الكشف عند الطبيب فأخبرها بأن النتائج تؤكّد أنها عقيم، فرضيت بما قسمه الله لها، ولم يداخلها اليأس من رحمة الله، وبعد مرور ستّة وعشرين سنة خضعت لعمليّة جراحيّة بمركز للعقم لتُرزق بعد ذلك بمولودها الأوّل.
وأُصيبت إحدى النساء بمصابٍ أليم فى أحد أبنائها –وقد شغفت به حبّاً- فما زادت على قولها: الحمد لله على السراء والضراء، والعافية والبلاء، والله ما أحب تأخير ما عجل الله، ولا تعجيل ما أخَّره الله، وكل ذلك فى كتاب، إن ذلك على الله يسير.
والأعجب من هذا ما ذكره الدكتور أحمد حازم المستشار الطبي: "أعرف مريضة مسنة عمرها أربعة وستون عاماً وعندها سكري، وبدانة، ومرض قلب، ومرض كلية، وحصاة كلوية بحجم الكلية، أدى إلى استئصال إحدى الكليتين عندها، وعندها فرط الدهون فى الدم، وضعف شديد فى البصر، أى ما يقارب 2على 6 فى عين، والأخرى لا ترى بها، وأضافت إلى جملة هذه الأمراض صدفية شديدة منتشرة على الجذع والأطراف، وحكّة شديدة لا تسيطر عليها العلاجات، كما أنها تعانى من سرطان الثدي، وتم استئصال أحد الثديين استئصالا كبيرا مع العضلة التى فى الصدر وشكل صدرها يبدو الآن مثلثا بدل الشكل الاسطواني، وهى أيضا أرملة، ومتغربة عن أهلها، تسكن عند أناس استضافوها رأفة بها، وبالرغم من كل ما سبق تبتسم وتقول: الحمد لله، وتكرر قولتها المشهورة: الحمد لله فالنعم التى بقيت أكثر من النعم التى خسرناها".
ولنا فى أمهات الشهداء فى أرض الإسراء خير مثالٍ على حقيقة الصبر والرضا، ولا زلن يُقدّمن الشهداء واحداً تلو الآخر بنفوسٍ مطمئنّة، وقلوبٍ راضية.
إن أمثال هذه المواقف الرائعة أثّرت فى أمم الشرق والغرب وكانت مثار إعجابهم وموضع دهشتهم، وبذلك صرّحوا وشهدوا –والحق ما شهدت به الأعداء- حتى قال أحدهم: " وقد تعلمت من عرب الصحراء كيف أتغلب على القلق؛ فهم بوصفهم مسلمين يؤمنون بالقضاء والقدر، قد ساعدهم هذا الإيمان على العيش فى أمان، وأَخْذِ الحياة مأخذاً سهلاً هَيِّنَاً، فهم لا يتعجلون أمراً، ولا يلقون بأنفسهم بين براثن الهمّ قلقاً على أمر، وما زلت أتخذ موقف العرب حيال قضاء الله، فأقبل الحوادث التى لا حيلة لى فيها بالهدوء والامتثال والسكينة
عن الأصمعى قال: خرجت أنا و صديق لى إلى البادية، فضللنا الطريق، فإذا نحن بخيمة عن يمين الطريق فقصدناها فسلّمنا، فإذا امرأةٌ ترد علينا السلام، قالت : ما أنتم؟ قلنا : قوم ضالّون عن الطريق أتيناكم فأنسنا بكم، فقالت : يا هؤلاء ولّوا وجوهكم عنى حتى أقضى من حقكم ما أنتم له أهلٌ. ففعلنا فألقت لنا مسْحاً –أى خرقة- فقالت : اجلسوا عليه إلى أن يأتى ابني. ثم جعلتْ ترفع طرف الخيمة و تردها إلى أن رفعتها فقالت :
أسأل الله بركة المقبِل! أما البعير فبعير ابني، و أما الراكب فليس بابني. فوقف الراكب عليها فقال : يا أم عقيل أعظم الله أجرك فى عقيل قالت :ويحك ! مات ابني؟ قال : نعم قالت : و ما سبب موته ؟ قال : ازدحمت عليه الإبل فرمت به فى البئر فقالت : انزل فاقض ذِمام القوم. ودفعت إليه كبشاً فذبحه و أصلحه، وقرّب إلينا الطعام، فجعلنا نأكل و نتعجب من صَبرها! فلما فرغنا خرجتْ إلينا و قد تكوّرت فقالت : يا هؤلاء هل فيكم من أحدٍ يحسن من كتاب الله شيئا؟ قلت : نعم، قالت: اقرأ من كتاب الله آياتٍ أتعزّى بها، قلت : يقول الله عز و جل فى كتابه : { وبشر الصابرين* الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } (البقرة:155-157)، قالت: آلله إنها لفى كتاب الله هكذا ؟ قلت : آلله إنها لفى كتاب الله هكذا ! قالت : السلام عليكم ثم صفّت قدميها وصلت ركعات ثم قالت : { إنا لله و إنا إليه راجعون } عند الله أحتسب عقيلاً -تقول ذلك ثلاثاً-، اللهم إنى فعلت ما أمرتنى به، فأنجز لى ما وعدتني.
وعن البراء المازنى رحمه الله قال: مات فى الطاعون لصدقة بن عامر المازنى سبعة بنين فى يوم واحد، فدخل، فوجدهم قد سُجّوا جميعاً-أى كفّنوا-، فقال: اللهم، إنى مُسلِم مُسَلِّم.
وعن عقبة أنه مات له ابن يُقال له: يحيى ؛ فلما نزل فى قبره قال له رجل: والله! إن كان لسيّد الجيش فاحتسبه، فقال عقبة : وما يمنعنى أن أحتسبه وقد كان من زينة الحياة الدنيا، وهو اليوم من الباقيات الصالحات.
وعن عبد الرحمن بن عمر قال : دخلتُ على امرأةٍ من العرب بأعلى الأرض فى خباءٍ لها وبين يديها بنى لها قد نزل به الموت، فقامت إليه فأغمضته وعصّبته وسجّته، ثم قالت: يا ابن أخي، قلت:ما تشائين؟ قالت: ما أحقّ من ألبس النّعمة وأطيلت به النّظرة أن لا يدع التّوثق من نفسه قبل حلّ عقدته والحلول بعقوته والمحالة بينه وبين نفسه؟، قال: وما يقطر من عينها قطرةٌ صبراً واحتساباً، ثم نظرت إليه فقالت: واللّه ما كان مالك لبطنك ولا أمرُك لعرسك! ثم أنشدت تقول:
رحيب الذّراع بالتى لا تشينه ... وإن كانت الفحشاء ضاق بها ذرعا
وكان صلة بن أشيم فى غزوة ومعه ابن له فقال: أى بني، تقدم فقاتل حتى أحتسبك،فقاتل حتى قُتل، فاجتمعت النساء عند امرأته معاذة العدوية فقالت: مرحباً، إن كنتن جئتن لتهنئننى فمرحباً بكن؛ وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن
وذكر ابن حبّان فى الثقات عن عبد الله بن محمد قال : " خرجت إلى ساحل البحر مرابطاً، فلما انتهيت إلى الساحل إذا أنا بخيمة فيها رجل قد ذهب يداه ورجلاه، وثقل سمعه وبصره، وما له من جارحة تنفعه إلا لسانه وهو يقول : اللهم أوزعنى أن أحمدك حمداً أكافىء به شكر نعمتك التى أنعمت بها عليّ، وفضّلتنى على كثير ممن خلقتَ تفضيلاً، فقلت : والله لآتين هذا الرجل ولأسألنه أنّى له هذا الكلام!!، فأتيت الرجل فسلّمت عليه فقلت :سمعتك وأنت تقول اللهم أوزعنى أن أحمدك حمداً أكافىء به شكر نعمتك التى أنعمت بها على وفضّلتنى على كثير ممن خلقتَ تفضيلاً، فأى نعمة من نعم الله عليك تحمده عليها!؟، وأى فضيله تفضّل بها عليك تشكره عليها !!؟، قال : أوما ترى ما صنع ربي!! والله لو أرسل السماء على ناراً فأحرقتني، وأمر الجبال فدمّرتني، وأمر البحار فغرّقتني، وأمر الأرض فبلعتني، ما ازددت لربى إلا شكراً ؛ لما أنعم على من لسانى هذا، ولكن يا عبد الله إذ أتيتنى فإن لى إليك حاجة، قد ترانى على أى حالة أنا، أنا لست أقدر لنفسى على ضرّ ولا نفع، ولقد كان معى ابن لى يتعاهدنى فى وقت صلاتى فيوضّيني، وإذا جعت أطعمني، وإذا عطشت سقاني، ولقد فقدته منذ ثلاثة أيام، فتحسّسه لى رحمك الله .فقلت : والله ما مشى خلق فى حاجة خلق كان أعظم عند الله أجرا ممن يمشى فى حاجة مثلك . فمضيت فى طلب الغلام، فما مضيت غير بعيد حتى صرت بين كثبان من الرمل، فإذا أنا بالغلام قد افترسه سبعٌ وأكل لحمه، فاسترجعت وقلت : بأى شيء أخبر صاحبنا ؟ فبينما أنا مقبل نحوه إذ خطر على قلبى ذكر أيوب النبى -صلى الله عليه وسلم-، فلما أتيته سلّمت عليه، فرد على السلام، فقال : ألست بصاحبي؟، قلت : بلى، قال : ما فعلت فى حاجتي؟، فقلت : أنت أكرم على الله أم أيوب النبي؟، قال : بل أيوب النبى !!، قلت: هل علمت ما صنع به ربه؟ أليس قد ابتلاه بماله وآله وولده؟، قال : بلى، قلت :فكيف وجده؟، قال : وجده صابراً شاكراً حامداً!!، قلت : لم يرض منه ذلك حتى أوحش من أقربائه وأحبائه ؟، قال : نعم، قلت : فكيف وجده ربه ؟، قال : وجده صابراً شاكراً حامداً!!، قلت : فلم يرض منه بذلك حتى صيره عرضا لمارّ الطريق، هل علمت ذلك ؟، قال: نعم، قلت : فكيف وجده ربه ؟، قال : صابراً شاكراً حامداً!! ، أوجز رحمك الله !!قلت له : إن الغلام الذى أرسلتنى فى طلبه وجدته بين كثبان الرمل، وقد افترسه سبع فأكل لحمه ؛ فأعظم الله لك الأجر، وألهمك الصبر، فقال المبتلى : الحمد لله الذى لم يخلق من ذريتى خلقاً يعصيه فيعذبه بالنار . ثم استرجع وشهق شهقة فمات . فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون، عظمت مصيبتى فى رجل مثل هذا، إن تركتُه أكلته السباع، وإن قعدت لم أقدر له على ضر ولا نفع، فسجّيته بشملة كانت عليه، وقعدت عند رأسه باكيا، فبينما أنا قاعد إذ جاء أربعة رجال فقالوا : يا عبد الله، ما حالك ؟ وما قصتك ؟، فقصصت عليهم قصتى وقصته، فقالوا لي: اكشف لنا عن وجهه ؛ فعسى أن نعرفه. فكشفت عن وجهه، فانكبّ القوم عليه يقبلون عينيه مرة ويديه أخرى –أى ما بقى من يديه-، ويقولون : بأبى عين طالما غضت عن محارم الله، وبأبى جسم طالما كنت ساجدا والناس نيام، فقلت : من هذا يرحمكم الله ؟ فقالوا : هذا أبو قلابه الجرمى صاحب ابن عباس رضى الله عنه، لقد كان شديد الحب لله وللنبى -صلى الله عليه وسلم- . فغسّلناه وكفنّاه بأثواب كانت معنا، وصلينا عليه ودفناه، فانصرف القوم وانصرفتُ إلى رباطي، فلما أن جن على الليل وضعت رأسي، فرأيته فيما يرى النائم فى روضة من رياض الجنة وعليه حلتان من حلل الجنة، وهو يتلو الوحى : { سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } ( الرعد : 24 )، فقلت : ألست بصاحبى ؟، قال: بلى، قلت : أنّى لك هذا ؟، قال : إن لله درجات لا تنال إلا بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، مع خشية الله عز وجل فى السر والعلانية .
كان ذلك طرفاً من أخبار من سبقنا، ولم يخلُ هذا العصر من نماذج مشرقة ومواقف مبهرةٍ من المعاصرين، والخير فى أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- كالمطر لا يُدرى أوله خير أم آخره.
فهذه أم فهد التى فقدت أطفالها الأربعة جملةً واحدة، وأمام ناظريها، فى حريق اندلع وأحرق بيتها، فما وهنت ولا ضعفت، بل كانت أنموذجاً رائعاً يُحتذى به فى الرضا والتسليم، حتى إنها تجاوزت محنتها سريعاً وأشغلت نفسها بتعلّم العلم الشرعى وتعليمه، ولم تمرّ الأيّام والليالى حتى عوَضها الله عن مصابها بطفلة جميلة كانت لها قرّة عين.
وهذا الداعية عبدالله بانعمة ، والذى أُصيب فى شبابه بكسرٍ فى الرقبة مما أحدث له شللاً رباعياً، وكانت هذه الحادثة سبباً فى هدايته وعودته إلى الله، وطالما تنقّل فى أرجاء المعمورة ليدعو إخوانه الشباب ويُذكّرهم بنعم الله عليهم وما يتطلّبه ذلك من شكره وذكره وحسن عبادته، وفى كلامه عذوبة ومشاعر صادقة أثّرت فى العديد من الناس وكانت سبباً فى توبتهم وأوبتهم.
وتروى الأخبار قصّة امرأة من غزّة، ذهبت إلى الكشف عند الطبيب فأخبرها بأن النتائج تؤكّد أنها عقيم، فرضيت بما قسمه الله لها، ولم يداخلها اليأس من رحمة الله، وبعد مرور ستّة وعشرين سنة خضعت لعمليّة جراحيّة بمركز للعقم لتُرزق بعد ذلك بمولودها الأوّل.
وأُصيبت إحدى النساء بمصابٍ أليم فى أحد أبنائها –وقد شغفت به حبّاً- فما زادت على قولها: الحمد لله على السراء والضراء، والعافية والبلاء، والله ما أحب تأخير ما عجل الله، ولا تعجيل ما أخَّره الله، وكل ذلك فى كتاب، إن ذلك على الله يسير.
والأعجب من هذا ما ذكره الدكتور أحمد حازم المستشار الطبي: "أعرف مريضة مسنة عمرها أربعة وستون عاماً وعندها سكري، وبدانة، ومرض قلب، ومرض كلية، وحصاة كلوية بحجم الكلية، أدى إلى استئصال إحدى الكليتين عندها، وعندها فرط الدهون فى الدم، وضعف شديد فى البصر، أى ما يقارب 2على 6 فى عين، والأخرى لا ترى بها، وأضافت إلى جملة هذه الأمراض صدفية شديدة منتشرة على الجذع والأطراف، وحكّة شديدة لا تسيطر عليها العلاجات، كما أنها تعانى من سرطان الثدي، وتم استئصال أحد الثديين استئصالا كبيرا مع العضلة التى فى الصدر وشكل صدرها يبدو الآن مثلثا بدل الشكل الاسطواني، وهى أيضا أرملة، ومتغربة عن أهلها، تسكن عند أناس استضافوها رأفة بها، وبالرغم من كل ما سبق تبتسم وتقول: الحمد لله، وتكرر قولتها المشهورة: الحمد لله فالنعم التى بقيت أكثر من النعم التى خسرناها".
ولنا فى أمهات الشهداء فى أرض الإسراء خير مثالٍ على حقيقة الصبر والرضا، ولا زلن يُقدّمن الشهداء واحداً تلو الآخر بنفوسٍ مطمئنّة، وقلوبٍ راضية.
إن أمثال هذه المواقف الرائعة أثّرت فى أمم الشرق والغرب وكانت مثار إعجابهم وموضع دهشتهم، وبذلك صرّحوا وشهدوا –والحق ما شهدت به الأعداء- حتى قال أحدهم: " وقد تعلمت من عرب الصحراء كيف أتغلب على القلق؛ فهم بوصفهم مسلمين يؤمنون بالقضاء والقدر، قد ساعدهم هذا الإيمان على العيش فى أمان، وأَخْذِ الحياة مأخذاً سهلاً هَيِّنَاً، فهم لا يتعجلون أمراً، ولا يلقون بأنفسهم بين براثن الهمّ قلقاً على أمر، وما زلت أتخذ موقف العرب حيال قضاء الله، فأقبل الحوادث التى لا حيلة لى فيها بالهدوء والامتثال والسكينة
9/13/2019, 11:30 من طرف Sanae
» المهندسين خ
7/1/2015, 04:18 من طرف زائر
» المهندسين خ
7/1/2015, 04:13 من طرف زائر
» تليفونات برنامج صبايا الخير بقناة النهار
6/27/2015, 09:30 من طرف زائر
» طلب مساعده عاجل
6/21/2015, 14:28 من طرف fatim fatima
» اغاثه
6/17/2015, 10:03 من طرف زائر
» موضوع مهم جدا وأرجو ألا تغفلوا عنه وأرجو ابتواصل
6/17/2015, 09:59 من طرف زائر
» موضوع مهم جدا وأرجو ألا تغفلوا عنه وأرجو ابتواصل
6/17/2015, 09:56 من طرف زائر