المؤلف: د. حصة بنت عبد الكريم الزيد
الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]
[list]
أهمية دراسة السيرة النبوية للمعلمين
تأليف: د. حصة بنت عبد الكريم الزيد
المقدمة:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده: وبعد.
فإن الله سبحانه وتعالى جعل محمداً شاهداً على الناس أجمعين، وجعل سلوكه أعظم سلوك، وتصرفاته أهدى تصرف، فكانت بذلك مثلاً يحتذى، وميزاناً صادقاً للبشرية في أعمالها وتصرفاتها، وقد كان هذا الهدي واضحاً لدى الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فكانوا يترسمونه، ويسيرون على هداه، ويتحرونه في كل أمورهم صغيرها وكبيرها.
ولما خبا ضوء السيرة النبوية في حياة الناس، وبخاصة من لهم رأي وتوجيه، وتعليم وتربية، تبع ذلك خلل في سلوك الناشئة التي تتلقى عنهم، فتلفت المربون، وبادر الموجهون إلى البحث عن مواطن الخلل في هذه السلوكيات، أهذا الخلل في المادة العلمية، أم في طريقتها؟ أهو في المعلم، أم في المتلقِّي؟
وفي ميدان البحث يتذكر الراشدون أنه لن يصلح هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، وخير زاد، وأعظم هدي، يستضاء به ويسترشد بخطواته عملياً، هو الهدي المحمدي، في سيرة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، أعظم معلم، وأهدى مُرَبًّ.
وفي هذا البحث الذي اخترته بعد تفكير وتأمل حرصت فيه على إبراز أهمية دراسة السيرة النبوية للمعلمين من خلال التركيز على المسائل التالية:
المسألة الأولى: اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بالتعليم.
المسألة الثانية: موضوعات التعليم في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
المسألة الثالثة: أساليب الرسول صلى الله عليه وسلم في التعليم.
(1/1)
المسألة الرابعة: وسائل الرسول صلى الله عليه وسلم في التعليم.
الخاتمة:
نتائج دراسة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم المتعلقة بالتعليم، وكيف يمكن توظيف نتائج الدراسة فيما يحقق خدمة المعلمين في العصر الحاضر، ويساعد على تطوير أدائهم التعليمي استناداً إلى سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم؟
وأسأله جل شأنه أن يتقبله، ويجعله عملاً خالصاً لوجهه الكريم.
(1/2)
المسألة الأولى: اهتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتعليم
مدخل
...
المسألة الأولى: اهتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتعليم.
لم يُعرف دين رفع قَدْرَ العلم، واحترم العلماء واهتم بطلب العلم، مثل الدين الإسلامي قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة:11] .
ولقد رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في العلم وبَيَّن أنه طريق الجنة، كما دل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة" (1) . ولم يرغَّب صلى الله عليه وسلم أحداً أن يغبط أحداً على شيء من النعم التي أنعم الله بها على عباده إلا على نعمتين إحداهما: طلب العلم والعمل به، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها" (2) (3) .
ومن المؤكد أن ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على التعليم لم يرد على سبيل الإشارة العابرة هنا وهناك بدون امتداد وإثراء للفكرة ذاتها. فالقدر الكبير من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم التي تحض على طلب العلم والاستمرار فيه تؤكد
__________
(1) صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: فضل الاجتماع على تلاوة القرآن رقمه (2699) جـ4 ص (2699) .
(2) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب الاغتباط في العلم والحكمة رقمه (73) جـ1 ص30، صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه رقمه (816) جـ1 ص558 واللفظ له.
(3) انظر كتاب العلم ص18.
(1/3)
أن الاهتمام بالتعليم كان فكرة أصيلة ضمن إطار فكري عام (1) .
ولهذا فالإنسان المسلم في حاجة ماسة إلى العلم الذي ينمي الإيمان، ويغرس الفضائل، ويفقهه في دينه، فيحصل على الخيرية التي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" (2) ، فيعبد ربه على بصيرة، فإذا تعلم وتفقه في أمور دينه ودنياه، وعلَّمه غيره ورغبهم في العلم، وبيَّن لهم أن مجالسه تحفها الملائكة، وتنزل عليها السكينة، وتغشاها الرحمة، ويذكرها الله في الملأ الأعلى (3) مقتدياً في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رغَّب في العلم، وحرص على تعليم المسلمين أمور دينهم سواء كانوا رجالاً أو نساءً أو أطفالاً.
وكان صلى الله عليه وسلم أرفق الناس بالمتعلمين، وأبعدهم عن التشديد والتعسير والفظاظة والغلظة، وهذا ما نوَّه به القرآن الكريم عند الإشارة إلى أخلاقه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] (4) .
وقد طبق رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عَلَّمه الله تعالى قولاً وفعلاً وأمر أصحابه
__________
(1) رسالة الخليج العربي، العدد (47) نظرية التربية المستمرة وتطبيقاتها في التربية الإسلامية، نور الدين محمد عبد الجواد، ص30.
(2) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب من يرد الله به خيراً رقمه (71) جـ1 ص30، انظر صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة رقمه (1037) ، جـ2، ص 718.
(3) انظر: كتاب الرسول والعلم ص10.
(4) انظر: المرجع السابق 119.
(1/4)
رضي الله عنهم بذلك، فعندما أرسل معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري رضي الله عنهما إلى اليمن معلمين وقضاة قال لهما: "يَسِّروا ولا تُعَسِّروا، وَبَشِّروا ولا تُنَفِّروا" (1) .
ولهذا ينبغي للمعلمين الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في فعله وقوله بالرفق بطلابهم والصبر عليهم، وعدم تعنيفهم، كما قال الماوردي رحمه الله: "ألا يعنفوا متعلماً، ولا يحقروا ناشئاً، ولا يستصغروا مبتدئاً، فإن ذلك أدعى إليهم، وأعطف عليهم، وأحث على الرغبة فيما لديهم" (2) .
ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخص فئة دون أخرى بالتعليم أو يتابع مجموعة دون غيرها، بل كان حرصه على التعليم ممتداً ليشمل الصغار والكبار، والنساء والرجال، متابعاً لأمورهم، حريصاً على إرشادهم وتعليمهم بالقول والفعل والقدوة.
ولتقديم توضيح لاهتمامه صلى الله عليه وسلم بالجميع دون استثناء نتناول كيفية اهتمامه صلى الله عليه وسلم بتعليم الرجال، والنساء، وكذلك الأطفال.
__________
(1) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا رقمه (69) جـ1 ص30، واللفظ له. انظر صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير رقمه (1732) . جـ3 ص1358.
(2) فيض القدير جـ4/338
(1/5)
أولاً: الاهتمام بتعليم الرجال.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصاً على تعليم أصحابه وتوجيههم وإرشادهم حسب واقع الحال الذي يتطلبه الموقف، فمثلاً هذا رجل غريب جاء يسأل
(1/5)
عن دينه فترك صلى الله عليه وسلم خطبته ليعلمه ما سأل عنه، فقد روى الإمام مسلم عن أبي رفاعة رضي الله عنه قال: "انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، قال: قلت: يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه، ولا يدري ما دينه؟ قال: فأقبل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك خطبته حتى انتهى إليّ. فأُتي بكرسي، حسبت قوائمه حديداً، قال: فقعد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجعل يعلمني مما علمه الله، ثم أتى خطبته، فأتم آخرها" (1) .
قال الإمام النووي رحمه الله: "فيه تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ورفقه بالمسلمين، وشفقته عليهم، وخفض جناحه لهم" (2) .
وفي موضع آخر يصف صحابي جليل اهتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتعليم أصحابه رضي الله عنهم مشيراً إلى رفقه وحسن تعليمه بقوله: "بأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه"، فعن معاوية بن الحكم السلمي قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله؛ فرماني القوم بأبصارهم فقلت: واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إليّ! فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت. فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فوالله ماكهرني، ولا ضربني ولا شتمني قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس. إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن"، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام وإن منا رجالاً يأتون الكُهَّان؟
__________
(1) صحيح مسلم – كتاب الجمعة، باب" حديث التعليم في الخطبة، رقمه (876) جـ2/ 597.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي جـ6/165.
(1/6)
قال: "فلا تأتهم". قلت: ومنا رجال يتطيرون قال: "ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم" (1) .
قال النووي – رحمه الله -: "فيه بيان ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظيم الخلق الذي شهد الله تعالى له به، ورفقه بالجاهل، ورأفته بأمته، وشفقته عليهم، وفيه من التخلق بخلقه صلى الله عليه وسلم في الرفق بالجاهل، وحسن تعليمه، واللطف، وتقريب الصواب إلى فهمه" (2) .
ونلحظ أثر الرفق واللين في معاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاوية رضي الله عنه، إذ بدأ يستفسر عن الأمور التي كانت شائعة في الجاهلية كي يتجنبها إن كانت محرمة – لئلا تظهر منه فينكر عليه (3) . فالمعلم شفيق على طلابه حريص على تعليمهم وتقريب المعاني إلى أفهامهم مقتدياً بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا رجل يدخل المسجد ويتبول فيه، من دون مراعاة لحرمة المكان ووجود الناس فيتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينتهي، ثم يدعوه إليه ليعلمه أن للمسجد حرمة وأنه للصلاة والذكر والتسبيح. فعن أنس رضي الله عنه قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مه مه" (4) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزرموه (5) ،دعوه (6) " فتركوه حتى بال. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم - دعاه
__________
(1) صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة – باب تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحة رقمه (537) جـ 1/ 381. وقوله: «ما كهرني» ، أي: ما نهرني.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي جـ5/28.
(3) انظر: من صفات الداعية اللين والرفق، ص 34.
(4) ((مه مه)) هي كلمة زجر، انظر صحيح مسلم بشرح النووي 3/193.
(5) (لا تزرموه) لا تقطعوا عليه بوله، المرجع السابق، 3/192.
(6) (دعوه) اتركوه.
(1/7)
فقال له: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة، وقراءة القرآن" أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: "فأمر رجلاً من القوم، فجاء بدلو من ماء فشنه (1) عليه".
قال الإمام النووي رحمه الله: "وفيه الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف ولا إيذاء إذا لم يأت بالمخالفة استخفافاً أو عناداً (2) .فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك الأعرابي يبول في المسجد إلا لما خشي من ظهور منكر أعظم من منعه مِن البول" (3) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "إنما تركوه يبول في المسجد لأنه كان شرع في المفسدة، فلو منع لزادت، إذ حصل تلويث جزء من المسجد، فلو منع لدار بين أمرين: إما أن يقطعه فيتضرر، وإما ألا يقطعه فلا يأمن من تنجيس بدنه أو ثوبه، أو مواضع أخرى من المسجد" (4)
فالمعلم التربوي يقرن تعليمه بالرفق واللين، فيكون له أعظم الأثر في قلوب طلابه. وهكذا كان لمعاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي بالرفق أعظم الأثر في نفسه، ونلاحظ ذلك في قول الأعرابي بعد أن فقه "بأبي وأمي" فلم يؤنب ولم يسب.
ومن اهتمامه صلى الله عليه وسلم بتعليم الرجال دعوته المستمرة إلى الاهتمام بالفرد، واغتنام أحسن المناسبات لتوعيته وتوجيهه، ومن ذلك قصة الرجل الذي جاء
__________
(1) (فشنه) فصبه، صحيح مسلم بشرح النووي، 3/193.
(2) صحيح مسلم، باب كتاب الطهارة، باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد وأن الأرض تطهر بالماء من غير حاجة إلى حفرها، رقمه (285) جـ1/237.
(3) انظر: مراعاة أحوال المخاطبين، ص97.
(4) انظر: فتح الباري، 1/ 323.
(1/
يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلاة "فعن سليمان بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً سأله عن وقت الصلاة. فقال له: صَلِّ معنا هذين – يعني اليومين". فلما زالت الشمس أمر بلالاً فأذن. ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره، فأقام الفجر حين طلع الفجر. فلما أن كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر، فأبرد بها، فأنعم أن يبرد بها، وصلى العصر والشمس مرتفعة أخرها فوق الذي كان، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعدما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر فأسفر بها.
ثم قال: أين السائل عن وقت الصلاة؟
فقال الرجل: أنا يا رسول الله..
قال: "وقت صلاتكم بين ما رأيتم" (1) .
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: "فيه بيان أن للصلاة وقت فضيلة ووقت اختيار، وفيه أن وقت المغرب ممتد، وفيه البيان بالفعل، فإنه أبلغ في الإيضاح، والفعل تعم فائدته السائل وغيره" (2) .
فعلى المعلم أن يقتدي بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء تعليمه لطلابه، فيقرن العلم بالعمل؛ لتثبيت المعلومات في أذهانهم، وحصر الفكرة في مدلول واقعي يدركه المتعلم ويفهمه.
__________
(1) صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب أوقات الصلوات الخمس رقمه (613) ،ج1/428.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي جـ5/159-160.
(1/9)
ثانياً: الاهتمام بتعليم النساء.
لم يغفل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الاهتمام بتعليم النساء أمور دينهن، بل كان حريصاً على توصيل الأحكام الشرعية إليهن وبخاصة ما يتعلق منها بالمرأة، وله في ذلك شواهد تؤكد اهتمامه وحرصه صلى الله عليه وسلم على الاستجابة لأي سؤال أو استفسار يأتيه من النساء، حتى ولو كان في أدق خصوصياتهن. ومن ذلك ما ورد عن عائشة رضي الله عنها: أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض، فأخبرها كيف تغتسل. ثم قال: "خذي فرصة من مسك، فتطهري بها" قالت: وكيف أتطهر بها. ثم قال: "سبحان الله تطهري بها"، قالت عائشة رضي الله عنها: فجذبت المرأة وقلت: "تتبعين بها أثر الدم" (1) .
كما كان صلى الله عليه وسلم يتفقد أحوال النساء، ويطمئن على صحتهن. فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على ضباعة بنت الزبير، ويسألها عن الحج، وهل تستطيع ذلك؟ فيشجعها بقوله صلى الله عليه وسلم: "حجي واشترطي". فعن عائشة - رضي الله عنها – قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير فقال لها: " لعلك أردت الحج" قالت: والله لا أجدني إلا وجعة (2) فقال لها: "حجي واشترطي، قولي: اللهم محلِّي (3) حيث حبستني (4) " وكانت تحت المقداد بن الأسود (5) .
__________
(1) صحيح سنن النسائي – كتاب الطهارة، باب ذكر العمل في الغسل من الحيض رقمه (245) ، جـ1/53.
(2) وجعة: ذات مرض.
(3) محلي: أي مكان تحللي من الإحرام.
(4) حيث حبستني أي عن النسك بعلة المرض.
(5) صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين، رقمه (5089) جـ6 ص149، وصحيح مسلم – كتاب الحج، باب اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه، رقمه (1207) جـ2/867.
(1/10)
كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم من أشكل عليها أمراً، وأثار لديها تساؤلاً، حيث عَلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة رضي الله عنها، حينما أشكل عليها صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر لتعارضها ظاهراً مع نهيه صلى الله عليه وسلم. فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنها ثم رأيته يصليها حين صلى العصر، ثم دخل عليّ وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار، فأرسلت إليه الجارية فقلت: قومي بجنبه، قولي له: "تقول لك أم سلمة: يا رسول الله سمعتك تنهى عن هاتين، وأراك تصليها". فإن أشار بيده فاستأخري عنه.
ففعلت الجارية، فأشار بيده، فاستأخرت عنه. فلما انصرف، قال: "يا ابنة أمية سألت عن الركعتين بعد العصر وإنه أتاني أناس من عبد القيس، فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان" (1) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "وفيه الفحص عن الجمع بين المتعارضين (2) فأم سلمة رضي الله عنها استشكلت ما ظهر لها من خلاف بين قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، فأثار لديها تساؤلاً، أجاب عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يكون هناك مجال لظن".
فالطالب إذا أشكل عليه أمر فظهر له الخلاف بين القول والفعل أو الفعل والأمر، ينبغي له المسارعة بسؤال المعلم، فإنه بالسؤال يسلم من إرسال الظن السيئ بتعارض الأفعال والأقوال (3) .
__________
(1) صحيح البخاري، كتاب السهو، باب إذا كُلم وهو يصلي فأشار بيده واستمع. جزء من حديث رقمه (1233) ، جـ2/84.
(2) فتح الباري، جـ3/106.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي، جـ6/121.
(1/11)
كما كان صلى الله عليه وسلم حريصاً على تعليم من جهل منهن أمراً من أمور الدين والرفق بهن، وعدم مؤاخذتهن. ومن ذلك ما ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال: "اتقي الله واصبري".
قالت: "إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه". فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم. فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين. فقالت: لم أعرفك.
فقال: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى " (1) .
قال العلامة العيني رحمه الله: "فيه ما كان عليه الصلاة والسلام من التواضع والرفق بالجاهل، وترك مؤاخذة المصاب، وقبول اعتذاره" (2) . وكان لتعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم باللطف مع المرأة الأثر الكبير في نفسها. فهذا التعامل بالرفق واللين مع المرأة ولَّد لديها محبةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومهابة. ومما يؤيد ذلك ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: فلما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم قيل لها: "إنه رسول الله، فأخذها مثل الموت. فأتت بابه ... الحديث" (3) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح قول أنس بن مالك رضي الله عنه "فأخذها مثل الموت" أي: من شدة الكرب الذي أصابها لما عرفت أنه صلى الله عليه وسلم؛ خجلاً منه ومهابة (4) .
فحسن تعامل المعلم مع طلابه والرفق بهم، والأخذ بأيديهم يُوَلِّد لديهم
__________
(1) صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب زيارة القبور، رقمه (1283) ، جـ2/99.
(2) انظر: عمدة القاري، جـ8/68.
(3) صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب الصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى، رقمه (926) ، باختصار، جـ2/637.
(4) فتح الباري، جـ3/149.
(1/12)
محبة المعلم ومهابته، وحسن الاستماع إلى ما يأمر به. وهذا هو المطلوب في العملية التعليمية.
(1/13)
ثالثاً: اهتمامه صلى الله عليه وسلم بتعليم الصغار.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم المعلم لأصحابه متصفاً بصفات الكمال، ومن كمال منهجه التربوي اهتمامه بتربية الصغار وتعليمهم، وصبره عليهم وأخذه بأيديهم، حيث كان صلى الله عليه وسلم يحرص أن يكون معلماً ومؤدباً لهم ليتحقق صلاحهم حينما يكبرون.
من اهتمامه صلى الله عليه وسلم بالصغار ما ورد من توجيهه التدريجي في الصلاة حيث قال: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفَرِّقوا بينهم في المضاجع" (1) . فبيَّن صلى الله عليه وسلم أن الصلاة هي الأساس، وأمر بحثِّ الأبناء على إقامتها على الوجه المطلوب وإن في ذلك سعادتهم في الدنيا والآخرة.
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: "قال القاضي: يجب على ولي الصبي أن يعلمه الطهارة والصلاة إذا بلغ سبع سنين، ويأمره بها، ويؤدبه عليها إذا بلغ عشر سنين" (2) .
لذا ينبغي للمربي أن يأمر الأطفال بالطاعات قبل بلوغهم سن الرشد؛ كي يستأنسوا لها ويعتادوها؛ فالطفل أسلس قياداً، وأسرع مؤاتاة، ولم تغلب عليه عادة تمنعه من اتباع ما يراد منه، ولا له عزيمة تصرفه عما يؤمر به (3) .
__________
(1) سنن أبي داود – كتاب باب متى يؤمر الغلام بالصلاة؟ رقمه (495) ، جـ1/97.وقال عنه الشيخ الألباني (حسن صحيح) ، انظر صحيح سنن أبي داود، جـ1/97.
(2) المغني جـ2/350.
(3) انظر: جوامع الآداب في أخلاق الأنجاب، ص39.
(1/13)
فإذا اعتادوا هذه الطاعات سهل عليهم القيام بها إذا ما كبروا. قال الشيخ محمد السفاريني الحنبلي: "ويجب عليه أيضاً أن يعلمه ما يجب عليه علمه، أويقيم له مَنْ يعلمه ذلك" (1) .
كما كان صلى الله عليه وسلم حريصاً على تعليمهم بعض مهارات الحياة التي تفيدهم في دنياهم فعن أبي سعيد رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بغلام وهو يسلخ شاة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تنح حتى أريك" فأدخل يده بين الجلد واللحم، فدحس بها حتى توارت إلى الإبط، ثم مضى، فصلى للناس، ولم يتوضأ" (2) .
والرسول صلى الله عليه وسلم عطوف ورحيم في تعليمه للصغار معالجاً لأخطائهم بدون قسوة ولا تعنيف. ومن ذلك حينما جمعت لدى الرسول صلى الله عليه وسلم الزكاة فأكل منها الحسن رضي الله عنه، فوجَّهه الرسول صلى الله عليه وسلم بلطف، بأنه لا ينبغي له الأكل من الزكاة؛ وذلك لما ورد في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كخ كخ" ليطرحها ثم قال: "أما شعرتَ أنَّا لا نأكل الصدقة" (3) .
قال الحافظ ابن حجر: كلمة كخٍ كخٍ كلمة زجر للصبي عما يريد فِعْله (4) .
__________
(1) غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب، جـ1/232.
(2) صحيح سنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب الوضوء من مس اللحم النيئ وغسله.. رقمه (185) جـ1/37.
(3) صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب ما يُذكر في صدقة النبي (، رقمه (1491) ، جـ2/164.
(4) فتح الباري- جـ6/185.
(1/14)
لذا يجب على الأولياء إبعاد أطفالهم عن المحرمات، ومنعهم من تعاطيها، ومعاتبتهم عليها، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الحسن بطرح التمرة ورميها مِنْ فيه مع أنه طفل لا تلزمه الفرائض، ولم تَجْرِ عليه الأقلام.
قال الإمام النووي رحمه الله: "وفي الحديث أن الصبيان يُحَذّرون مما يحذر منه الكبار، وهذا واجب على الولي" (1) .
ولا ينسى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرن توجيهه للصغار بالقول حينما يكون ذلك كافياً في التوجيه والتعلم. ومن ذلك حينما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم عمر بن أبي سلمة وهو لا يحسن الأكل من الإناء، فوجَّهه توجيهاً لطيفاً إلى آداب الأكل. فعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما يقول: "كنت في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة (2) فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا غلام، سَمِّ الله وكل بيمينك وكُلْ مما يليك" فما زالت طعمتي بعد (3) (4) .
فرسول الله صلى الله عليه وسلم علَّم عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه آداب الأكل بالرغم من صغر سنه. ومما يدل على ذلك مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم له بقوله: "يا غلام"، والغلام - كما بيَّن العلماء - هو الصبي من حين يولد إلى أن يبلغ الحلم (5) .
__________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي جـ7/175.
(2) الصحفة: «ما تشبع خمسة ونحوها، وهي أكبر من القصعة» المرجع السابق، جـ9/522.
(3) «فما زالت طعمتي بعد - أي صفة أكلي- فلزمت ذلك وصار عادة» والمراد جميع ما تقدم من الابتداء بالتسمية والأكل باليمين، والأكل مما يليه....انظر فتح الباري جـ9/523.
(4) صحيح البخاري، كتاب الأطعمة – باب التسمية علىالطعام والأكل باليمين، رقمه (5376) ، جـ6/241.
(5) فتح الباري، جـ9/521، وانظر عمدة القاري، جـ21/29.
(1/15)
فعلى الأولياء والمعلمين الحرص على تعليم الأطفال ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، على أن يكون التعليم بالرفق واللين، حتى يتقبل الطفل من وليه، ويكون له الأثر العظيم في مستقبل حياته.
كما كان في تعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبي سلمة الأثر العظيم حيث قال رضي الله عنه: "فما زالت تلك طعمتي بعد أي: لزمت ذلك وصار عادة لي" (1) .
ومن اهتمامه صلى الله عليه وسلم بتعليم الصغار: أنه صلى الله عليه وسلم عندما سمع من البنت الأنصارية الصغيرة قولاً مخالفاً للشرع، بأن نَسَبت إليه أنه يعلم ما في الغد علَّمها ما ينبغي لها قوله، ومنعها من إعادة كلامها. فقد روت الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها: جاء النبي صلى الله عليه وسلم يدخل حين بُني عليّ (2) فجلس على فراشي كمجلسك (3) مني، فجعلت جويريات (4) لنا يضربن بالدف (5) ويندبن (6) من قُتل من آبائي يوم بدر، إذ قالت إحداهن: "وفينا نبيّ يعلم ما في غد".
قال: "دعي هذه، وقولي بالذي كنت تقولين" (7) .
__________
(1) انظر: فتح الباري، جـ9/523.
(2) (بُني علي) البناء: الدخول بالزوجة – فتح الباري، جـ9/203.
(3) (كمجلسك) بكسر اللام أي مكانك، المرجع السابق جـ9/203.
(4) (جويريات) جمع جويرية، ومصغر جارية، عمدة القاري، جـ20/135.
(5) (الدف) الأفصح في (الدف) ضم الدال، وقد تُفتح وهو الذي بوجه واحد عمدة القاري، جـ20/2135.
(6) (يندبن) أي ذكر أوصاف الميت بالثناء عليه وتعديد محاسنه بالكرم والشجاعة ونحوها (فتح الباري، جـ9/203) .
(7) صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب ضرب الدف في النكاح والوليمة، رقمه (5147) ، جـ6/167.
(1/16)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "إنما أنكر عليها ما ذُكر من الإطراء حيث أُطلق علم الغيب له، وهو صفة تختص بالله تعالى كما قال: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:65] .
فعلى المعلمين والأولياء الحرص على تعليم الصغار الكلمات الصحيحة التي لا تتنافى مع التوحيد ولا تتعارض مع احترام الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يمنعوهم إذا سمعوا منهم كلمات تخالف الشرع، مِنْ حلفٍ بغير الله، أو سب أو شتم أو غيبة أو نميمة أو تنابز بالألقاب (1) .
__________
(1) انظر: الاحتساب على الأطفال، ص45.
(1/17)
المسألة الثانية: موضوعات التعليم في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم
أولا: العقيدة
...
المسألة الثانية: موضوعات التعليم في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم
بينت في المسألة السابقة اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بالتعليم. وهنا أتحدث عن الموضوعات التى كان يوليها الرسول صلى الله عليه وسلم اهتماماً بارزاً في تعليمه للناس والتي يمكن الحديث عنها في الفقرات التالية:
أولاً: العقيدة:
إن الإيمان بالله سبحانه وتعالى وطاعته وابتغاء مرضاته هو الهدف من خلق الإنسان. وفي حديث جبريل الطويل عندما أرسله الله سبحانه وتعالى ليعلم نبيه صلى الله عليه وسلم الأولويات في التعليم بدأ بالعقيدة ثم العبادات ثم المعاملات، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بارزاً للناس فأتاه رجل فقال: يا رسول الله ما الإيمان؟ قال: "أن تؤمن بالله وملائكته، وكتابه، ولقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث الآخر.." قال: يا رسول الله، ما الإسلام؟ قال: "الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم
(1/17)
الصلاة المكتوبة، وتؤدِّي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان". قال: يا رسول الله! ما الإحسان؟ قال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإنك إن لا تراه، فإنه يراك". قال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، لكن سأحدثك عن أشراطها: إذا ولدت الأَمَةُ ربها، فذاك من أشراطها، وإذا كانت العراة الحفاة رؤوس الناس فذاك من أشراطها، وإذا تطاول رعاء البهم في البنيان فذاك من أشراطها، في خمس لا يعلمهن إلا الله"، ثم تلا صلى الله عليه وسلم {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34] .
قال: ثم أدبر الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ردوا عليّ الرجل" فأخذوا ليردوه، فلم يروا شيئاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم" (1) .
فالإيمان فَسَّره النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بالاعتقادات الباطنة، فقال أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، وتؤمن بالقدر خيره وشره" (2) .
ورسول الله صلى الله عليه وسلم سلك هذا المنهج في تعليمه للبشرية فبدأ بالعقيدة وقَدَّمها على سائر الموضوعات الأخرى، فتناول أصول الإيمان بالله تعالى وملائكته
__________
(1) صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان رقمه (50) جـ1 ص22. انظر صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان، رقمه (9) جـ1 ص 39 واللفظ له.
(2) إيقاظ الهمم المنتقى من جامع العلوم والحكم ص 57.
(1/18)
وكتبه ورسله واليوم الآخر، وما فيه من بعث وحساب وجزاء وجنة ونار، ويقيم على ذلك الحجج والبراهين، حتى يستأصل من نفوس المشركين العقائد الوثنية ويغرس فيها عقيدة الإسلام (1) .
ومن أمثلة ذلك:
ما ورد في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: "إنك ستأتي قوماً أهل كتاب، فإذا جئتهم فادْعُهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله" (2) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "المراد بعبادة الله توحيده، وبتوحيده الشهادة له بذلك ولنبيه بالرسالة، ووقعت البداءة بها؛ لأنها أصل الدين الذي لا يصح شيء غيرهما إلا بهما فمن كان منهم غير موحد فالمطالبة متوجهة إليه بكل واحدة من الشهادتين على التعيين، ومن كان مُوَحِّداً فالمطالبة له بالجمع بين الإقرار بالوحدانية والإقرار بالرسالة" (3) .
كما أن من أقر بالشهادتين، واعتقد ذلك جزماً كفاه ذلك في صحة إيمانه، وكونه من أهل القبلة والجنة (4) ومن ذلك ما وَرَدَ في حديث معاوية بن الحكم السلمي، قال: وكانت لي جارية ترعى غنماً لي قبل أحد والجوانيَّة (5) ،
__________
(1) تاريخ التشريع الإسلامي، ص52.
(2) صحيح البخاري - كتاب الزكاة باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا رقمه (1496) جـ2 /165.
(3) فتح الباري جـ3/ 358.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي جـ 5/35.
(5) الجوانية: الجوانية بقرب أحد. موضع في شمال المدينة.
(1/19)
فاطلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم، آسَفُ كما يأسفون (1) ، لكني صككتها (2) صكةً، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك علي. قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: "ائتني بها" فأتيته بها. فقال لها "أين الله؟ " قالت: في السماء. قال "من أنا؟ " قالت:" أنت رسول الله " قال: "أعتقها فإنها مؤمنة" (3) .
قال النووي رحمه الله تعالى قال: "كان المراد امتحانها هل هي موحدة تقر بأن الخالق المدبر الفعال هو الله وحده؟ " (4) .
فعلى المعلم الابتداء في تعليم طلابه العقيدة الإسلامية الصحيحة مقتدياً في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم وغرس مفهومها الصحيح في نفوس طلابه، فيربطهم بالخالق عز وجل، حتى يتوجهوا إليه في سائر عباداتهم ودعائهم، ويعلموا يقيناً أنه تعالى هو الرازق الناصر القادر على كل شيء، كما عليه أن يحثهم على أن من حصل له مكروه فعليه التوجه إلى الله تعالى بالدعاء، فإنه سميع مجيب، وليتوكلوا عليه في سائر أمورهم (5) .
__________
(1) آسف كما يأسفون: أي أغضب كما يغضبون.
(2) (صككتها صكة) أي ضربتها بيدي مبسوطة.
(3) صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته، رقمه (537) ، جـ1 ص381.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي جـ5/33.
(5) انظر: ((آداب المتعلمين)) ص 33.
(1/20)
ثانياً: الشريعة:
وتعليم الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن مقتصراً على العقيدة بل اتجهت جهوده صلى الله عليه وسلم إلى العبادات التي تعد أمراً أساسياً في الشريعة الإسلامية حتى أوجد منهجاً
(1/20)
متكاملاً في أمور العبادات العملية بجميع أشكالها من صلاة وزكاة وصوم وحج..إلخ واتخذ في ذلك منهج التدرج في التشريع ليحصل القبول لهذا الدين عند الناس. وذلك بعد أن عمر قلوبهم بالإيمان الخالص لله وحده، فبدأ بتعليمهم كيفية الصلاة المفروضة وحقوقها وأركانها وحدودها، سواء كان ذلك عن طريق سؤال الصحابة رضي الله عنهم له أو من خلال الممارسة العملية.
ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يُعَلمهم دعاء الاستفتاح في الصلاة. فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كَبَّر في الصلاة سكت هُنيَّةً (1) قبل أن يقرأ، فقلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: "أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد" (2) .
قال ابن حجر رحمه الله تعالى: "وقيل قاله على سبيل التعليم لأمته" (3) .
فالمعلم الناجح المشفق على طلابه يُعَلِّمهم أدعية الاستفتاح في الصلاة فإذا اعتادت أنفسهم دعاءً أرشدهم إلى غيره، كما يحثهم على الإلحاح بالدعاء إلى الله أن ينقيهم من الخطايا والذنوب.
__________
(1) هنية: أي قليلاً من الزمن.
(2) صحيح البخاري كتاب الأذان باب ما يقول بعد التكبير رقمه (744) ،ط/203، وصحيح مسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، رقمه (598) ،ط/419 واللفظ له.
(3) فتح الباري جـ2/230.
(1/21)
كما كان يُعَلِّمهم قراءة الفاتحة آية آية، أي قراءتها ثم قراءة الآية التي بعدها كما ورد عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبد ي نصفين، ولعبد ي ما سأل فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبد ي، وإذا قال: الرحمن الرحيم قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبد ي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مَجَّدني عبد ي (وقال مرة: فَوَّض إليّ عبدي) فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين: قال: هذا بيني وبين عبد ي ولعبد ي ما سأل. فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمتَ عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: هذا لعبد ي ولعبد ي ما سأل" (1) .
فالمعلم يحث طلابه ويرغبهم أثناء قراءة الفاتحة في السكوت على الآية والتي بعدها لاستحضار رَدٍّ من رب العالمين، مما يزيد المصلي طمأنينة وخشوعاً، كما كان صلى الله عليه وسلم يترك فرصة للصحابة رضي الله عنهم أن يتعلموا ما يُلْقَى إليهم بعد تكراره. ومن ذلك ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد النبي عليه السلام فقال: ارجع، فصل فإنك لم تصل، فصلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ارجع فَصَلِّ فإنك لم تصل ثلاثاً" فقال: والذي بعثك بالحق فما أُحسن غيره، فعلِّمني. قال "إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد
__________
(1) صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، رقمه (395) جـ1 ص296.
(1/22)
حتى تطمئن ساجداً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" (1) .
قال ابن حجر رحمه الله تعالى: "وفيه حسن التعليم بغير تعنيف" (2) ، وقال النووي رحمه الله: "وإنما لم يعلمه أولاً ليكون أبلغ في تعريفه وتعريف غيره بصفة الصلاة المجزئة" (3) .
وكان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه رضي الله عنهم بالفعل ليقع التشريع منه؛ لكونه أبلغ من القول، ومن ذلك ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه – "صلَّى النبي صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي (4) - قال محمد: وأكثر ظني أنها العصر – ركعتين، ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يده عليها، وفيهم أبو بكر وعمر – رضي الله عنهما – فهابا أن يكلماه، وخرج سَرَعَانُ (5) الناس فقالوا: أقصرت الصلاة؟ ورجل يدعوه رسول الله ذا اليدين فقال: أَنَسِيت أم قَصُرَت؟ فقال: "لم أنس، ولم تقصر"، قال: بلى قد نسيت، فصلى ركعتين ثم سلم، ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه، فكبَّر ثم وضع رأسه فكبر، فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبَّر" (6) .
__________
(1) صحيح البخاري، كتاب الأذان باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يتم ركوعه بالإعادة رقمه (793) ، جـ1 ص216. انظر صحيح مسلم، كتاب الصلاة با ب وجوب قراءة الفاتحة، رقمه (397) جـ1 ص298.
(2) فتح الباري، جـ2/ 280.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي، جـ4 ص281،143.
(4) العشي: ما بين زوال الشمس إلى غروبها.
(5) السرعان: المسرعون إلى الخروج.
(6) صحيح البخاري، كتاب السهو، باب يكبرُ في سجدتي السهو رقمه (1229) جـ2 ص83.انظر صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له، رقمه (573) ، جـ1 ص403.
(1/23)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وفائدة جواز السهو في مثل ذلك بيان الحكم الشرعي إذا وقع مثله لغيره" (1) . وكثير من الطلاب يجهلون من أحكام سجود السهو في الصلاة، فمنهم من يترك سجود السهو في محل وجوبه، ومنهم من يسجد في غير محله، ومنهم مَنْ يجعل سجود السهو قبل السلام وإن كان هو وضعه بعده ... ولذا كان تعليم المعلم لطلابه أحكام سجود السهو مُهِمّاً جداًّ؛ ليفهموا أحكام دينهم ويطبقوه (2) .
وكما عَلَّمهم صلى الله عليه وسلم الصلاة عَلَّمهم ما يكون لهم فيه من بركة أو تزكية للنفوس إذا أخرجوا زكاة أموالهم، ففيها تنمية للأموال وتكثير لبركتها. كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما نقصت صدقة من مال" (3) . فهي ليست غرامةً، ولا ضريبة تنقص المال وتضر صاحبها، بل هي على العكس تزيد المال نمواً من حيث لا يشعر الناس (4) .
كما بَيَّن صلى الله عليه وسلم ما يترتب على أدائها من الأجر العظيم ألا وهو دخول الجنة وذلك ما ورد عن أبي الدرداء – رضي الله عنه – قال: قال صلى الله عليه وسلم: " خمس من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة. من حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهن وركوعهن وسجودهن ومواقيتهن، وصام رمضان وحج البيت، إن استطاع إليه سبيلاً، وأعطى الزكاة طيبة بها نفسه " (5) .
__________
(1) فتح الباري جـ3، 101.
(2) كتاب سجود السهو، ص 4.
(3) صحيح مسلم كتاب البر والصلة والآداب باب استحباب العفو والتواضع رقمه (2588) جـ4 ص2001. انظر صحيح سنن الترمذى أبواب البر والصلة، باب ما جاء في التواضع رقمه (1652) جـ 2/199
(4) انظر الملخص الفقهي، جـ1/321.
(5) صحيح سنن أبي داود. كتاب الصلاة، باب المحافظة على وقت الصلوات رقمه (429) جـ1 ص87.
(1/24)
كما بَيَّنَ لهم صلى الله عليه وسلم مقدار الزكاة، وأنَّ مَنْ أدَّى زكاته كما أمر بذلك فليس بكانز لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس فيما دون خمس أواق (1) صدقة، وليس فيما دون خمس ذودٍ (2) صدقة وليس فيما دون خمس أوسق (3) صدقة" (4) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "كل مال أخرجت منه الصدقة فلا وعيد على صاحبه، فلا يُسَمَّى ما يفضل بعد إخراجه الصدقة كنزاً " (5) .
لذا فالمعلم يُرغَّب في الصدقة، ويبين أنها إن نقصت المال عددياً فإنها لن تنقصه بركة وزيادة في المستقبل، بل يخلف الله بدلها ويبارك له في ماله" (6) .
ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظر حتى يسأل عن الأجر بل إذا رأى منكراً أو أمراً مخالفاً يبادر إلى إنكاره. ومن ذلك ما ورد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده – رضي الله عنهم – أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها، وفي يدِ ابنتها مسكتان غليظتان (7) من ذهب، فقال لها: " أتعطين زكاة هذا؟ " قالت: لا. قال: "أيسرك أن يُسَوِّرك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ " قال: فخلعتهما، فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله عز وجل ولرسوله" ( .
__________
(1) جمع أوقية وهي أربعون درهماً من الفضة.
(2) الذود: من واحد إلى تسع وقيل درهم، من الفضة.
(3) أوسق: جمع وسق وهو ستون صاعاً.
(4) صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب ما أدى زكاته فليس بكنزٍ رقمه (1405) جـ2 ص136، واللفظ له انظر صحيح مسلم، كتاب الزكاة، بدون باب، رقمه (979) ، جـ2 ص673.
(5) فتح الباري جـ3//272.
(6) فصول في الصيام والتراويح والزكاة ص21.
(7) مسكتان: يعني سوارين غليظين.
( صحيح سنن أبي داود كتاب الزكاة باب العروض إذا كانت للتجارة رقمه (1563) جـ1/291، وانظر صحيح سنن النسائي كتاب الزكاة باب زكاة الحلي رقمه (2304) جـ2/523.
(1/25)
وشرع صيام رمضان في السنة الثانية من الهجرة بعد أن مرت مشروعيته بمراحل (1) فكان في ذلك مجال لتعليم أصحابه فضل الصوم وأحكامه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تبارك وتعالى فرض صيام رمضان عليكم، وسننتُ لكم قيامه، فمن صامه وقامه احتساباً، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" (2) .
وأيضاً ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة قال: "تعبد الله، ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة
__________
(1) المرحلة الأولى: الأيام المعدودات، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ َيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:183-184] . والأيام المعدودات قيل: هي الاثنين والخميس، وقيل: الأيام البيض، وهي ثلاثة أيام من كل شهر وقيل: غير ذلك.
المرحلة الثانية: التخيير بين الصيام أو الإطعام كما في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:184] .
المرحلة الثالثة: وجوب صيام شهر رمضان على كل مسلم، حتماً إلا من كان له عذر قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ} [البقرة: 185] .
المرحلة الرابعة: التخفيف على المسلمين، فقد كان الصوم يبدأ بأول نومة بعد صلاة العشاء، ويبقى الصائم ممسكاً بقية الليل، واليوم الذي يليه كله حتى تغرب الشمس فشق ذلك على المسلمين، فخفف الله عنهم ذلك، وأباح لهم في ليالي رمضان كلها الأكل والشراب والجماع وذلك كما في قوله تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] . انظر " أيام رمضان " للدكتور صالح الزيد.
(2) مسند الإمام أحمد (1/191) عن عبد الرحمن بن عوف (جـ3/127) برقم (1660) وقال الشيخ شاكر: إسناده صحيح.
(1/26)
المفروضة، وتصوم رمضان"، قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئاً أبداً، ولا أنقص. فلما ولَّى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا" (1) .
فالرسول صلى الله عليه وسلم رغَّب في الصيام وحث عليه لما فيه من تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة، والقوى الباطنة ولما له من أكبر العون على التقوى كما قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَل
عدل سابقا من قبل سالمان المالكى في 10/6/2012, 02:07 عدل 1 مرات
9/13/2019, 11:30 من طرف Sanae
» المهندسين خ
7/1/2015, 04:18 من طرف زائر
» المهندسين خ
7/1/2015, 04:13 من طرف زائر
» تليفونات برنامج صبايا الخير بقناة النهار
6/27/2015, 09:30 من طرف زائر
» طلب مساعده عاجل
6/21/2015, 14:28 من طرف fatim fatima
» اغاثه
6/17/2015, 10:03 من طرف زائر
» موضوع مهم جدا وأرجو ألا تغفلوا عنه وأرجو ابتواصل
6/17/2015, 09:59 من طرف زائر
» موضوع مهم جدا وأرجو ألا تغفلوا عنه وأرجو ابتواصل
6/17/2015, 09:56 من طرف زائر